آخر عمود فى البيت
بقلم:
بيتنا قديم، مصنوع من الخشب، بناه نجار فاسد، أساء التصميم والتنفيذ. قررنا أن نهدم جميع عمدانه أولا كى نبنى غيرها بعد ذلك. وشرعنا فى الهدم، وأثناء الهدم ومع آخر عمود وجدنا السقف يهتز وكأنه سيقع. فتوقفنا عن الهدم، وبقى معنا عمود أخير وسط البيت. عمود مزعج، مكانه غير جيد، ووجوده قطعا غير مرغوب فيه، بل هناك لدينا معلومات مؤكدة أن تحته ثعابين نريد أن نتخلص منها. استعنا بنجار لنسأله ما العمل. قال لنا، لا بد من البناء المتوازى مع الهدم. لو أزلتم هذا العمود قد تقتلون الثعابين، إذا كان لكم عمر بعد انهيار السقف على رؤوسكم.
قبل أن تتخلصوا من آخر عمود ابنوا عددا من الأعمدة كى ترفع السقف بحيث لو أزلنا هذا العمود، لم يتأثر البنيان. أخى الصغير قرر أن يهدم العمود منفردا، يريد أن يقدم خدمة لنا كى نستيقظ أمام مفاجأة سارة من وجهة نظره بأن نجد أن العمود أزيل.
ليلا، سمعنا الضوضاء وهو يحاول تكسير العمود، ففزعنا وجرينا نحوه لنقول له:«.....»
أكمل أنت عزيزى القارىء ما تراه.
مؤسسات الدولة فى مصر انهارت: رئيس الجمهورية ونائبه، مجلسا الشعب والشورى، الحزب الوطنى أصبح فلولا (غير مأسوف على أى منهم) الشرطة انسحبت، نسبة من المساجين والبلطجية فى الشوارع، الجامعات والمدارس توقفت عن العمل، الكثير من المصانع شهدت احتجاجات مشروعة وإن كانت فى غير وقتها، غزة تحت الضرب، وليبيا تشهد حربا أهلية، واتفاقية مياه النيل اقتربت من حيز التنفيذ. ولم يبق من كل ما سبق إلا مؤسسة واحدة، فيها مشاكل مثل كل مؤسسات الدولة فى مصر، لأن النجار مبارك، منه لله، فسد وأفسد. رجال القوات المسلحة ليسوا من الملائكة، ولكنهم يقمعون الشياطين.
سألت عددا من قيادات مظاهرة الجمعة عن نيتهم، فقالوا لى، بأنها ستكون مظاهرات تحافظ على نفس الشعار القديم «الجيش والشعب إيد واحدة»، وأن تماسك الجيش ليس موضع تساؤل، وأنهم سينصرفون وينظفون الميادين بعد انتهاء المظاهرات ولا مجال للاعتصام.
لا أريد للقوات المسلحة أن تتخلى عن مسئوليتها. وأرجوكم لا تجبروها على ذلك. لا نريد للقوات المسلحة أن تنسحب قبل أن يتم تسليم البلاد بطريقة منظمة إلى حكومة مدنية منتخبة ديمقراطيا.
ليس من مصلحتنا أن نضع أبناءنا فى مواجهة مع قوات جيشنا، وليس من مصلحة جيشنا أن يستخدم العنف المفرط مع شبابنا.
ليس من حق أى مجموعة من الشباب مهما كان نبل مقصدهم أن يضعوا البلد كله فى مواجهة مع القوات المسلحة. إذا كانت كل قيادات الثورة التى كانت موجودة صباحا أخلت الميدان، ما الداعى لأن تختطف قلة الثورة لرؤيتها الذاتية؟ أنا لا أريد أن أدعو لمليونية من مواطنى مصر لتأييد دور الجيش حتى لا يفهم الجيش بأن هذا تفويض لهم للاستمرار فى السلطة لما بعد هذا العام مثلما حدث فى مارس 1954.
عموما أنا قلت كلمتى وفقا لفهمى لأولويات هذه المرحلة، ومن له رأى آخر أحترمه. ولكن هناك شىء مقلق: ثورة لها ائتلاف شباب الثورة، واتحاد شباب الثورة، والمكتب التنفيذى للثورة، ومجلس حماية الثورة، والكل يتحدث باسم الثورة. المال السايب يعلم السرقة، والثورة السايبة تعلم التهور.
أرجوكم حافظوا على هذا العمود حتى تعود المؤسسات الأخرى إلى كامل عملها. أرجوكم فلنراع الآثار غير المقصودة لكلماتنا.