لغز أموال القنوات الجديدة
لا يمكن فصل الأموال المشبوهة التي تتدفق على مصر هذه الأيام عن الأموال الغامضة التي يجري غسيلها في قنوات فضائية مستحدثة اتخذت من ميدان التحرير عاصمة لها.
كثيرون غضبوا بسبب ما يعادل ربع مليار جنيه مصري أعلنت السفيرة الأمريكية في القاهرة عن ضخها لجمعيات حقوقية وائتلافات ناشطة في عملية التحول الديمقراطي، لكنهم لم يظهروا أدنى اهتمام بما يتم تداوله عن أموال هائلة وراء بعض القنوات الفضائية الجديدة وحملاتها الإعلانية الضخمة في شوارع وميادين القاهرة ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة.
في هذه الحملات الإعلانية يطل نجوم عصر مبارك على الشاشات التلفزيونية باعتبارهم نجوم عصر الثورة، مع ما يتداوله الوسط الإعلامي عن رواتبهم الخيالية، كخيري رمضان مثلا الذي وصل راتبه في قناة سي بي سي إلى 250 ألف جنيه شهريا، ومثلها يتقاضاه عادل حمودة في أول إطلالة تلفزيونية له بعد أن سبقه برومو يتسائل "ليه عادل ما يعملش برنامج"؟..
قس على ذلك مجدي الجلاد ولميس الحديدي في القناة نفسها، ومحمود سعد وابراهيم عيسى في قناة التحرير، وجميلة إسماعيل في قناة "النهار".
والعجب أن رجال أعمال معروفين بأنهم من سدنة أو مستفيدي عصر مبارك هم من أطلقوا تلك القنوات، وأن الرجل الذي يظهر اسمه كصاحب أو مساهم أكبر في قناة سي بي سي كان من أكبر الموالين للتوريث ولجمال مبارك، وقد شن عليه عادل حمودة حملات صحفية عديدة خلال العصر السابق متهما اياه بالفساد الاقتصادي والمالي، وكان الشيء الغريب الذي لم يلفت نظر أحد، دخول عادل إلى عالم التلفزيون لأول مرة وتحقيق إجابة سؤال "البرومو" عن طريقه.
بلغ المال الذي تم ضخه في قناة سي بي سي أكثر من 50 مليار جنيه، وهو غير معروف المصدر، والغريب أن الصحافة تحاشت الحديث عنه بسبب اتساع دائرة المستفيدين من نجوم الصحافة المعروفين والذين يتصدرون المشهد حاليا.
أما قيمة تمويل قناة "النهار" فهي غير معروفة تحديدا، لكنها كبيرة نظرا لما يتم تداوله عن أجور عالية جدا للعاملين فيها ومن بينهم السيدة جميلة إسماعيل طليقة المرشح الرئاسي الدكتور أيمن نور، وقد عادت إلى العمل التلفزيوني بواسطة هذه القناة التي يمولها رجل الأعمال الهارب وصاحب العبارة الغارقة ممدوح إسماعيل.
أما قناة "التحرير" فهي لغز الألغاز نظرا لأن الممول غامض ويتم تسريب الحديث عنه أحيانا بأنه رجل أعمال قطري للتمويه، بينما يجري التعتيم على الممول الحقيقي لأسباب غير معروفة، مع أن جلسات الصحفيين تتحدث عن أبناء محمد حسنين هيكل ويافطة "ابراهيم المعلم" التي يختفون وراءها.
قناة أخرى يرتبط اسمها بثورة 25 يناير صاحبها محمد جوهر رجل التطبيع الشهير مع اسرائيل طوال عهد مبارك. إضافة إلى مساهمات أو حصص لأشخاص لم يعرف عنهم أنهم يمتلكون هذه الأموال الخيالية مثل زوج النجمة التلفزيونية الشهيرة التي تقدم أشهر برامج التوك شو، وهو مسيحي تحول إلى الإسلام ليتمكن من الزواج منها قبل عدة سنوات، ورغم حصته الباهظة في إحدى القنوات الجديدة فأن زوجته ما زالت تعمل في قناة أخرى تنتمي للعهد السابق.
المثير للاستغراب أن الجهات المسئولة تغض الطرف عن "التمويل" تاركة الحبل على الغارب لادخال أموال يتم غسيلها في قنوات فضائية تقوم بالترويج لحالة عدم الاستقرار والمظاهرات ومعتصمي ميدان التحرير!
مصر بحالتها الراهنة صورة طبق الأصل من لبنان في أول السبعينيات عندما صارت صحافتها "سوبرماركت" كبير لأجهزة المخابرات الدولية واللاعبين الاقليميين وانتهى بها الأمر إلى حرب أهلية دمرتها تماما.