س سؤال: ما هى الأيادى الخفية التى حركت الثورات الشعبية فى مختلف الدول العربية وفى وقت متزامن؟
اختر يدا خفية لو سمحت من الاختيارات التالية:
• الولايات المتحدة الأمريكية
• الموساد
• إيران
• الجماعات الإسلامية
• مشكل (كباب على كفتة)
- علل أسباب اختيارك لتلك اليد الخفية بالذات يا مفتح وفى حالة اختيار المشكل دلل على العلاقة بين الكباب والكفتة.. ؟
- اقترح بعض الدول أو التيارات التى يمكن أن تشكل أيدى خفية فى المستقبل مع تحديد هتلعب فين؟؟
هذا هو السؤال الإجبارى فى امتحان مادة التاريخ لطلاب الثانوية العامة عام 2030 لو استمرت ثقافتنا إلى هذا الانحدار.. سندرس علوم التاريخ مثل علوم قراءة الكف ورؤية الطالع بلا معلومة حقيقية أو أحداث مثبتة أو أسماء محددة سيكون التاريخ من العلوم السفلية التى تعتمد على فتح المنديل وتقسيم الكوتشينة والبحث عن الأيادى الخفية للعفاريت..
لقد عشنا طوال تاريخنا السياسى فى حالة من القهر الجماعى والخوف الفاجع من الأيدى الخفية التى نسمع عنها ولا نراها، رغم أنها السبب الوحيد الذى برر به الحكام كل المصائب التى مرت على هذه البلاد.. (والله كانت إيد خفية ومحدش شافها بتلعب فين) وكان هذا طبيعيا فى نظم سياسية لها المئات من أذرع الفساد التى تنشر الفقر والفتنة والجهل حتى يظل الناس فى غيبوبة.
ولكن أن يفكر الناس بعد أن خرجوا من الغيبوبة بهذا المنطق السخيف ويشككوا فى أن الثورات العربية المتتالية وعلى رأسها 25 يناير سببها أيد خفية تلعب فى المنطقة لإسقاطها أو تقسيمها أو أضعاف هويتها فهذا كارثة لأن المجتمع أصبح مدمنا أيدى خفية حتى أنه يشكك فى نسب ابنه الوحيد.
فهل هو نوع من الهلوسة الاجتماعية أن تنتشر تلك الأفكار بين الناس لتسود كل شىء وتشكك فى كل شىء حتى ثورتنا النبيلة.
ثم لماذا ننظر لأنفسنا بهذا الشكل الدونى المتدنى وكأننا قطيع من المواشى تحركه الأوامر من بعيد.. لماذا نشعر بهذا الضعف رغم ما منحته لنا الثورة من قوة؟
أنا أؤمن بحكمة (إذا كان السؤال سخيفا فلتجاوب بتفاهة) ولكنى لن استخدمها رغم اقتناعى بسخافة السؤال الذى بدأت به المقال وسأحاول أن أجيب عن السؤال بجدية.
لا يا سادة ليست هناك أيدى خفية فى تلك الثورات العربية المتتالية وذلك لعدة أسباب:
1. أن التاريخ المعاصر للثورات فى المنطقة العربية يدل على ارتباطها وتسلسلها وتحفيزها بعضها لبعض.. فحينما قامت ثورة 1919 فى مصر تلتها الثورة العربية فى الشام والحجاز عام 1920 ثم جاءت ثورة العشرين فى العراق وبالمثل حينما قامت ثورة 52 فى مصر اندلعت الثورات فى كافة الدول العربية وتخلصت جميعها من الاستعمار خلال أعوام.. بل إن تاريخ الخلافة الإسلامية يؤكد أنه ما من خلافة سادت ثم فسدت إلا وكانت تسقط فى كافة الدول العربية بتسلسل واضح وسريع.. وخذ فى اعتبارك أننا نشاهد الثورات الآن على الهواء مباشرة بينما كان الخبر ينتقل أيام الخلافة على الحصان والجمل ويعرفون الأخبار بعد شهر أو اثنين.
2. إن النظم السياسية التى حكمت الدول العربية فى الحقبة الأخيرة متشابهة بل تكاد تكون متطابقة، فجميعهم فاسدون مستبدون مجانين لا فرق بين القذافى ومبارك وبن على وابن الأسد ولذلك جاءت معاناة تلك الشعوب واحدة وفكرة التوريث والحكم الأبدى جعلت تلك الثورات أمرا حتميا وليس اختياريا.. الأمر كان أشبه بالغليان المكتوم الذى لا محال من انفجاره.. فكان كل انفجار يشجع إلى انفجار مماثل.. لقد استفدنا من تجربة تونس وتعلمنا منها بسرعة وانتقلت التجربة إلى دول المنطقة بسرعة البث على الهواء مباشرة وكان للإعلام المرئى دور كبير فى ذلك.
3. توقع بعض الدول لتلك الثورات لا يعنى أنها دبرتها.. فما قيل حول الفوضى الخلاقة أو البناءة أو ثورات الجياع أو الانفلات العام لم يكن أكثر من استنباط ذكى من تلك الدول اعتمد على معلومات دقيقة عن نسب الفقر والبطالة والفساد الذى انتشر بفظاعة فى كافة الدول العربية والذى تواكب مع انفتاح إعلامى على العالم الديمقراطى وانتشار واضح لوسائل الاتصال سواء كان أجهزة المحمول أو الإنترنت مما ساعد على زيادة التجمهر واتساع دائرة الغضب وجعل المواجهة حتمية بين الشعب والنظام القائم.
فى النهاية يجب أن نفهم أن الثورات التى قامت بالدول العربية طبيعية جدا.. لأنه لا أحد فى العالم كان يعيش مثلما كنا نعيش وأى جنسية كانت ستثور أسرع منا بكثير لو عاشت فى هذا الفساد والقهر والظلم الشامل لعشرات السنين.. ولكن يبدو أننا مش وش نعمة وأننا نستكثر على أنفسنا القدرة على الاعتراض مثل باقى البشر.. حتى إننا حينما اعترضنا شكك بعضنا فى هذا الشرف ونسبه للأيدى الخفية.