أكثر من نصف مليون مصرى من بين ثمانية ملايين مواطن مغترب، عاشوا أسبوعًا من الفرحة، والبهجة، والفخر غير المسبوقين، غير مصدقين أنه أخيرًا أصبح لصوتهم الانتخابى «مصداقية»، ولتصويتهم «قيمة»، ولمواطنتهم.. «عزة وكرامة»، طالما افتقدوها لعقود طويلة.
مصريونا فى الخارج ذاقوا مرارة الغربة، وجفاء الوطن، والشعور الدائم بالحنين، ناهيك عن سكين الحسرة الذى يشق قلوبهم، كلما شاهدوا فى غربتهم دولا كانت تصنف «خلف» مصر بعشرات السنين، ثم تطورت واحتلت مكانة تغبط عليها خلال سنوات معدودة، بفضل الله، وجهود أبنائها، واحترام حكامها لشعوبهم، فى الوقت الذى تراجعت «تاج العلاء فى مفرق الشرق» على أغلب الصعد.
وتزداد المرارة علقمًا فى أفواه المغتربين المصريين عندما يجدون من بينهم عناصر متميزة.. وعبقرية.. وموهوبة، ومع ذلك تطردها الأنظمة المتعاقبة، وتقصيها الحكومات المتوالية، ويحبطها المسئولون رافضين الاستفادة من عطائها.
على مدى أسبوع كامل أصرت عائلات المصريين فى الخارج على الإدلاء بأصواتها، مصطحبة أطفالها، حتى الرضع منهم، غير عابئين بلهيب الأجواء فى دول الخليج العربى، تحت شمس تدفع بالحرارة إلى حدود الخمسين درجة مئوية، ولا مبالين ببعد المسافات عن مقار التصويت، ولا بزحام الطرقات فى دول أخرى، وغير مكترثين بالأمطار والبرودة التى تغلب على أجواء أستراليا وبعض مناطق أوروبا الشمالية وأمريكا.. كان المشهد أكثر من رائع، والآباء يحملون أطفالهم ليضعوا بأيديهم ورقة الاقتراع فى الصندوق الشفاف، ليعلموهم أن فى مصر ديمقراطية، وأن المستقبل، الذى ينتظرهم سيكون أفضل كثيراً من الماضى الذى «شرد» آباءهم فى أصقاع الأرض، وصحاريها، والأمهات يتفنن فى صنع الملابس لبناتهن على شكل علم مصر، والفرحة فى عيون الجميع، لا يهم لمن ستعطى صوتك، طالما أنك تعتقد أنه الأصلح لمصر، وفى أغلب الدول لم تحدث مشاكل تذكر فوقف الداعون لتأييد مرشحى التيار الإسلامى، إلى جوار، مؤيدى الليبراليين، يشاركهم مشجعو «الفلول» فى «مناوشات» اتسمت بالطرافة أكثر من اتسامها بالمعركة الانتخابية.
طبعاً لا يعنى هذا أنها كانت انتخابات «ملائكية» لا تشوبها شائبة، فكما فى الداخل– هناك فى الخارج من يستغل فقر الفقراء.. وجهل الجهلاء.. وبساطة البسطاء، وهناك من يلبس مسوح التقوى ليخفى ملامح الشيطان، لكن أحداً لم يشك فى تزوير النتائج، أو تعمد إفساد العرس الديمقراطى، أو اغتيال فرحة المصريين التى انتظروها عقوداً طويلة.
كلمة أخيرة.. كنت أتمنى أن يربأ مجلس الوزراء الموقر بنفسه عن نزول «مستنقع» «استنطاعات» الرأي، التى تعبر عن رأى «مستنطعيها»، فلا معنى لإعلان مركز معلومات مجلس الوزراء أن الفريق شفيق يتصدر السباق يليه عمرو موسى!! بينما استطلاعات أخرى تقدم أبو الفتوح ود. مرسى، وثالثة تؤكد بزوغ فجر صباحى وخالد علي!! أرجو أن تحترم الجهات الحكومية نفسها، وتنأى بكرامتها عن «استنطاعات» الرأى المشكوك فى توجيهها، كما فعل المجلس العسكرى بعد «سقطة»«استنطاع» رأى مماثلة!!