عدد الرسائل : 17047 الموقع : جريدة الامة تاريخ التسجيل : 24/09/2008
موضوع: أخطر فصول الصراع بين مبارك وأبوغزالة الأحد 20 مارس 2011 - 8:29
من أهم الكتب التي كشفت جانباً مثيراً من أسرار العلاقة بين حسني مبارك ومحمد عبدالحليم أبوغزالة الكتاب الذي قام بتأليفه الباحث البريطاني «روبرت سبرنجبورج» وهو أهم باحث متخصص في شئون الشرق الأوسط من الغرب والكتاب عنوانه «مصر مبارك: تفكيك النظام السياسي» وهو كتاب نادر جداً يغطي الفترة الأولي من حكم حسني مبارك ولكنه أيضاً يغطي جانباً مهماً من تاريخ حسني مبارك مع العسكرية المصرية وعلاقته مع أنور السادات وسنواته مع السادات عندما كان نائباً لرئيس الجمهورية. ولا يوجد من هذا الكتاب إلا نسخة وحيدة موجودة في مكتبة إحدي الجامعات ولا يسمح باستعارته إلا لساعة واحدة فقط. ومن أهم الأجزاء في هذا الكتاب الذي يبلغ حوالي 310 صفحات من القطع الكبير الجزء الرابع الذي يغطي صلة مبارك بالجيش وعلاقته بالمشير محمد عبدالحليم أبوغزالة وزير الدفاع السابق وأحد أهم الشخصيات العسكرية في مصر في الفترة الممتدة من منتصف السبعينيات وحتي آخر الثمانينيات. يقول الباحث: إن العلاقة بين حسني مبارك وعبدالحليم أبوغزالة علاقة قديمة ووثيقة تشبه إلى حد كبير العلاقة بين جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر ولكن لا تشبهها بالكامل. فرغم أن حسني مبارك يكبر أبوغزالة بعامين «مبارك من مواليد 4 مايو 1928 بينما أبوغزالة من مواليد 15 يناير 1930» إلا أنهما خريجا دفعة واحدة في الكلية الحربية وهي دفعة 1947 - 1949. وقد تزامل الاثنان في الكلية الحربية وتعرفا على بعضهما البعض. كان مبارك قادماً من ريف نيل الدلتا في مصر مثله مثل أبوغزالة. مبارك جاء من قرية كفر المصيلحة التابعة لمحافظة المنوفية في قلب الدلتا بينما جاء أبوغزالة من قرية «قبور الأمراء» التابعة لمحافظة البحيرة غرب الدلتا. أبوغزالة كان طالباً متفوقاً في الكلية الحربية ويتميز بشخصية جذابة ومتزنة علاوة على أنه كان يهوي القراءة والاطلاع علاوة على أنه كان مندمجاً في الوضع السياسي والذي كان سائداً في مصر في تلك الفترة من تاريخها والتي سبقت اندلاع ثورة 1952 ضد الملكية. وهناك مؤشرات قوية تؤكد انضمام أبوغزالة إلى حركة الضباط الأحرار وقد احتوت كشوف هذه الحركة التي قادها «ناصر» يوم 23 يوليو للانقلاب على الملك فاروق اسم أبوغزالة. أما مبارك فلم يكن هناك ما يدل على أنه كان مهتماً بالوضع السياسي حوله أو أنه كان واسع الاطلاع. كل ما كان يبدو على مبارك أنه كان يريد الخروج من مجتمع القرية الذي كان يعيش فيه مع عائلة متواضعة الحال إلى مجتمع القاهرة الرحب. كانت معاهدة 1936 التي وقعها الزعيم الوفدي مصطفي النحاس مع الإنجليز قد مكنت أبناء العديد من الأسر متوسطة الحال الانضمام إلى الكلية الحربية. أبوغزالة بفضل ثقافته واطلاعه واندماجه مع الحركة السياسية في البلاد علاوة على أن هناك ما يدل على أن عائلته كانت عائلة ميسورة الحال بعكس عائلة مبارك.. كان يطمح من البداية للالتحاق بالكلية الحربية رغم أنه كان متفوقاً في الدراسة