احمد شعلان
عدد الرسائل : 17047 الموقع : جريدة الامة تاريخ التسجيل : 24/09/2008
| موضوع: لمصريون يصرخون من داخل فرن الأسعار: احنا اتشوينا يا ريس بقلم /احمد شعلان الثلاثاء 1 أغسطس 2017 - 2:56 | |
| 3 آلاف مركز تجارى يمتلكها أباطرة البيزنس تسيطر على السوق المصرى وتتلاعب بالأسعار
* الجهات الرقابية تعجز عن مواجهة الكبار وتفشل فى ضبط أسعار السلع
* حكومة عاجزة تسرق من المواطن المطحون وتضع فى جيوب الكبار
* رجال الأعمال يقيمون أفراح أولادهم فى الخارج.. والفقراء يبحثون عن بقايا الأكل فى مقالب الزبالة
* متى يعرف رئيس الوزراء أن مافيا الاحتكارات والبيزنس تتحكم فى السوق؟
لا حديث للشارع المصرى غير جحيم الأسعار..
وليس هناك ما يشغل بال المصريين غير تلك النار التى تلتهم دخولهم وتشعرهم أكثر وأكثر بالفقر وتدفعهم إلى إبداء التذمر من الوضع السياسى القائم وربما النظام السياسى بأكمله.
ولا نظلم المواطن لو قلنا إنه لا يهمه فى النهاية سوى دخله وماذا يمكن أن يشترى به.. وعليه يمكن أن نقول إن شريف إسماعيل وحكومته سقطوا من حسابات المواطنين.
صحيح أن الاقتصاد المصرى تعرض عبر عشرات السنوات لعمليات تخريب متعمدة، قالت عنها محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة إنها «جريمة خيانة عظمى». غير أن الواضح تماماًً هو أن النظام الحالى يحاول علاج ذلك ومحو ما ترتب على ذلك التخريب المتعمد من آثار.
ويقتضى الإنصاف أن نقول إنه من المبكر القطع بوفاء السيسى بعهوده من عدمه، فلا يمكن الحكم على ذلك إلا بانتهاء فترة الرئاسة الأولى كاملة، وإن كل ذى عينين سيلحظ أن الرجل يحاول بشتى الطرق أن ينتشل الاقتصاد المصرى من عثرته، وأن يتجاوز آثار الماضى.
غير أنه لا مفر من الإقرار بفشل السياسة الاقتصادية للحكومة الحالية، مع ارتفاع الدين العام بدرجة تفوق بكثير عما كان فى الأعوام السابقة، ومع ما نراه من عشوائية فى القرارات الاقتصادية!
واللافت للنظر، هو أن محاولات الحكومة للشرح والإقناع، عادة ما تبوء بالفشل.. ربما لأن عددا من الوزراء فقدوا حيويتهم المطلوبة. وبالتالى لم تعد وجهة نظر الدولة مطروحة بشكل أو بآخر فى ظل مزاج عام اعتاد على منهج (تقاطع النيران).. أى يريد أن يتمتع بتنوع الرؤى.. ويريد أن يسمع الرأى والرأى الآخر.. لكنه الآن لا يسمع سوى رأى واحد.. وصوت واحد هو صوت الفساد الذى أفلت من المحاسبة أو بمعنى أدق صوت مجموعات من العصابات التى يتم التستر عليها لأسباب لا نعرفها ولا نستطيع فهمها!
كانت هناك وعود وتطمينات بأن المواطن البسيط أو محدود الدخل لن يتأثر بالظروف الاقتصادية الصعبة التى نمر بها، وأن السلع الأساسية لن يحدث تصعيد فى أسعارها. وهى الوعود التى لم تتحقق. بل رأينا التوجه الأساسى لحكومة شريف إسماعيل يناقضها ويخاصم استقرار الأسعار، مع التسليم بأن كثيرا من القرارات الصعبة كان لازما وضروريا لتحقيق إصلاح اقتصادى حقيقى. فمن الطبيعى أن يتم رفع أسعار سلع بعينها من أجل الحصول على الأموال اللازمة لاستكمال المشروعات المخطط لها. فقط كنا نتمنى لو تمت مراعاة محدودى الدخل والسلع الأساسية وهو ما ننتظر تداركه خلال الفترة المقبلة، مع الوضع فى الاعتبار أن عجز الموازنة يقترب من 300 مليار جنيه، وأن الدين العام وصل إلى 3 تريليونات جنيه. وكذا زيادة سعر صرف الدولار، وارتفاع أسعار الكهرباء؛ لأن الإنتاج الصناعى والزراعى يحتاج إلى طاقة، وزيادة التكاليف تترجم لارتفاع فى الأسعار.
