احمد شعلان
عدد الرسائل : 17047 الموقع : جريدة الامة تاريخ التسجيل : 24/09/2008
| موضوع: ميدان التحرير.. مصدر السلطات الأحد 1 مايو 2011 - 2:47 | |
| عانت مصر عبر عقود طويلة من الزمن من أزمة شديدة وحادة فى الحكم بشقيه: الاستبداد والفساد.. ومن أسف أن نقول إن الاستبداد والفساد لم يكونا مقتصرين على مستوى معين، أو شريحة بذاتها، بل كانا مستشريين فى كافة مؤسسات الدولة والمجتمع، وإن كان بدرجة مخيفة ومرعبة فى المستويات العليا منهما.. وقد تجلى ذلك فى عدة أمور منها: تشويه ومسخ الشخصية المصرية، فقدان الحريات العامة والخاصة، التدهور الأخلاقي والقيمي، السلب والنهب المنظم لخيرات ومقدرات الوطن، التخلف العلمي والتقني والحضاري فى كل مجالات الحياة، انتهاكات حقوق الإنسان ( المادية والمعنوية ) والتى كانت تصل إلى حد التعذيب الوحشي والممنهج حتى الموت، إشاعة العنف والبلطجة، تزوير إرادة الأمة، إهدار آلاف الأحكام القضائية، وعدم احترام الدستور والقانون، علاوة على الأزمات والمشكلات الحياتية التى رزح المواطن المصرى تحت ثقلها طويلا ( مثل الفقر والبطالة والتضخم والارتفاع الجنوني فى الأسعار وتدنى الأجور ومشكلات التعليم والصحة والإسكان والنقل والمواصلات )، فضلا عن تنفيذ أجندة المشروع الأمريكى ـ الصهيونى وما لحق بها من تهميش، بل ضياع لدور مصر المحوري والاستراتيجي على المستويين الإقليمى والدولى. وجاءت ثورة 25 يناير الكبرى، تلك الثورة غير المسبوقة فى تاريخ مصر، لإزالة ذلك كله..جاءت لتحدث تغييرا جذريا فى الواقع السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافي المصرى، ولكى تبنى دولة ومجتمعا ناهضا راقيا يليق بمكانة مصر، الشعب والوطن.. وقد نجحت الثورة فى إسقاط رأس النظام، وإسقاط جهاز مباحث أمن الدولة، وحل مجلسى الشعب والشورى، وإسقاط حكومة أحمد شفيق، وتقديم رموز النظام إلى العدالة..إلخ. وهاهم يسحبون من عليائهم ويلقى بهم فى سجن مزرعة طرة، كواحدة من أعاجيب الزمان التى لم يكونوا يتصورونها فى أعتى كوابيس الأحلام ولا كانت تجرى على بال أو خيال أى مواطن فى مصر.. فسبحان من له الدوام، يغير ولا يتغير، وهو غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.. والحق يقال إنه لولا إصرار الشعب المصرى العظيم، بكل فئاته وشرائحه، في المضي قدمًا نحو تحقيق أهدافه الكبرى فى التغيير، والتى كانت تتصاعد وتتنامى مع الوقت بسبب الممارسات الإجرامية والبلهاء لرأس النظام الحاكم السابق ورموزه، أقول لولا هذا الإصرار العبقرى الذى تبدى من خلال التظاهرات المليونية السلمية غير المسبوقة فى ميدان التحرير وغيره من الميادين، والتى بهرت وأذهلت العالم كله، فضلا عن الدور الرائع الذى قامت به القوات المسلحة فى حماية الثورة والتجاوب مع طموحاتها وأشواقها، أقول لولا ذلك كله ما تحقق شىء من تلك الأعاجيب..