الثانوية «ترتيبه 12 في امتحان التوجيهية على مستوي مصر» وكان يمكنه الالتحاق بكليات مرموقة مثل كلية الحقوق التي كانت تضم النخبة من أبناء العائلات. أما مبارك فلا نعرف عن ماضيه قبل الالتحاق بالكلية الحربية وهو نفسه كان حريصاً على ألا يتحدث عن عائلته ووضعه الاجتماعي الحديث عن نشأتهما ولا يخجلان من الحديث عن المستوي المتواضع الذي تربيا وسطه. ولكن من الواضح أن التحاق مبارك بالكلية الحربية كان بهدف الصعود إلى مستوي اجتماعي أرقي وقد ساعدت بنيته الجسمانية القوية على الالتحاق بالكلية والقبول بها. وكما قلنا تزامل مبارك وأبوغزالة في الكلية الحربية في أعوام 1947 - 1949 وذلك رغم أن مبارك كان يكبر أبوغزالة بعامين. ولكن بعد التخرج في الكلية الحربية عام 1949 تفرقت السبل بينهما وإن كان لم ينس كل واحد منهما الآخر. أبوغزالة التحق بسلاح المدفعية وأصبح خبيراً فيها بينما التحق مبارك بسلاح الطيران وأصبح قائداً في قاذفات القنابل. والغريب أن مبارك وأبوغزالة جمعت بينهما بعد ذلك سنوات التدريب في الاتحاد السوفيتي رغم أنهما كانا في بعثات مختلفة ولكن كان هناك تداخل بينها وخصوصاً عام 1961. ولا نعرف بعد ذلك الكثير عن العلاقة بينهما طوال مدة الستينيات وحتي النصف الأول من السبعينيات. ولكن من المؤكد أنه كان هناك اتصال بينهما مثلما هو الحال في مجتمع الجيش المصري الذي يتسم بالترابط والعلاقات الشخصية وخصوصاً إذا كانت تعود لأيام الدراسة في الكلية الحربية. في الفترة من 1976 و1979 كان أبوغزالة ملحقاً عسكرياً في السفارة المصرية في واشنطن بينما أصبح مبارك نائباً لرئيس الجمهورية عام 1975. وهنا عاد الاتصال الوثيق بينهما مرة أخرى وخصوصاً عندما قررت الولايات المتحدة وهنا عاد الاتصال الوثيق بينهما مرة أخرى وخصوصاً عندما قررت الولايات المتحدة تقديم برنامج كبير من المساعدات العسكرية لمصر عقب توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل في 1979. وهنا وفي هذه الفترة أصبح أبوغزالة لاعباً رئيسياً في صفقات التسليح الأمريكية لمصر بينما كان مبارك بحكم منصبه كنائب لرئيس الجمهورية يحاول أن يكون على اطلاع دائم بعمليات التسليح الأمريكية وهو ما أدخله في خلافات عميقة مع وزير الدفاع أحمد بدوي الذي رفض تدخلات مبارك في شئون الجيش واتهمه بأنه يسعي للحصول على عمولات من وراء هذه الصفقات. وهناك معلومات تشير فعلاً إلى أنه كانت هناك شبكة تكونت من حسني مبارك وأبوغزالة ومعهما ضابط مخابرات سابق كان صديقاً لمبارك هو حسين سالم. وتكونت شركة مصرية أمريكية للنقل والخدمات وكانت مهمتها نقل شحنات الأسلحة الأمريكية لمصر ولأفغانستان أيضاً في سنوات حروب المجاهدين الإسلاميين ضد الاحتلال السوفيتي. وقد وصل الحال أن قامت هذه الشراكة بين مبارك وأبوغزالة وحسين سالم بتوريد حوالي عشرة آلاف حمار لأفغانستان لأنها كانت تناسب المجاهدين الأفغان هناك في تحركاتهم الجبلية. وكان هناك رجل أعمال آخر شارك معهما في هذه العمليات وهو «محمود الجمال» «نسيب مبارك فيما بعد». هناك مؤشرات أن كمال حسن على الذي أصبح رئيساً للوزراء فيما بعد في