واضح أن الأستاذ جورج اسحق، والمهندس ممدوح حمزة لا يشكلان "دويتو" في ميدان التحرير فقط، بل في الإعلام أيضا ، فغالباً ما أشاهدهما معاً في البرامج الحوارية، في الفضائيات الخاصة ،وفي تليفزيون الدولة . شاهدتهما مساء جمعة " الثورة أولاً " في برنامج " الميدان " على " دريم 2 "، وفي الجمعة التالية " أمس الأول " في " صوت مصر " على القناة الأولى بالتليفزيون، ولو كنت متفرغاً لمتابعة البث لرصدت وجودهما في برامج أخرى هنا وهناك ، غير ذلك فإن للاثنين حضورا منفردا في البرامج، وعبر الاتصالات الهاتفية ، إلى درجة الملل، وفي ليلة واحدة لم يكد جورج يخرج من استديو برنامج " الحياة اليوم "، حتى كان يسري فودة يبحث عنه هاتفياً ليتحدث لبرنامجه على " اون تي في " . هما - إذن - من الضيوف المقيمين في استوديوهات مدينة الإنتاج الإعلامي ليلا، وفي ميدان التحرير نهارا ليستمر الاعتصام حتى لو توقفت عجلة الاقتصاد تماما بالمطالب التي تتزايد ويرتفع سقفها إلى درجة إقصاء المجلس العسكري لتنتقل إدارة البلد الى جورج وأخيه ممدوح حمزة الذي لم يخف من قبل أنه كان الأحق بوزارة الإسكان من محمد إبراهيم سليمان غريمه الذي انتهى إلى السجن، بينما صعد حمزة على المنصة، ورشحه بعض المتواجدين في التحرير ممن يعملون عنده رئيساً للحكومة بدلا من عصام شرف، ويبدو أن منصب الوزير أصبح ضيقاً عليه، ومقاسه الآن رئاسة الحكومة فأكبر. أخشى أن تكون مصر متجهة إلى الفوضى بعد أن أمسك كل ثائر ورقة وقلماً وحدد من يخرج من الوزارة ومن يدخلها، وإلا لذهب إلى مقر مجلس الوزراء واحتله بالقوة ونصب من يشاء رئيساً . الأستاذ جورج من المعارضين العتيدين، وعرفناه منذ تأسيس حركة كفاية وجهاً للمعارضة المعتدلة العاقلة الهادئة، وفي أحلك الأوقات فإنه يتحدث دون أن تفارقه الابتسامة، فماذا جرى له حتى يتحول الآن إلى صقر جارح، رغم أن النظام الذي كان يعارضه قد سقط، والنظام الانتقالي الكائن هو جزء من الثورة، سواء المجلس العسكري، أو الحكومة، والمرحلة لا تحتاج للصقور، إنما للعقلاء، فهل يراد إسقاط هذا النظام أيضا لكن بنيران صديقة، لتعم الفوضى وتتعرض مصر للعرقنة أو الصوملة أو اللبننة أو تسير على نفس طريق بلدان أخرى عديدة دخلت نفق الفوضى ولم تخرج منه. إذا كان من أهداف الدويتو الثوري والسياسي والإعلامي أن يقوم جورج بترشيد انفعالات وجموح صديقه ممدوح حمزة، فإنني أخشى أن يكون قد حصل العكس، وقام حمزة بسحب جورج إلى منطقته الساخنة والملتهبة والتصعيدية، فنكون أمام دويتو من صقرين جارحين صداميين، ربنا يستر .
