عدد الرسائل : 891 العمر : 47 الموقع : perfspot.com/koky4u5000 تاريخ التسجيل : 06/08/2011
موضوع: مِعْزَة الثورة الإثنين 7 مايو 2012 - 10:17
مِعْزَة الثورة
أن تكون ناشطاً سياسياً فهذا يعني أن عليك أن تصدر خطاباً مفعم بالتشاؤم ، والتشكيك ، ، خطاباً يعبّر وبقوة عن قدرتك على أن تمارس دور الضحية ، والمستغيث طوال الوقت .. خطاباً انتحاريّاً بجدارة ! فلنأخذ هذه المقولة كمثال : الثورة المصرية سرقت ! في الحقيقة هذه المقولة تستدعي عدة أسئلة جادة مثل : هل الثورة معزة لكي تسرق ؟ ثم أين يخبئها السارق ؟ إنّ كل هذا الهراء عن سرقة الثورة وغيرها جزء من هذا الخطاب الانتحاري الذي يتبناه مجموعة من النشطاء السياسيين وشباب الثورة الجميل ممن من المفترض أن يكون خطابهم خطاباً بنّاءاً على اعتبار مواقعهم كشخصيات ربما يسمع لها ، والأهم على اعتبار ممارستهم للسياسة ، إذ أنّه من المهم إدراك أن السياسة تعني الفعل على أرض الواقع ، وهذا يقتضي في البداية التعامل مع هذا الواقع ، وينتفي ذلك بخطاب التخويف والتحذير أو ما يعرف بالخطاب الانتحاري * وكعادة الخطاب الانتحاري نجد أنّ ما يقدمه هؤلاء على اعتبارهم خبراء استراتيجيين أو نشطاء سياسيين أو شباب ثورة جميل مليء بالتحذير وصيحات الاستغاثة ولا يقدم أية حلول حقيقية لتجاوز مشكلات الواقع ، ناهيك عن تجاهله المسبق التعامل مع الواقع أصلاً فتجده يشكك في البرلمان ويستغيث من دوره بل يشكك أيضاً في العملية الانتخابية التي أفرزت هذا البرلمان دون أي دليل سوى أنّ خلق المشكلات وتصدير حالة التشاؤم ستجعل منه خبيراً استراتيجيّاً وستخفي عجزه وافتقاره القدرة على الفعل الحقيقي . بالإضافة إلى تشكيكه في بعض القوى السياسية لأنّها خانت الثورة وذلك على اعتبار زواجها السابق من الثورة وزواجها العرفي الحالي من السلطة ! وهكذا جعلَ من الاختلاف في الرأي والرؤية خيانة ! ولا أعلم إن كان يدري أنّه بهذا لا يختلف عن الرئيس المخلوع الذي عمل على تخوين وإقصاء كل مخالف له في الرأي . وبالعودة للحديث عن وعي الشعب المصري الناضج وعن تجاوزه لنخبه سنجد أنّ هذا الخطاب لا يتردد– بهذه القوّة - إلا داخل هذه الدائرة ، وهذا أمرٌ مبشر.. أن الجماهير المصرية غير عابئة بمثل هذا الكلام عن سرقة الثورة وغيره مما يحمله هذا الخطاب الدافع للانتحار في الأوقات الطبيعية ، ويبرهن هذا على أنّ دور النخب السياسية - بكل مستوياتها - في الثورة المصرية دورٌ لا يذكر أو بالأحرى مثبّط ، والدليل أن الذين استطاعوا أن يَنْفذُوا من سجن الخطاب الانتحاري بعد الثورة المصرية هم فئة المواطن الإنسان الطبيعي ، الذي لا يعبأ مطلقاً بالحديث عن سرقة الثورة ، ويركز اهتمامه أكثر – في الوقت الحاضر – على السؤال عن رئيس مصر القادم . وبالحديث عن رئيس مصر القادم دعونا نتحدث عن ثلاثة قضايا : الأولى مقاطعة الانتخابات ، والثانية مرشحي الرئاسة ، والثالثة الرئيس التوافقي . أولاً مقاطعة الانتخابات : بعد الحديث الدائر في بعض الأوساط عن رفض الانتخابات – الصورية – وضرورة مقاطعتها ، أريد أن أسأل : وماذا بعد مقاطعة الانتخابات ؟ يذكرني هذا ببعض محاولات مقاطعة انتخابات البرلمان ولكن هل أدركوا أنّه أولاً لم تؤثر هذه القرارات في إكمال العملية الانتخابية على أكمل وجه ، وانتخاب برلمان يمثل الشعب ، وثانياً لم يوقف هذا الرفض أو هذه المقاطعة عمل البرلمان ، ولم تؤثر عليه ؟ ثمّ أريد أن أسأل سؤال آخر وهو : هل أفهم من مقاطعتك للانتخابات ، أنّك تؤيد استمرار إدارة العسكر للبلاد ؟ بالطبع سيكون الجواب لا ، ولكن ما الذي يعنيه رفض انتخابات الرئاسة ومقاطعتها غير ذلك ؟ كالعادة وكما ذكرنا: سلوك انتحاري وتخويف وتحذير من لا شيء و دون طرح أي حلول أخرى أو آراء أخرى بنائية ، والأهم دون اطلاع على الواقع الموجود والقدرة على التعامل معه والفعل من خلاله . أنا الآن أتساءل وأنتظر جواب بالفعل : وماذا بعد أن نرفض انتخابات الرئاسة ونقاطعها ، ما البديل الحقيقي غير الخيالي أو المتوهم أو غير الموجود أصلاً ؟ إن السلوك الانتحاري لن يؤدي لشيء في النهاية ، وعلى الرغم من كل المخاوف ، لابد أن نتعامل مع الواقع وأن نطرح الأسئلة الجادة ، التي من الضروري أن يحمل جوابها حلولاً بنائية حقيقية . وأعتقد جدّياً أن انتخابات الرئاسة فتحت مجالا للفعل والبناء من خلال الحملات الانتخابية التي يشارك ويتفاعل معها الشباب وغيرهم ، ومن خلال الاختلافات حول المرشحين والتي تعبّر عن جو عام صحّي يدعو إلى العمل والحراك السياسي الحقيقي ، ولعلنا نلاحظ الانتاج الفنّي والإبداعي الذي يحدث تحت مظلّة انتخابات الرئاسة .. كلّ هذا فعل على أرض الواقع ، وممارسة صحيحة للسياسة ومنتجة .. لكن على الجانب ما الذي يؤدي إليه رفض الانتخابات ومقاطعتها ؟! ثانياً مرشحي الرئاسة : منذ أيّام شاهدت ثلاثة برامج حوارية تناقش موضوعا واحداً وهو : هل عدد المرشحين أكثر مما ينبغي ؟ناهيك عن أن هذا الموضوع هو الشغل الشاغل لمجموعة من الناشطين السياسيين وشباب الثورة الجميل . إن خلق المشكلات من لا شيء ركن أساسي من أركان الخطاب الانتحاري ، وهذا هو الحال مع الضيق الشديد من أن يترشح عدد كبير للرئاسة ! وما لا أفهمه هو ما الذي يدعو إلى الضيق في أن يترشح ألف أو ألفين مواطن أو حتى مليون للرئاسة ؟ فمن حق كل مواطن يرغب في الترشح للرئاسة أن يفعل ، سواء رأى أنّه الأنسب لها أو كان ترشحه لمجرد التسلية . إنّ ذلك حق من حقوقه المدنية باعتباره مواطن في بلد ديموقراطي حديث والمصادرة على حقّه فاشيّة ليس بعدها فاشية ، والتعامل مع هذا الأمر باعتباره كارثة هو مرة أخرى خطاب هادم يحاول منتجه أن يداري عجزه وعدم قدرته على الفعل الحقيقي على أرض الواقع ، بل يدفعنا بالفعل للقلق ممن يصدرونه ، ويجعلنا نتساءل ما هي المصلحة القادمة من وراء ذلك ؟ ثالثاً المرشح التوافقي : أعلم أنّه من الشائك أن أتحدث في مثل هذا الموضوع ، ولكن مرة أخرى وبالعودة إلى الأسئلة الجادة ، ما الداعي للخوف من وجود مرشح توافقي ؟ إنّ من حق أي فصيل سياسي أن يختر مرشحه ومنحق غيره من الفصائل الأخرى أن يتفقوا معه على هذا المرشح ، وفي النهاية الحكم الفاصل للصناديق ، إذ أن المطروح وجود مرشح توافقي ، وليس رئيس توافقي ، أي أنّ وجود هذا المرشح لا يعني إلغاء تواجد المرشحين الآخرين ، ولا يعني إلغاء التنافس بين كل المرشحين بما فيهم هذا المرشح التوافقي . إذا فالخوف من أن يطرح مرشح توافقي إما أنّه مصادرة على حق القوى السياسية أن تختار - كلها أو بعضها - أن تتفق على مرشح ما ، وبالتالي هو خوف غير مبرر خصوصاً أنه حق كما ذكرنا ، وأيضاً فيه تجاهل واضح لأنّ الحكم في النهاية للصناديق واختيار الشعب ، وهذا يعني أنه من خلال المصادرة على هذا الحق وإبداء القلق منه يتم تجاهل إرادة الشعب . أو أنّ هذا مجرد خلق مشكلة أخرى من لا شيء ، وتصدير لذات الخطاب الانتحاريالفاشي والهادم . في النهاية أنا لا أدعو لمرشح توافقي ، إذ أنّ ذلك لن يؤثر على اختياري بالإيجاب أو بالسلب كمواطن طبيعي من الشعب المصري ، ولكنّي في الحقيقة سئمت هذا الجو العام من ممارسة الانتحار والفاشية.