عهد مبارك كان عضواً في هذه الشبكة التي تربحت كثيراً من عمولات صفقات نقل الأسلحة الأمريكية لمصر. ويبدو أن السادات كان علم بهذه الشبكة وهذا ما أدي إلى صدام بينه وبين وزير دفاعه أحمد بدوي الذي اشتكي له من هيمنة هذه الشبكة على عمليات تسليح الجيش وخصوصاً من خلال مبارك وأبوغزالة. وطبعا كلنا نعرف أن المشير بدوي لقي مصرعه في مارس 1981 ومعه حوالي 13 من قيادات الجيش الكبري في حادث اصطدام طائرته الهليوكوبتر بأحد أعمدة الإنارة في الصحراء الغربية. ومن المؤكد أنه بمجرد مصرع «أحمد بدوي» بذل حسني مبارك كل ما في وسعه لإقناع السادات بتعيين أبوغزالة وزيراً للدفاع بدلاً منه. وطبعاً لعبت العلاقة الشخصية القديمة بين مبارك وأبوغزالة من أيام سنوات الكلية الحربية ثم التدريب العسكري في الاتحاد السوفيتي ثم المشاركة في بيزنس عمليات نقل السلاح الأمريكي دوراً رئيسياً في أن يعمل مبارك كل ما في وسعه من أجل أن يأتي «أبوغزالة» وزيراً للدفاع. وبالفعل وافق السادات وتم تعيين أبوغزالة وزيراً للدفاع والإنتاج الحربي وقائداً عاماً للقوات المسلحة في 4 مارس 1981. في هذه الفترة ربطت مصالح البيزنس بين مبارك وأبوغزالة والأكثر من هذا أن أفراد العائلتين بدأوا في تبادل الزيارات بينهما وكان مبارك يسكن في حي مصر الجديدة بينما كان أبوغزالة يسكن في حي «حلمية الزيتون» القريب من منزل مبارك. كان مبارك يهوي ممارسة لعبة الأسكواش بينما كان أبوغزالة يهوي لعبة التنس. وهنا لابد أن يثار سؤال هل كان لمبارك وأبوغزالة والسادات دور في تدبير مصرع وزير الدفاع الصارم الفريق أحمد بدوي في مارس 1981. لا يمكن لأحد أن يجيب عن هذا السؤال ولكن من الواضح أن مبارك وأبوغزالة قد علا نجمهما كثيراً بعد أحمد بدوي وكان أكبر من استفادوا من مصرعه. وازدادت العلاقة توثقاً بين مبارك وأبوغزالة بعد أن أصبح الأخير وزيراً للدفاع وأصبح الاثنان يحيطان بالسادات مثل إحاطة السوار بالمعصم وكان الاثنان بجواره عندما لقي مصرعه في العرض العسكري في 6 أكتوبر 1981 أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره. ومثلما استفاد مبارك وأبوغزالة من مصرع أحمد بدوي استفاد الاثنان كثيراً أيضاً من مصرع السادات. فبمجرد أن تولي مبارك الحكم أصدر قراراً بترقية أبوغزالة إلى رتبة المشير في أبريل 1982 ثم أصبح علاوة على منصبه كوزير دفاع وإنتاج حربي وقائد عام للقوات المسلحة أصبح نائباً لرئيس الوزراء في سبتمبر 1982. ولكن مثلما تطورت العلاقة بين عبدالناصر ووزير دفاعه عبدالحكيم عامر من الصداقة الشديدة إلى الصدام المباشر تطورت العلاقة بين مبارك وأبوغزالة على نفس المنوال. ظل نجم أبوغزالة يصعد بصورة متواصلة وكان واضحاً أنه صاحب طموح شخصي هائل علاوة على أنه حازم وقوي الشخصية. وقد استطعت الحصول على تفريغات كاملة لمقابلاته مع المسئولين الأمريكان عندما كان ملحقاً عسكرياً في السفارة المصرية في واشنطن وكان من الواضح أنها تكشف عن أن أبوغزالة على اطلاع وثقافة كبيرة وأنه قادر على سرد الأرقام والحقائق وقد تبين أنه حاصل على بكالوريوس التجارة من جامعة القاهرة. أما مبارك