فلله الحمد والفضل والمنة. وقد تبلورت الأهداف الكبرى للتغيير فى ثلاثة محاور رئيسية هى: الحرية، العدالة الاجتماعية، وإقامة نظام حكم ديمقراطى حقيقى. فيما يتعلق بالمحور الأول يمكن القول بأن الحرية التى تعيشها مصر الآن، ويتمتع بها كل مصرى على المستويين الخاص والعام، تعد من أعظم إنجازات الثورة الفتية..هذه الحرية سوف تكون لها إنعكاساتها الإيجابية فى مستقبل الأيام على كل مناحى الحياة..سوف تعزز من روح الإنتماء والولاء، بل سوف تؤدى إلى روح الخلق والابتكار والإبداع..فالآن يستطيع المواطن المصرى أن يقول "لا" بملء فيه بعد أن حرم منها طويلا، وأن يرفض بكل العزة والإباء والشموخ ما يرى فيه إملاء عليه أو خصما من إرادته الحرة، وأن ينتقد كل شىء يرى فيه خللا أو تناقضا مع روح الثورة، يفعل ذلك وهو آمن على نفسه وأهله وماله وولده. لقد عشنا زمنا فقدنا فيه الطمأنينة والأمان، حيث دأب جهاز مباحث أمن الدولة، ذلك الذراع الباطش للنظام الاستبدادى والقمعى، على إشاعة الخوف والرعب والهلع والفزع بين كل أفراد المجتمع..فقد تم زرع وتجنيد جيوش جرارة من المرضى النفسيين وأصحاب العلل من البصاصين والمرشدين السريين والمندوبين داخل الوزارات والمؤسسات والهيئات والشركات والأحزاب والتجمعات والجماعات، مما أصابها بالعجز والشلل وأفقدها استقلاليتها بل انصياعها الكامل وتبعيتها المخزية لهذا الجهاز اللعين، وهوما أدى فى النهاية إلى تحولها إلى هياكل خربة فارغة من أى مضمون..ناهيك عن تفشى قيم النفاق والمداهنة والتسلق والطفيلية وانعدام الإحساس بالمسئولية وفقدان الانتماء والولاء. وعشنا زمنا كنا نبيت فى بيوتنا ونحن نتوقع أن يدهمنا زوار الفجر فى أى وقت من الليل..وإذا جاءوا عاثوا فى البيوت فسادا، وقادوا أربابها إلى مقرات مباحث أمن الدولة، ثم إلى نيابة أمن الدولة العليا من خلال عربات ترحيل لا تليق بالكلاب، وبعد تحقيقات مضنية ومجهدة حول موضوعات تافهة وفارغة وعبثية يتم الترحيل فى نفس العربات إلى السجون، ثم التحويل إلى محاكمات عسكرية لتصدر أحكام ما بين عشر وثلاث سنوات، وتسأل نفسك: لماذا؟ فتكون الإجابة: لا شىء، مجرد مسرحيات هزلية كتب فصولها فرعون مصر وبطانته السيئة بهدف إشباع رغباتهم المريضة فى التحكم والهيمنة والسيطرة وممارسة أقصى درجات الاستبداد والفساد. وعشنا زمنا لا نستطيع أن نجتمع أو نتظاهر ضد ممارسات النظام القمعى، خاصة فى الميادين العامة، وإذا حدث كان الضرب والسحل والاعتقال والتعذيب، والتهديد بالضرب فى المليان. كما عشنا زمنا ظل فيه الشعب المصرى محروما من ممارسة حقه الدستورى والقانونى فى اختيار من يحكمه أو يمثله وفق إرادته الحرة..محروما من اختيار البرنامج الذى يعبر عن طموحاته وآماله، حيث كانت أعمال التزوير الفاضحة تتم جهارا نهارا، أمام القاصى والدانى، ثم يكتمل المشهد المضحك والمأساوى بخروج الرئيس السابق وحوارييه، سدنة المعبد وكهنة الذل والهوان، من هامانات ذلك العهد البغيض ليؤكدوا، بكل الكذب المفضوح والدجل الذى يبعث على الغثيان، والذى ما فتىء يردده ويرددونه عقب كل انتخابات، أنها تمت بكل الشفافية والنزاهة وأن ما جرى لا يعدو أن يكون مجرد تجاوزات!! رغم كل ما تحقق، إلا أننا ننظر الآن بقلق لما يجرى فى الوطن على أرض الواقع..