أسئلة للفتاة المسحولة فى ميدان التحرير
أعتقد أن أول سؤال قد يتبادر إلى ذهن ملايين الناس الذين تابعوا لقطات سحل فتاة التحرير من قبل أفراد من الشرطة العسكرية داخل ميدان التحرير وشارعى مجلس الوزراء والشيخ ريحان، هو لماذا خاطرت هذه التى تدعى غادة وهى من أعضاء الحركة المثيرة للجدل حركة 6 إبريل، بالنزول إلى الميدان والوقوف أمام الشرطة العسكرية والاحتكاك بها، وقت اشتعال النيران فى مبنى المجمع العلمى ومبنى هيئة الطرق والكبارى؟ وهل من المنطقى أن تقوم فتيات بالمبيت طوال الليل فى الشارع وداخل الخيام المنصوبة فى ميدان التحرير وشارع مجلس الوزراء، وتحوى كل خيمة جهاز لاب توب ووجبات جاهزة وفاخرة وعلب سجائر ومشروبات غازية فاخرة تحت مسمى الاعتصام، بشكل لا يتفق مع عاداتنا الشرقية، دون التعميم على كل معتصمى التحرير؟ فهناك ثوار شرفاء وأنقياء، ومنهم شهداء طالتهم رصاصات لا يعرف أحد مصدرها بالضبط كما فى نظرية الطرف الثالث إياه التى يستخدمها الإعلام حاليا كثيرا للإيحاء بوجود أيادى عابثة لا نعرفها ولم تظهر هويتها بعد!
ولماذا الفتاة المسحولة موجودة وسط رجال العسكر مع أمثالها لاستفزازهم ودفعهم لضربها بهذا الشكل المهين الذى لا يتفق مع أبسط مبادئ الرجولة المصرية المعروفة، فنحن لسنا مع العنف بكافة أشكاله ضد من يعبر عن رأيه ولكن التعبير عن الرأى له أصول وقواعد لابد من احترامها وإلا أصبحت فوضى تنذر بكارثة ينتظرها أعداؤنا المتربصون على الحدود المصرية، وفى الداخل أيضا! ولماذا تم تدبير هذه الواقعة الآن وتغطيتها إعلاميا بشكل مكثف بالداخل والخارج، وتم توريط الجيش فيها وليس شرطة الداخلية المختفية حاليا - كالعادة - بل وتحريض المعتصمين بالميدان على المطالبة بإسقاط المجلس العسكرى، والمجلس الاستشارى الذى أطلق عليه لقب المحلل أو لجنة السياسات الجديدة، ولماذا لم يتم الحديث عن ما يحدث من سلوكيات متدنية داخل الميدان نفسه بعد أن تحول مؤخرا إلى ميدان للبلطجية والباعة الجائلين وبتوع الشاى وأصحاب الغرز – جمع غرزة وهى مكان لتبادل أنفاس الشيشة بين أصحاب المزاج وممارسة الدعارة الليلية كما ذكر أحد شهود العيان لأحد البرامج الفضائية - ولماذا تم حرق تراث مصر كما حدث للمجمع العلمى وهيئة الكبارى والمتحف والتهديد بحرق مجلس الشعب من قبل مجموعة من البلطجية والمأجورين وليس ثوار التحرير الشرفاء! ولماذا غض الطرف عن اعترافات المقبوض عليهم الذين اعترفوا بأنهم مأجورون وإلى أى شىء انتهت التحقيقات؟ فنحن لم نر حتى الآن مسئولا تم تقديمه للمحاكمة، وتمت إدانته فى أحداث إمبابة والعباسية وماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء ومقتل شهداء التحرير مثل الشيخ عماد عفت وطالب الطب علاء عبد الهادى أثناء وجودهم بالميدان وغيرهم..