فكان بالعكس من أبوغزالة يبدو أنه لا يمتلك سمات القيادة وأن المنصب بالنسبة له مغنم لا مغرم. كان ذلك واضحاً من طريقة تصرف الاثنين عقب اغتيال السادات مباشرة وأمام كل عدسات الكاميرات التليفزيونية. فقد نهض أبوغزالة بسرعة وأشار بعصاه نحو الجناة الفارين وأعطي أوامره للحرس بضرورة تعقبهم والقبض عليهم بسرعة. بينما كان مبارك مازال منبطحاً تحت الكراسي وقد قام الحراس بإخراجه بعد أن انتهي الضرب وأبعدوه عن المنصة بصورة بدت مهينة بالنسبة لمنصبه وأمام الجماهير المحتشدة. ثم ازدادت الحساسية بينهما وأصبحت الجماهير تعقد مقارنة بينهما حتى في مباريات كرة القدم. كان أبوغزالة محظوظاً وكانت كل مباراة يحضرها يفوز الفريق القومي بينما كان مبارك صاحب فأل نحس حيث كان الفريق يتعرض للهزيمة في كل مرة يحضر فيها مباراة. أصبحت هذه المقارنة عبارة عن نكتة يتداولها المصريون. ولم يتغير الأمر قليلاً إلا في عام 1986 عندما فاز المنتخب المصري بصعوبة بالغة في استاد القاهرة بكأس أفريقيا وكان مبارك حاضراً. من ناحية أخرى كان أبوغزالة شخصاً متديناً وكان ذلك يهوي المصريين وكان يجاهر بعدائه للشيوعية ويحذر من أنه لو سقطت مصر في يد الاتحاد السوفيتي فإن العالم العربي كله سيسقط في يد الشيوعية، ومن الواضح أن ميوله كانت نحو الأمريكان بحكم السنوات التي قضاها كملحق عسكري في السفارة المصرية في واشنطن. ولذلك يعزو لأبو غزالة الدور الأكبر في تنسيق عمليات التدريب المشتركة بين مصر وأمريكا والتي عرفت باسم «النجم الساطع». كما كان يدعو للتنسيق مع قوات الانتشار السريع الأمريكية لمواجهة التوسع السوفيتي. وقد قام أبوغزالة بالاستفادة من خبراته في صفقات المعونة العسكرية الأمريكية وذلك من خلال ترأسه لما يسمي باللجنة العليا لسيارة الركوب المصرية وهي اللجنة التي أنهت علاقة دامت ربع قرن بين شركة فيات الإيطالية والحكومة المصرية من خلال شركة النصر للسيارات «ناسكو» وأحلت محلها علاقة جديدة بين ناسكو وشركة جنرال موتورز الأمريكية وبحيث أصبح لهذه الشركة الأمريكية «جنرال موتورز» احتكار تام على مبيعات السيارات الجديدة في مصر. وبعكس أبوغزالة كان مبارك لا يميل إلى مظاهر التدين والاختلاط برجال الدين وكان لزوجته سوزان «المصرية الإنجليزية» دور كبير في عزوف زوجها وعائلتها عن أي مظاهر التدين. ونلفت النظر إلى أنه في هذا الوقت من منتصف الثمانينيات كانت زوجة أبوغزالة هي الوحيدة من زوجات الوزراء وكبار المسئولين التي ترتدي الحجاب بينما كانت سوزان مبارك لا تطيق هذا الحجاب على الإطلاق. وطبعاً أكسب هذا الأمر أبوغزالة بعض الشعبية على حساب مبارك. ولذلك وبدءاً من عام 1983 يمكن القول إن مبارك ينظر بعين الحظر إلى خطورة أبوغزالة. وبدأ أول خطوة نحو هذا الأمر في عزل أبوغزالة من عضوية المكتب السياسي للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في نوفمبر 1984. واستند مبارك في هذه الإقالة إلى مادة في الدستور تمنع العسكريين العاملين من الانضمام للأحزاب السياسية. وكان أبوغزالة قد تم ضمه للمكتب السياسي للحزب الوطني الحاكم في أول أكتوبر 1981 وأثناء