علينا أيضاًً، التركيز على أننا نستورد معظم السلع بالدولار، الأمر الذى يؤدى إلى زيادة الأسعار حتى للسلع المحلية. وعلى الرغم من أن البنك المركزى مسئول عن ضخ العملة لتوفير تلك السلع، إلا أن الاستهلاك مازال أكبر من العرض.
إضافة إلى أن أى إجراءات تعرقل الاستيراد قد تخل بالتزامات مصر فى الاتفاقيات الدولية، ومن ثم قد تواجه الصادرات مبدأ المعاملة بالمثل، وقد تؤدى لارتفاعات كبيرة فى أسعار السلع دون استثناء، بما فيها السلع المحلية.
الزيادة السكانية، أيضاًً، تتسبب فى تقليل المعروض وعدم كفاية الطاقة الإنتاجية، وحينما تنخفض الكمية المطلوبة يتم رفع الأسعار تلقائياً؛ بسبب ارتفاع الطلب من المستهلكين، مقابل نقص المعروض.
فإذا نظرنا مثلاً إلى ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية، سنجد أنه يرجع إلى تكلفة الزراعة والمزارعين، وانتهاء المواسم الزراعية أو تغير المناخ، كما أن زيادة أسعار السلع الغذائية تؤثر على السلع الأخرى. وأيضاًً ارتفاع أسعار الكهرباء كان سببه ارتفاع سعر صرف الدولار، وانخفاض نسبة الغاز الطبيعى فى إجمالى الوقود من 84% إلى 70%، بالإضافة إلى زيادة الاستثمارات والمشاريع الاستثمارية، فى مقابل القدرة الضعيفة لإنتاج الطاقة، فضلاً عن ارتفاع أسعار الصيانة، وعجز الدعم بمقدار 20 مليار جنيه، وارتفاع أسعار المواد البترولية المستخدمة فى محطات الكهرباء.
وكان ارتفاع سعر الأرز بسبب نقص المعروض، وسوء التخزين من جانب التجار وارتفاع معدل التهريب للخارج؛ من أجل الاستحواذ على العملة الأجنبية لتحقيق هامش ربح مرتفع، فى ظل ارتفاع أسعار صرف الدولار داخل السوق المحلى، كما أن أزمة النقد الأجنبى أدّت بشكل كبير إلى توقف استيراد الأرز الهندى.
ويمكن أن نقيس على ذلك ارتفاع أسعار السيارات الذى يرجع إلى زيادة سعر صرف الدولار، وارتفاع أسعار السيارات فى بلد المنشأ، إضافة إلى قلة الاستيراد لعدم توافر العملة الصعبة، ووجود أزمة فى عملية التصدير لمكونات السيارات المحلية.
وقد تكون هناك أسباب مختلفة، كتلك التى أدت إلى ارتفاع أسعار السجائر، والذى نتج عن تخفيض شركة الشرقية للدخان لهامش ربح تاجر الجملة، الأمر الذى أدى إلى تخزينهم للمنتج بغرض الحصول على مكسب مضاعف!
وغير الأسباب التى تبدو موضوعية أو منطقية، هناك التقصير الحكومى وجشع التجار. ومن الواضح تماماً أن الحكومة تتبع سياسات خاطئة تفتقد رؤية واضحة للإصلاح. وكذا فساد بعض المسئولين عن الجمعيات التعاونية، الذين يخفون بعض السلع مثل اللحوم ثم يبيعونها لمحلات الجزارة، والسلع الأخرى التى تباع للأسواق ومحلات البقالة كالسكر مثلاً.
وطبيعى أن تتفاقم الأزمات مع عدم وجود رقابة على الزيادة فى الأسعار، الأمر الذى جعل كل تاجر يرفع السعر، وأن يقلده بقية التجار، كما يقوم تجار السوق السوداء بتخزين البضائع، ثم رفع أسعارها بحجة نقصها فى السوق.. فى ظل غياب الرقابة الحكومية على الأسواق بشكل دورى، وعدم محاسبة التجار فى حالة تحكمهم فى الأسعار، بالإضافة إلى جشعهم ورغبتهم فى تحقيق أكبر مكسب من وراء ارتفاع الأسعار.