لقد كنت أتمنى أن يكون هناك تغيير حقيقى بعد مرور ما يقارب العام على الثورة من حيث الشفافية والمصداقية والحقيقة لما يحاك ببلدنا مصر دون تعتيم إعلامى أمام الرأى العام، وكنت أتمنى أن يتم التحقيق الفورى فى قضية التمويلات الخارجية التى تعبث بمصر وأمنها واستقرارها وكشف نتائجها بشفافية للرأى العام، حتى يتعرف على الشخصيات المزيفة التى تعيش بيننا، وتظهر لنا على برامج التوك شو فى الفضائيات حتى لا ينخدع أحدهم مرة أخرى، ولابد من الضرب من حديد على المقبوض عليهم من بلطجية التحرير لكى يعترفوا بمن يقودهم لإحراق مصر ومنشأتها وإظهار ذلك للناس، ثم إتمام الانتخابات البرلمانية – والتى كنا نتمنى إجراءها بعد تشكيل دستور جديد للبلاد - ثم اختيار رئيس للجمهورية لمدة شهرين تجرى خلالها انتخابات رئاسية، حتى يتم تسليم السلطة لرئيس منتخب، ويعود الجيش لقواعده ودوره الأساسى، حتى نتجنب شرا منتظرا وسؤال أخير لفتاة التحرير التى تم تعريتها بالميدان، كيف لها أن ترتدى عباءة سوداء خفيفة دون ملابس تحتها، ونحن فى الشتاء القارص.. مجرد سؤال؟!
هل الدور على الأنتكخانة؟!
23/ 12/ 2011
عندما احترقت الأوبرا المصرية فى أوائل سبعينيات القرن الماضى، أجهشت بالبكاء، متذكراً عروض البولشوى، وحضور طه حسين، وهو بملابس السهرة متأبطاً ذراع سوزان زوجته. الدكتور لويس عوض، ترك منزله فى الزمالك، فى هذا اليوم الحزين، حافى القدمين، وبالبيجاما، يجرى حتى مكانها العريق، يجهش بالبكاء أمام أطلال الأوبرا، ودخانها المتصاعد فى هدوء محملاً بعبق موسيقى فردى، وصوت أم كلثوم!
الذى حدث منذ أيام من تدمير، بل فناء المجمع العلمى بما يحويه من كنوز، لا يقارن بحريق الأوبرا المصرية! خلال رحلة الـ40 عاما فى ألمانيا وأخيراً فى بريطانيا، عاصرت إضرابات، واضطرابات كثيرة: ثورة الطلاب فى ستينيات القرن الماضى، لم تلمس متحف برلين، الذى به رأس نفرتيتى، بل إن ألمانيا أقامت فى برلين، مؤخراً، متحفاً كبيراً جديداً تتوسط نفرتيتى أهم قاعاته!
الشغب الأخير الذى حدث فى إنجلترا، وما أدراك عن المشاغبين الإنجليز لم يلمسوا متحفهم فى ميدان الطرف الأغر فى لندن.
الطلاب الفرنسيون لم يلمسوا الـ«دورساى» على شاطئ السين خلال إضراباتهم المتكررة!
حتى النازى الألمانى فى الحرب العالمية الثانية لم يرضوا أن يدمروا المتاحف الفرنسية، وتركوها تراثاً للبشرية!
إذا استمرت الأوضاع على هذا المنوال من الإجرام والإهمال، فهل سيكون الدور على المتحف المصرى الأنتكخانة؟!
د. أحمد سعيد عمر
استشارى روماتيزم - بريطانيا
هو كله ضرب؟
بقلم د.غادة شريف 23/ 12/ 2011
آه يانى.. الموضوع صعب حقيقى.. فى البداية كان بيلسع.. أما الآن أصبح بيوجع!!.. طب تصدق بالله؟.. لقد أصبحت عندى حالة عصبية كلما استمعت إلى تصريح رسمى يقول «إننا ملتزمون بتحقيق أهداف الثورة».! طيب تعالى حضرتك كده عزيزى القارئ واجلس بجوارى وانظر على المشهد مثلما أنظر إليه.. تشتعل الحرائق فى مسرح البالون ويستشهد من استشهد ثم يخرجون علينا مؤكدين الالتزام بتحقيق أهداف الثورة.. يسحلونك فى الشوارع ويلقون بجثث الشهداء فى القمامة ثم يقولون لك نحن نحقق أهداف الثورة.. يهرسون المتظاهرين بالدبابات أمام ماسبيرو ثم يقسمون تلاتة بالله العظيم أنهم منهمكون فى تحقيق أهداف الثورة..
