أحلام المصريين فى الرئيس القادم.. لقمة هنية ومياه نقية.. المواطنون فى القرى والعشوائيات لا يشغلهم من البرلمان سوى طلب إحاطة عن الخبز أو بيان حول البوتاجاز
كاتب الموضوع
رسالة
احمد شعلان
عدد الرسائل : 17047 الموقع : جريدة الامة تاريخ التسجيل : 24/09/2008
موضوع: أحلام المصريين فى الرئيس القادم.. لقمة هنية ومياه نقية.. المواطنون فى القرى والعشوائيات لا يشغلهم من البرلمان سوى طلب إحاطة عن الخبز أو بيان حول البوتاجاز السبت 3 مارس 2012 - 1:54
إنهم يتصارعون.. ربما تكون الأحلام.. ألف باء سياسة.. ولكنها الإمبريالية».. هل فهمت شيئا من هذه الكلمات المتفرقة؟ ألا تعتقد أنها بحاجة إلى سياق متكامل توضع فيه، حتى تستطيع أن تفهم ما تعنيه؟.. ما شعرت به هو ما تشعر به فئة عريضة من الشعب المصرى حيال الاختصاصات والسلطات التى سوف يحددها الدستور لرئيس البلاد القادم، فهى لن تهتم بالكلمات الفضفاضة التى سيحملها، ولن تهتم إذا ما تضمن الدستور مادة عن المواطنة من عدمه، قدر اهتمامها بلقمة العيش التى سيوفرها لها رئيس الجمهورية المنتخب بعد الثورة. كلمات قليلة رددتها السيدة عبدالنافع من منطقة جليم فى الإسكندرية، مسقط رأس الدكتور سليم العوا المرشح المحتمل لرئاسة الجمورية، قالت فيها: «ياريت دكتور سليم لما يبقى رئيس يهتم بالمعاش شوية عشان معاش جوزى الله يرحمه مش بيكفينى.. ياريت يهتم بحل الموضوع ده»، ما قالته هذه السيدة البسيطة من كلمات يعكس وبصدق أقصى أمانى المصريين فى القرى والنجوع وفى العشوائيات وحتى فى المناطق الراقية، فلا يشغلهم من قرارات برلمان الثورة سوى طلب إحاطة عاجل عن أزمة الخبز، وسؤال موجه إلى وزير البترول عن أزمة أخرى هى أنابيب البوتاجاز، ولا يهمهم إذا كان من قدمها نائب إخوانى أو ليبرالى، وهو الأمر نفسه بالنسبة لرئيس الدولة، والدليل أن الدول التى نجحت فيها ثورات الربيع العربى أو التى لا تزال نيرانها مشتعلة، ثارت وفى قلبها قاسم مشترك هو سوء الأوضاع الاقتصادية وعدم شعور رئيس البلاد بهمومه.. فمصر وليبيا كاليمن وسوريا وتونس، جميعهم فقدوا الإيمان برؤسائهم ولا يرغبون فيهم لأنهم ابتعدوا عنهم. غالبية المواطنين لا تعنيهم قضية التمويل الأمريكى ولا تدخل العم سام فى شؤوننا، بقدر أن يتمتع أطفالهم بحياة كريمة، ولم يروا فى الرئيس السابق وأعوانه سوى أنهم من جلب الخراب لهذا البلد، ولم يهتموا بالمناطق التى يسكنون فيها كاهتمامهم بالمناطق التى يعيش فيها كبار رجال الدولة، فأسئلة كثيرة كانت ولاتزال تدور فى ذهن أى مواطن.. فى مقدمتها: لماذا يشرب الرئيس المياه المعدنية وهو يعرف أننا لا نشرب المياه سوى ملوثة بالصرف الصحى؟ لماذا يأكل الكافيار والسيمون فيميه ونحن لا نجد العيش والخيار؟!، لماذا يضع فى جيبه ملايين الجنيهات ونحن لا نملك قرشا أبيض ولا حتى أسود ينفعنا فى وقت عوزة؟! أتذكر يوم الخامس والعشرين من يناير أول يوم فى الثورة، سيدة مسنة يقترب عمرها من الستين عاما.. وقفت بجوارى أمام كوبرى قصر النيل، وتحمل فى يديها كيس خضار، وقتها بدأ ضباط الأمن المركزى فى ضرب المتظاهرين ومنعهم من العبور إلى ميدان التحرير، تلك السيدة التى لا أعلم اسمها، تشبثت فى إحدى ذراعى، وبسؤالى عن سبب نزولها للمظاهرات قالت: «عاوزين الرئيس يهتم بينا.. العيش مش لاقيينه والخضار بقى سعره غالى». ما قالته السيدة ببساطة هو كل ما يرجوه المواطنون من رئيسهم القادم، ولكن هل فعلا هذه هى مهام الرئيس سواء بعد الثورة أو قبلها؟ حسب اللهجة «المكلكعة» التى ينطق بها لسان حال النخبة المصرية والتى يقرها الدستور والقانون، فإن للرئيس مهام أكبر بكثير، وهى أن يسهر على تأكيد سيادة الشعب، وعلى احترام الدستور، وسيادة القانون، وحماية الوحدة الوطنية، والعدالة الاجتماعية، ويرعى الحدود بين السلطات لضمان تأدية دورها فى العمل الوطنى، إلا أن هذه الكلمات لا تعنى شيئا لمواطن يبيع السجائر والمناديل أمام محطات مترو الأنفاق، فهى بالنسبة له عبارة عن مجموعة من الأحرف المتراصة بجوار بعضها، تتحول إلى صوت يسمعه فور أن ينطقها أحد أمامه، ولكنه تظل بلا معنى فى داخله. هذه المهام الفضفاضة فصّلها دستور 71 المعطل فيما يقرب من 35 مادة كلها تمنح رئيس الجمهورية سلطات واسعة، بنسبة تقارب نحو 63 فى المائة من تلك السلطات، حين بلغت سلطات الوزراء أربعًا، وسلطات القضاء مثلها، أى بنسبة 2 فى المائة لكلا السلطتين، وخص السلطة التشريعية بمجلسيها (البرلمان والشورى) بأربع عشرة سلطة، أى نحو 25 فى المائة من المتوافر، والشعب كما يقولون بالبلدى «معذور»، فعلى مدى ثلاثة عقود متواصلة ظل الرئيس مستأثرا بسلطات تجعله يهيمن على مكونات النظام السياسى والتنفيذى، وبالتالى فإن صورة الرئيس القادم ستظل لفترة ولو قليلة مرتبطة بأنه يمتلك كل شىء وعليه أن يقدم لهم كل ما حرموا منه من قبل، ولا لوم أن يطالب سكان قرى مرشحى الرئاسة فى سلسلة تحقيقات «اليوم السابع» عن مشاكلهم، الرئيس القادم بتصليح مواسير المياه المكسورة فى أحد شوارعها، أو بناء مدرسة جديدة ومستشفى متطور، هذا حقا جل ما يتمناه هؤلاء من الرئيس، لأنهم فقدوا الأمل فى أن يقوم أى مسؤول بدوره حتى مع أصغر المسؤولين وهو عضو المجلس المحلى. فالطبيعى أن توفير المياه النقية ولقمة العيش الهنية من اختصاص المجالس المحلية، والتى من واجبها حل مثل هذه المشكلات والسعى لتوفير الخدمات الأساسية للمدن والقرى التابعة لها، ولكن إذا فسدت المحليات، وهو ما حدث طيلة السنوات الماضية، من يكون المسؤول.. المحافظ؟.. وإذا فسد المحافظ من يكون المسؤول.. الوزراء ومجلسهم الموقر ومعهم نواب البرلمان؟.. وإذا فسد الجميع من يكون المسؤول.. رئيسهم الذى تركهم يشيعون فى الأرض فسادا تحت مسمع منه ومرأى؟.. وبالتالى لا يجب علينا أن نقلل من نظرة المواطنين للرئيس باعتباره رئيس مجلس محلى المدينة. يوما سألنى أحد جيرانى الموقرين: «هو يا أستاذة لما هيبقى لنا رئيس، أزمة البوتاجاز دى هتتحل.. لأنه المفروض يعمل كده».. طبعا الرجل لا يهمه سوى أن يجد حلا لهذه الأزمة العظيمة التى تجعله يستيقظ من نومه فى منتصف الليل ليقف مع عشرات غيره للحصول على أنبوبة بوتاجاز واحدة، وكل أمله أن يصبح لمصر رئيس يوفرها له بسعر مناسب. لا يجب أن نقلل من اعتقاد هذا المواطن بأن الرئيس هو حلال المشاكل، ما صغر منها، وما كبر، لأنه لم يجد بحق سلطة أعلى منه ليلجأ إليها بعدما فشل الجميع فى تغيير هذه النظرة لديه. ما على الرئيس القادم فعله هو أن ينظر لمصر الثورة باعتبارها مؤسسة ضخمة مبنية على أعمدة قوية، يقوم فيها الجميع بدوره ويحاسب على تقصيره، بداية من أصغر عضو فى مجلس محلى قرية المنوات مركز أبوالنمرس جيزة، وتصبح هناك جهات للمساءلة الدورية، سواء كانت شعبية أو رقابية، توضح أمام الناس ما فعله العضو خلال فترة وجوده داخل المجلس المحلى، وعلى العضو أن يقدم كل فترة بيانا بما قام به لخدم أبناء منطقته، ونفس الأمر بالنسبة لنواب مجلس الشعب، عليهم أن يقوموا بدورهم بقدر عدد الأصوات التى حصل عليها كل منهم، وللوزراء مثل ذلك حتى تتضح فى النهاية صورة الرئيس كما يجب أن تكون، صورته كعقل مدبر يدير البلاد بحكمة تنعكس على كل قطاعات المجتمع، الفقير يجد قوت يومه والغنى يعرف كيف يخدم بلده، والدبلوماسى يمتلك أدوات تجعله يمسك بين يديه مفاتيح العلاقات الدولية التى تحافظ على استقرار وطنه وأمانه.
أحلام المصريين فى الرئيس القادم.. لقمة هنية ومياه نقية.. المواطنون فى القرى والعشوائيات لا يشغلهم من البرلمان سوى طلب إحاطة عن الخبز أو بيان حول البوتاجاز