المؤتمر العام الثاني للحزب وقبل اغتيال السادات بخمسة أيام فقط. وكان مبارك الذي سعي لتعيين أبوغزالة وزيراً للدفاع في مارس 1981 هو الذي سعي لدي السادات لكي يضم أبوغزالة للمكتب السياسي للحزب الحاكم كنوع من ضمان الولاء. ولكنه عاد بعد ذلك وقام بإقالة أبوغزالة من هذا المكتب بعد أن بدأ ينظر بحذر لتزايد نفوذه خارج الجيش وعلي المستوي الشعبي والسياسي. وقد سبق هذا وكما قلنا وبدءاً من عام 1983 أن قام مبارك جاهداً بالعمل على الحد من نفوذ أبوغزالة داخل الجيش. ولذلك قام في خريف 1983 بعمل تغييرات واسعة النطاق في الجيش بدون استشارة أبوغزالة وقام بتسكين عدد كبير من الضباط الموالين له شخصياً في المراكز الرئيسية والمؤثرة ولكي يرسل إشارة بذلك لكل من كان يشك في سلطته على الجيش. وهنا نشأ صراع بين مبارك وأبوغزالة حول اختيار رئيس الأركان فقد قاوم أبوغزالة محاولات مبارك اختيار رئيس أركان على غير هواه ونجح في ذلك ولكنه لم ينجح في أن يأتي للمنصب بأحد الموالين له. كان أول رئيس للأركان في عهد مبارك هو الفريق عبد رب النبي حافظ والذي كان صاحب شعبية ولكن تم عزله بعد أن ظهرت إشاعات أنه قضي أسبوعين في الإسكندرية مع امرأة خليلة له لم تكن زوجته. وقد قام مبارك بتعيين الفريق إبراهيم العرابي في منصب رئيس الأركان ورغم أن «العرابي» كان صديقاً لأبوغزالة إلا أنه لم يكن من الموالين له علاوة على أن عقيدته العسكرية بعكس أبوغزالة تنتمي للسوفيت. وعلي الناحية السياسية حاول مبارك أيضاً الحد من نفوذ أبوغزالة ولذلك قام بتعيين الرجل العسكري كمال حسن على في منصب رئيس الوزراء في يوليو 1984 ورغم العلاقات الوثيقة التي كانت تربط بين مبارك وأبوغزالة وكمال حسن على من أيام صفقات الأسلحة الأمريكية إلا أن هدف مبارك الأكبر من تعيين كمال حسن على رئيساً للوزراء كان الوقوف في وجه أبوغزالة والحد من نفوذه داخل مجلس الوزراء. إلا أن مجيء مبارك بـ «علي لطفي» رئيساً للوزراء في سبتمبر 1985 أعاد النفوذ لأبوغزالة. كان مبارك قد اضطر إلى إقالة كمال حسن على بعد أن تفاقمت الأوضاع الاقتصادية سوءاً وظهرت التجارة في الدولار على نطاق واسع والإتيان بخبير اقتصادي لعله يعالج هذه الأوضاع. إلا أن على لطفي كان شخصية ضعيفة وهذا فتح الباب لأبوغزالة لأن يكون هو رئيس الوزراء الحقيقي والمهيمن على المؤتمرات الصحفية. وبذلك خسر مبارك جولة في إطار صراعه مع المشير أبوغزالة. وازداد موقف مبارك حرجاً أمام أبوغزالة عندما اندلعت المظاهرات التي قامت بها قوات الأمن المركزي في 25 - 26 فبراير 1986 واضطر بعدها لإقالة وزير الداخلية اللواء أحمد رشدي. كان مبارك قد قام بتعيين أحمد رشدي وزيراً للداخلية في وزارة كمال حسن على في يوليو 1984 بدلاً من حسن أبوباشا لكي يستطيع بقوة شخصيته وصرامته وبالتعاون مع رئيس الوزراء العسكري كمال حسن على الحد من نفوذ «أبوغزالة» ولكن التطورات لم تأت في صالحه بعد ذلك بعد أن حدثت إقالة كمال حسن على وتعيين على لطفي بدلاً منه علاوة على تطورات حادثة الأمن المركزي وإقالة أحمد رشدي. وقد ذكرت مصادر مطلعة لي أن حادث الأمن المركزي قد