: لاحظت في الفترة الأخيرة تداول هذه الصورة وهذه المعلومات الخاطئة في اطار الحرب النفسية لتشويه حقبة الحكم العسكري الوطني لمصر منذ ثورة يوليو 1952 . ولذلك أرغب في توضيح الحقائق التالية :
أولا : نسبة البطالة المذكورة رقم غير صحيح لأنها لم تكن تسجل أصلا في هذا الوقت وكان أغلب الشعب من الفلاحين الفقراء فقرا مدقعا لدرجة أن أي وباء بسيط في الريف كان يتسبب في وفاة عشرات الالاف
ثانيا : ليس المهم كم كان يساوي الجنيه لأن الرواتب كانت بالقروش ، ولو كانت رفاهية الدولة بسعر العملة لكانت السودان أغنى من اليابان فليس المهم هو قيمة العملة ولكن مقدار دخلك من العملة وكانت أغلب المرتبات أقل من جنيه واحد - الحساب كان بالقرش والمليم
ثالثا : القاهرة التي يقصدونها التي فازت بأجمل مدينة كانت منطقة وسط البلد ( طلعت حرب وجاردن سيتي وهذه المنطقة ) وكان أغلب سكانها من الأجانب وبعض الباشوات والفنانين والأثرياء من مجتمع النصف في المائة ، ولم يكن العامة يقدرون على السكن في هذه المنطقة ، الموضوع بالضبط كأنك تقول بمقاييس العصر أن ( القطامية هايتس ) أو ( هاسييندا ) أو ( بورتو مارينا ) حصلت على جائزة أفضل تصميم فهل هو مؤشر لرفاهية المجتمع ؟؟ أما أغلب سكان القاهرة من البسطاء فكانوا يعيشون في مصر القديمة والقلعة والسيدة زينب وهذه المناطق التي كانت فقيرة فقرا مدقعا ، أو ( مستورة ) على أفضل تقدير
رابعا : الطليان واليونانيون كانوا يعملون في مصر لأن بلادهم كانت في حالة حرب وانهيار اقتصادي بسبب الحرب العالمية الثانية ، وليس لأن مصر كانت غنية . اليونان كانت من أفقر دول أوروبا وايطاليا كانت في حالة فقر ودمار بعد الحرب العالمية الثانية خاصة بعد هزيمة ايطاليا في الحرب وانهيار سعر العملة ، وبالتالي فايطاليا في ذلك الوقت لم تكن هي ايطاليا الان ، وقد حدثت عندنا أمثلة مماثلة في عصرنا الحالي ففي التسعينات بعد انهيار الاتحاد السوفيتي جاءت أعداد هائلة من الروس والرومانيون وغيرهم للعمل في مصر ، واثناء حرب البوسنة جاء العديد من البوسنيون للعمل في مصر ، وهذا ليس مؤشرا بأي حال من الأحوال على أننا في غنى فاحش بل على أن هذه الدول كانت في فقر مدقع . فقط تذكر أن ايطاليا وقت الحرب العالمية ليست هي ايطاليا الان . والعراق في الثمانينات حين عمل فيها ملايين المصريين ليست هي العراق بعد الاحتلال حين قدم مئات الالاف من اللاجئين العراقيين الى مصر . والان مثلا يعمل عشرات الالاف من الصينيين في مصر في مهن بسيطة وهذا واضح
خامسا : الموضة كانت بتنزل في مصر مع نزولها في اوروبا ولكن للأجانب والانجليز والباشوات الذين يقدرون على شرائها وليس للغالبية الساحقة من المصريين الفقراء فقرا مدقعا ، وبالمناسبة أحدث صيحات الموضة وأغلاها تنزل الان في مصر أيضا في محلات أغلبها في المعادي ولا أعتقد أن أغلب الشعب المصري سمع عن هذه المحلات أو التوكيلات ، بل هي تخدم طبقة معينة
سادسا : التاكسي في هذا الوقت كان من عدة أنواع وليس كاديلاك فقط ففي هذا الوقت كانت السيارات امريكية واوروبية فقط ولم يكن هناك انتاج صناعي في دول أخرى ، ولكنه لم يكن وسيلة نقل شعبية بل كان يعتبر من الرفاهيات ، أما عامة الشعب فكانوا يركبون الحنطور بأنواعه مثل ( السوارس ) الذي أنشأته عائلة سوارس اليهودية - وهي تختلف عن عائلة ساويرس الحالية - كما كان الناس يستقلون الدواب مثل الحمير داخل القاهرة أما التاكسي فكان للأغنياء والشريحة العليا من الطبقة الوسطى فقط
سابعا : قصة مديونية انجلترا لمصر هي قصة تتجلى فيها أبشع درجات الاستعمار ، فقد أجبر الاحتلال البريطاني الحكومة المصرية على دفع تكاليف تموين وانتقالات الجيش البريطاني في مصر خلال الحرب العالمية الثانية مما كلف الدولة مبالغ طائلة ، كما استخدمت المنشآت المصرية لحساب الجيش البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية مجانا وحدث ذلك في الوقت التي كانت موازنة الدولة تعاني عجزا شديدا لدرجة عجزت الحكومة عن توفير أدوية ولقاحات لأمراض وبائية متفشية في الريف مما تسبب في وفاة عشرات الالاف من الفلاحين نتيجة عدم وجود دواء - قدرت بعض المصادر عدد الفلاحين الذين توفوا خلال فترة الحرب العالمية الثانية 1938 - 1945 نتيجة عجز الحكومة عن توفير اللقاحات بثلاثمائة ألف فلاح مصري ، بينما كانت الحكومة مجبرة على دفع تمويل للجيش البريطاني ، وقد قيدت هذه المبالغ كديون على بريطانيا لصالح مصر ، وهذه هي حقيقة المديونية . الأمر كأن بلطجيا سرق سيارتك وبدلا من أن يعطيك ثمنها كتب على نفسه ايصالا بها بينما أنت في أشد الحاجة لهذه السيارة .... وبالمناسبة ، مصر بنهاية سنة 2010 كانت دائنة لأمريكا بمبلغ حوالي 30 مليار دولار وهي الجزء من احتياطي البنك المركزي المصري المستثمر في أذون وسندات خزانة أمريكية - أي مديونية على الولايات المتحدة لصالح مصر - فهل يعني هذا أن مصر كانت أغنى من أمريكا ؟؟!!!
أخيرا احذرو ممن يروجون هذه الاشاعات يا أعزائي ، فهي جزء من الحرب النفسية التي يمارسها الغرب والصهاينة لتجميل صورة حقبة الاستعمار . فما يحدث في الدول العربية الان هو محاولة لاعادة الاستعمار مرة أخرى ، وجزء من الحرب النفسية هي تجميل صورة الاستعمار لكي يكون الناس متقبلون نفسيا - في عقلهم الباطن - لفكرة عودة الاستعمار حيث يربطونه بما يدعونه من رخاء في فترة الاستعمار ما قبل ثورة 23 يوليو وخروج الاستعمار البريطاني والايطالي والفرنسي من الدول العربية . ولاحظو أن الأعلام التي ترفع في الثورات العربية الحالية هي أعلام الحقبة الاستعمارية .... انتبهو رجاء يا اخوتي ولا ترددو كلاما دون تدقيق وتحر وبحث مفصل . و لكم تحياتي