فى البداية بدأت أتشكك.. هى أهداف الثورة دى كانت إيه بالضبط؟.. واضح أن هناك سوء تفاهم عند أحد الطرفين.. إما أن من قاموا بالثورة ثاروا بالإنجليزى من الشمال لليمين، أو بالصينى من فوق لتحت، ولذلك صعب الفهم على الآخرين.. وتلك كانت بداية ظهور الحالة العصبية عندى.. وأعراضها تبدأ عند الإعلان عن قرب ظهور بيان رسمى أو مؤتمر صحفى على خلفية أحداث جديدة.. ساعتها تصيبنى رعشة فى كتفى الشمال وبربشة فى جفن عينى اليمين.. ومع طول وقت انتظار البيان تبدأ اللعثمة تصيب لسانى.. وما إن يبدأ البيان أبدأ أريل.. وما إن ينطق الناطق بالبيان أو المؤتمر الصحفى بجملة «نعمل على تحقيق أهداف الثورة» إلا وتنتابنى انقباضات فى الزور تجعلنى غصب عنى والله أصدر أصواتا قد يشبهها المفترون بنهيق الحمار.. ولكن ولأنك تعلم أننى أثق بك وأعتبرك مستشارى الطبى والزراعى رايح جاى اسمح لى أن أستشيرك فى تطور حالتى العصبية بعد تطورات الأحداث الأخيرة.. فقد أساءنى مثلما أساء العالم كله تعرية بناتنا فى الميدان.. وتقززت وشعرت بالغثيان عند التلويح بالتشكيك فى سلوكهن كمحاولة رخيصة للالتفاف على الجريمة.. ولكننى يا أخى عندما جلست فى أمان الله أشاهد المؤتمر الصحفى اللاحق لهذه الواقعة زادت علىّ الأعراض التى أشكو منها..
لا أعتقد أنها كانت من الشخط فى الصحفيين والتهديد بطردهم من المؤتمر.. إحنا واخدين على الشخط من زمان.. ولكن تحديدا عندما سيق العذر العجيب بأن نسأل الظروف التى أدت إلى تعرية الفتاة تساءلت فى نفسى: طب لماذا لم يفعلوا ذلك مع إسرائيل.. لكن برضه تراجعت وقلت لنفسى: إيه يا بت الافترا بتاعك ده؟ أتريدين أن تقارنى نزهة الحرب مع إسرائيل بهول مواجهة متظاهرين عزل فى ميدان التحرير؟.. ثم يأتى بعد هذا من يأتى ويبتسم ابتسامة بريئة ويقول لك نحن نؤيد حق التزاعر.. أقصد التظاهر..
ونحمى المتزاعرين.. أقصد المتظاهرين.. شوف، هم غالبا يرونهم متزاعرين.. أيوه يا سيدى إنهم متزاعرين من متزاعر أزعر، ظبط لغتك العربية حسب الأوامر!.. المهم، وأثناء متابعتى للمؤتمر الصحفى، ما إن سمعت الجملة إياها باستمرار الالتزام بتحقيق أهداف الثورة إلا وشعرت بحاجة بتوجعنى فى قعدتى على الكرسى.. لأ مش قفايا.. قعدتى على الكرسى..
وأخيرا اكتشفت أين يقع سوء التفاهم بين الطرفين.. هناك فرق كبير بين أهداف الثورة التى نريد تحقيقها وخوازيق الثورة التى نتلقاها من الجانب الآخر.. يا إيها القائمون على تحقيق لا مؤاخذة أهداف الثورة.. خلاص مش عايزين أهداف.. إحنا الغلطانين.. حقكم علينا.. يا إما نرجع تانى نلعب صلح وهنلمع القفا، يا إما تستوردوا زيت مخصوص لتمرير الخوازيق!