تم بتدبير من أبوغزالة نفسه لإزالة رشدي الذي كان العقبة الباقية أمامه في الهيمنة على مجلس الوزراء. ويبدو من الأقاويل الخاصة بأنه كان لأبوغزالة دور كبير في تدبير أحداث الأمن المركزي أنها صحيحة بدرجة كبيرة وخصوصاً بعد أن تحرك أبوغزالة بعدها مباشرة لإنقاذ الموقف والدفع بالجيش لاستعادة النظام في شوارع القاهرة. الأكثر من هذا قام بالدفع بأتوبيسات القوات المسلحة لكي تقوم بنقل الناس إلى منازلهم داخل وخارج القاهرة بعد أن أصيبت الخدمات بالشلل. وظهر أبوغزالة باعتباره المنقذ للبلاد ونداً أساسياً لمبارك. إلا أن الخلاف الأكبر الذي اندلع بين مبارك وأبوغزالة والذي ظل خافياً تحت السطح كان في نوفمبر 1985 وقبل شهور قليلة من أحداث الأمن المركزي. في نوفمبر 1985 وقعت حادثة السفينة الإيطالية «أكيللي لاورو» التي اختطفها الفلسطينيون وأدت إلى مصرع مواطن أمريكي كان على متنها. فقد ظهر خلاف حاد بين مبارك وأبوغزالة حول الأسلوب في علاج هذا الحادث الخطير وخصوصاً بعد أن دخلت الولايات المتحدة على الخط. تصرف مبارك في البداية وقرر القيام بنقل الخاطفين من الفلسطينيين على متن طائرة مصرية ولم يكن مدركاً أن اتصالاته التليفونية مرصودة من قبل الإسرائيليين والأمريكان. أما أبوغزالة فكان معارضاً بشدة لهذا التصرف مدركاً لحساسية إدارة رونالد ريجان في أمريكا تجاه عمليات الإرهاب التي تستهدف الأمريكان. وقد ذكرت قناة «إيه بي سي» الأمريكية بأن أبوغزالة قام بالاتصال بالأمريكان وأخبره بانطلاق الطائرة نحو تونس حيث يوجد مقر منظمة التحرير الفلسطينية. وقد أعلنت القناة عن ذلك في 10 يونيو 1986. إلا أن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية عاد في اليوم التالي وأنكر أن يكون أبوغزالة قد اتصل بالأمريكان وأخبرهم بتصرف مبارك المنفرد وترحيله للخاطفين إلى تونس في السر. وقامت الصحف المصرية بنشر هذا النفي على صدر صفحاتها الأولي. إلا أن صحيفة «لموند» الفرنسية عادت بعد ذلك وأكدت في تحقيق لها أن أبوغزالة هو الذي قام بالاتصال فعلاً بالأمريكان لأن مبارك لم يسمح له بأن تقوم قوات الكوماندوز المصرية باعتقال الخاطفين. ولكن الباحث الأمريكي في الشئون المصرية «أنتوني ماكد يروت» قام في كتابه الذي نشره تحت عنوان «مصر من عهد عبدالناصر إلى عهد مبارك» بالتأكيد على أن أبوغزالة لم يقم على الإطلاق بالاتصال بالأمريكان أو يخبرهم بما فعله مبارك مع الخاطفين وأن كل ما فعله أبوغزالة أنه قام بتقديم اقتراحه لحل الأزمة إلى مبارك وإلي فريق معالجة الأزمة الذي شكله مبارك إلا أن مبارك لم يأخذ بكلامه وهنا انتهي دوره ولم يقم بأي اتصال بالأمريكان. ويقول الكاتب الصحفي الأمريكي المعروف «بوب وودوارد» أن ما حدث أن المخابرات الأمريكية «سي آي إيه» قد قامت بالتقاط مكالمة تليفونية بين مبارك ووزير خارجيته عصمت عبدالمجيد والتي كشفت لإدارة ريجان أن مبارك كان يكذب عليها بخصوص الخاطفين فعلي حين أخبر هذه الإدارة بأن الخاطفين مازالوا تحت الاحتجاز فقد اتضح من المكالمة أنه قد قام بترحيلهم في الطائرة إلى تونس وهذه خدعة لا يقبلها الأمريكان ولم تكن