أقول ذلك لأنه في برنامج " صوت مصر " صدرت من الاثنين أقوال، لا تليق، وتستحق وقفة، فعندما جاء ذكر مظاهرة الأغلبية الصامتة في ميدان روكسي لتأييد المجلس العسكري، والاحتجاج على بعض هتافات معتصمي التحرير ضد المجلس، بجانب ما ردده البعض عن حصول المعتصمين بالتحرير على أموال، رأيت جورج آخر أمامي ،حيث انفعل، والشرر يتطاير من عينيه قائلا وبالنص :" جزمة أي واحد فيهم برقبة من يقول ذلك، دول 300 أو 400 واحد "، ويقصد جزمة أي معتصم بالتحرير، والـ 400 الذين قصدهم هم مظاهرة روكسي . والسؤال :هل هذه لغة سياسي وثائر وقيادي وقدوة يريد أن يتزعم الناس ،وأن يكسب تعاطف الكتلة الصامتة الى جانب اعتصامه ومطالبه ، هذه الكتلة هي الأغلبية الساحقة من الشعب المصري التي تغضب من تعطيل حال البلد ودفعه إلى هاوية أزمة اقتصادية عنيفة ربما لا يتضرر منها جورج وحمزة ،فقد يكون لديهما ما يعينهما على الأيام الصعبة، أما أولئك الذين لا يجدون شيئا يساعدهم في تلك الأيام فماذا يفعلون ،هل يندمون على الثورة ،أم يخرجون ضدها، أم يتمنون عودة زمن مبارك، أم يضغطون على المجلس العسكري للانقلاب على الثورة، وهذا ما لا يتمناه أحد؟.
هل هذا رد يمكن أن يقال بهذه اللغة في برنامج يشاهده الملايين حتى لو كان الاتهام كاذباً، وأين أدب الحوار، وأين حديث السياسي الهادئ الراقي، ومنطق الثوري المقنع؟. أما الأستاذ ممدوح حمزة فكان تعليقه على نفس النقطة "أسخم" مما جاء على لسان جورج حيث أفتى قائلا: " دول مصيرهم جهنم وبئس المصير، لأن دول زي الثورة المضادة " هكذا ببساطة ألقى بهم حمزة في جهنم مرة واحدة، وهو قول خطير فيه جرأة ما بعدها جرأة على الفتوى وعلى الله جل وعلا، ليس هذا فقط بل انه صنفهم في خانة الثورة المضادة، وهي التهمة الجاهزة الآن لأي مخالف في الرأي حتى لو كان من صناع ثورة 25 يناير كما حدث مع واحد من أعظم قادة الثورة الشيخ صفوت حجازي، علماً بأن الجميع مصريون، سواء من هم في التحرير، أو من كانوا بروكسي، أو من يسمون بالثورة المضادة ، فلسفة الإقصاء خطيرة على السلام الاجتماعي .
ولم يكتف البشمهندس بذلك بل زاد الطين بلة عندما أضاف أن " الكتلة الصامتة نطقت كفراً" . هكذا ببساطة يتم تكفير مصريين، ودفعهم إلى جهنم، مع أن هذا حق إلهي ليس بيد حمزة، ولا كل البشر منذ أن خلق الله الأرض والى أن تقوم الساعة.
يا خوفنا ويا سواد ليلنا إذا تقلد هذا الرجل منصباً في " مصر الثورة "، فهو قد ينصب المشانق فوراً لمخالفيه في الرأي. هذا ما جرى في واحدة من قنوات التليفزيون المصري الرسمي من اثنين من قادة السياسة والثورة والفكر والمفترض أنهما رمز وقدوة لمن في التحرير ولمن خارجه، وبالتالي عندما يقوم بعض الشباب بإغلاق مجمع التحرير ويهدد آخرون بإغلاق قناة السويس فيكون مفهوما كيف وصل الشطط إلى هذا الحد؟.
ما استمعنا إليه في تليفزيون الدولة مرفوض، ولو قيل في فضائية خاصة، أو في أي وسيلة إعلامية أخرى فهو مرفوض، لأن هذه ليست لغة ضيوف في برنامج، وليس هذا هو المحتوى الذي يجب أن يتلقاه المشاهدون.
وللأسف تم ذلك في حضور مذيعة البرنامج وتدعى سميحة أبو زيد، وهى لم تكن قادرة على لجم ضيوفها، أو محاورتهم بشكل قوي، أو السيطرة عليهم، حيث بدت لي كأنها خائفة منهم ، أو أن ينالها نصيب من هجومهم، فالآن من لم يكن مع معتصمي التحرير، فهو ضد الثورة، ومن فلول الوطني، وهذا خبل، وأنصح الزميلة أن تحاور أي ضيف مهما يكن بشجاعة، فلا أحد يملك الحقيقة المطلقة، أو أن تكتفي بتقديم برامج الأغاني، فذلك أسهل وألطف وأسلم لها.
عموماً الشريط لدى التليفزيون، وأتمنى من وزير الإعلام أن يشاهد الحلقة ليقف بنفسه على ما جرى.