فأركان النظام السابق وأوتاده مازالت موجودة وتعمل كخفافيش وبؤر فساد فى مؤسسات كثيرة؛ فى الإعلام، والجامعات، والإدارات المحلية، وما إلى غير ذلك..هؤلاء لهم دورهم، كقوى مضادة، فى استنزاف قوى الثورة، والانقضاض عليها، ومحاولة استعادة المجد الغابر من جديد.. إن الراصد للقرارات التى تصدرها الحكومة يلاحظ دون عناء أن بعض هذه القرارات غير مدروس، وبعضها مستفز، وبعضها الآخر يثير أكثر من علامة استفهام وتعجب!! وليس قرار تعيين المحافظين عنا ببعيد..أيضا ما أثير حول بعض رجال القضاء الذين كان لهم صلة مريبة فى السابق مع جهاز مباحث أمن الدولة الذى تم حله، وكيف أن هؤلاء مازالوا فى مواقعهم حتى الآن، بل سوف تحال إليهم قضية محاكمة وزير الداخلية الأسبق عن الجرائم الكبرى التى ارتكبها، أقول مثل هذه الأمور تستدعى التساؤل وتحتاج إلى إجابات واضحة وشافية حتى يطمئن الرأى العام. بالنسبة للمحور الثانى، وهو تحقيق العدالة الاجتماعية، يمكن القول بأن الثورة أنهت حالة الزواج الكاثوليكى بين الثروة والسلطة، والتى كانت تسخر وتجند كافة أجهزة الإدارة والتشريع فى الدولة لصالح فئة قليلة من رجال المال والأعمال وأصحاب الحظوة على حساب الطبقة المسحوقة والمطحونة، والتى تمثل الغالبية العظمى من شعب مصر.. كما يمكن القول أيضا بأن الثورة تمكنت من إنهاء مشروع التوريث الذى كاد أن يصل إلى محطته الأخيرة وهى اعتلاء سدة الحكم..والكل يعلم أن هذا المشروع ما كان ليتم إلا على أكتاف ترسانة من الإجراءات الاستثنائية والتدابير الشاذة وما يتطلبه ذلك وما ينجم عنه من تفاقم وازدياد فى معدلات الاستبداد والفساد.. كما كان الكل يعلم أيضا أن مشروع التوريث كان مرتبطا بالعمل على تكريس سياسة صندوق النقد والبنك الدوليين ( وهما مؤسستان استعماريتان )، وهو ما يعنى إزالة أية آثار للطبقة الوسطى، ومن ثم مزيد من توسيع الهوة بين الطبقتن العليا والدنيا، الأمر الذى كان ينذر بحالة شديدة من الغليان والاحتقان داخل المجتمع. لاشك أن هياكل الأجور لابد أن تعاد صياغتها بالكامل بما يكفل حياة كريمة للمواطن المصرى الذى يعتبر الأساس الأول فى التنمية..وأن تنشأ صناديق لرعاية العاطلين عن العمل، كواجب إنسانى وأخلاقى ووطنى..وأن تتسع مظلة التأمين الصحى والتأمينات الاجتماعية لتشمل البسطاء من المصريين الذين تم إهمالهم طويلا..ولابد كذلك من اتخاذ الإجراءات الصارمة للقضاء على الاحتكار وسد كل المنافذ التى تؤدى إليه..كما يتطلب الأمر وضع نظام ضريبى يتعامل مع أصحاب الأموال بالشكل الذى يعود بالنفع على المجتمع ويسهم بطريقة جادة فى عملية التنمية..نحن نعلم أن ذلك كله مرتبط بتسريع عجلة الإنتاج، ولن يتم ذلك إلا إذا شعر المواطن المصرى بالعدل..والكرامة..والحرية. ( وللحديث بقية إن شاء الله ).
| |
|