تقبلها إدارة شرسة وعدوانية مثل ريجان. وأنا أميل لرواية بوب وودوارد التي رواها في كتاب «الحجاب: الحروب السرية للمخابرات الأمريكية» والذي ذكر فيها أيضاً أن التجسس على اتصالات مبارك الهاتفية قد تم بالتعاون مع الموساد. ولكن أياً كان من أخبر الأمريكان فقد كان من الواضح أن حادث السفينة «أكيللي لاورو» وما تبعها في فبراير 1986 من أحداث مظاهرات الأمن المركزي والتي لعب أبوغزالة دوراً كبيراً فيها قد سببت شرخاً عميقاً في العلاقة بينه وبين مبارك. فقد بدا أبوغزالة في حادث أكيللي لاورو كما لو كان رجل الأمريكان في مصر والذي يمكن أن تعتمد عليه إدارة ريجان وتثق فيه أكثر من مبارك وذلك رغم أن ريجان أرسل مبعوثه الشخصي وكيل وزارة الخارجية «جون هوايتهيد» لمبارك في محاولة لإصلاح التوتر الذي جري معه. أما في أحداث الأمن المركزي وسواء كان أبوغزالة هو الذي كان يقف وراءها أم لا فإنه خرج منها منتصراً وذو شعبية كبيرة على حساب «مبارك». ثم تطورت الأمور في غير صالح مبارك لأكثر من ذلك في الشهر التالي على حادثة أكيللي لاورو في نوفمبر 1985. فقد شهد شهر ديسمبر 1985 اختطاف طائرة لشركة مصر للطيران وتم تحويل وجهتها نحو جزيرة مالطة وتم احتجازها هناك إلى أن وصلت طائرة تحمل فرقة من الكوماندوز المصريين وثلاثة مسئولين أمريكان كبار من المستشارين العسكريين على رأسهم رئيس البعثة الأمريكية في القاهرة. وقد حاول هؤلاء القيام بعملية إنقاذ للطائرة المختطفة ولكن الأمور سارت على غير ما يرام حيث تعرض أكثر من نصف الركاب للقتل. وتدهورت الأمور عندما أسرع وزير الإعلام المصري صفوت الشريف ووصف عملية الإنقاذ أنها كانت ناجحة جداً بينما كانت كل التليفزيونات الأمريكية تكشف الحقيقة بالصور. وقد ذكرت قناة «إيه بي سي نيوز» أن أبوغزالة قام بالتنسيق مع المستشارين العسكريين الأمريكان بالتخطيط لعملية الإنقاذ الفاشلة. في هذه النقطة منذ آخر عام 1985 حاول مبارك أن يستغل فشل عملية الإنقاذ للطائرة المختطفة في مالطة ويقوم بإقالة أبوغزالة من منصبه بعد أن اتضح له أن الأمريكان أصبحوا يثقون فيه. في البداية حاول مبارك أن يلوح له بمنصب نائب رئيس الجمهورية على أمل أن يقنعه أن يترك وزارة الدفاع بأمان وهدوء ولكن كان رد أبوغزالة أنه مستعد لقبول منصب نائب رئيس الجمهورية بشرط أن يظل وزيراً للدفاع في نفس الوقت «مثلما كان الحال بين عبدالناصر والمشير عامر». وهنا كما أكد لي مصدر موثوق في السفارة الأمريكية في القاهرة فإن واشنطن وصلتها معلومات عن كل ألوان الصراع بين مبارك والمشير أبوغزالة وبسرعة تحركت وأرسلت رسالة لمبارك مفادها أنها سوف تنظر بغير ترحيب تجاه أي تصرف يؤدي إلى إقالة المشير أبوغزالة. وبعد ذلك جاءت أحداث مظاهرات الأمن المركزي في فبراير 1986 أو بعد شهرين فقط من حوادث أكيللي لاورو والطائرة المختطفة في مالطة لكي يجد مبارك نفسه في حالة لا يرثي لها وفي احتياج بالغ للجيش ووزير دفاعه المشير أبوغزالة لكي يقلع مؤقتاً عن عزله من منصبه في إطار الصراع الذي كان دائراً بينهما. وإلي الحلقة التالية من فصول الصراع المثيرة بين مبارك وأبوغزالة