ورغم ذلك، فإن الحكومة لا يمكن أن تغسل يديها من استمرار البطالة.. وارتفاع معدلات التضخم.. وعدم الشعور بتوافر العدالة الاجتماعية.. ولا يمكن أن تنكر أنها غير قادرة على مواجهة الأزمات المستمرة أو المفاجئة.. والأهم من كل هذا أن تترك وزراءها يواجهون التحديات التى يتعرضون لها كما لو أنهم ينتمون لحكومة دولة أخرى.. يتحول كل منهم إلى ضحية فى وسائل الإعلام كما لو أنه يعمل بمفرده!
حكومة أمسكت بـ«مزمار» الأزمة، وظلت تتغنى بمبرراتها، وتتأسى على أيام النمو الخوالى، وتحلم بالعصر القادم الذى سوف تلحق فيه من جديد بأرقام النمو التى كانت.. كما لو أن علينا أن ننتظر معها إلى أن تعود لسقف معدل الـ7%.
صحيح طبعا أننا من بين دول قليلة تحقق معدلات نمو.. بينما غالبية دول العالم تنمو بأرقام سالبة وتواجه مشكلات صعبة. لكن الدول التى تنمو بالفعل لديها اقتصاديات أضخم.. وتتحرك بسرعة أكبر.. وإذا كانت الهند أو الصين بعيدتين عن أحلامنا.. فهناك أمثلة أخرى قريبة جداً، بل وأقرب مما نتخيل!
حكومة لم تمتلك أى قدرة على الابتكار أو توفير الحلول المبدعة واستسلمت للأمر الواقع، أقرب إلى «إدارة تسيير أعمال».. اجتماعات روتينية.. وإجراءات دورية.. وتصريحات متكررة.. بل إن الحكومة لم تتمكن من أن تدافع عن بعض إنجازاتها.. ولم تتمكن من تنفيذها بالطريقة التى تحدث تأثيرها المطلوب!
هناك متغيرات سياسية والمجتمع اختلف والأعباء ملقاة على كاهل الرئيس وحده دون أى أثر يُذكر لأطراف أخرى يمكن أن يتم إلقاء العبء أو جزء منه على كاهلها! فى وجود حكومة انتباهها السياسى ضائع أو منقوص وحيويتها لا وجود لها وجهاز استشعارها يعانى من عطل فنى! وطريقة تعاملها مع الأزمات والمواقف الطارئة ليست كما ينبغى، هذا إن افترضنا وجود طريقة من الأساس!
هذه الحالة أثرت سياسياً بالطبع وجعلت هناك مقاومة لكل فعل حكومى وأصبح القرار الحكومى مداناً إلى أن يثبت العكس وغالبا لا يثبت! فتكونت الفجوة بين القرار وبين المستفيدين منه. وكانت تلك فرصة الصائدين فى الماء العكر لإقناع الناس بأن القرار، أى قرار، لا يهدف إلا خدمة مصالح فئة ما، مهما كان واضحا أنه لصالح عملية تنموية واسعة.
لا أدافع طبعا عن قرارات الحكومة التى أراها فاشلة، لكن أتحدث عن قناعة تم بيعها للناس أو تسويقها وإقناعهم بها، جعلتهم مقتنعين بأن كل شىء خطأ.. وقبل أن نطالب الشعب بأن يدقق النظر وأن يستخدم عقله وألا يعطل ماكينة المنطق لديه.. علينا أن نطالب الدولة أولا بأن تساعده على ذلك.. وألا تتركه وحيداً.. يتلقى النوع «المضروب» فقط من البضاعة.. وهو للأسف السائد والمنتشر.
وعبر هذا النوع المضروب، انتقل إلى الشعب الشعور بالإحباط والإحساس بالسوداوية والقلق على الغد والخوف من الفوضى والتشكك فى ضمان الاستقرار وانشغلت العقول بأولويات أخرى غير تلك التى يجب أن توجه لها طاقة المجتمع.
********************
2
غير أننا لا يمكن أن نتغافل «الحرب الاقتصادية» ضد مصر، مع ما تقوم به الجماعات الإرهابية من تفجيرات أثرت بدرجة كبيرة على السياحة وعلى غيرها من النشاطات الاقتصادية.
ويستطيع كل من له عينان أن يرى بوضوح أن مصر تتعرض لمؤامرة اقتصادية خططت لها وتديرها دول وجهات خارجية ويشارك فى تنفيذها، داخلياً، شخصيات وكيانات وجهات متعددة.
ويمكن لكل ذى عقل أن يربط بسهولة بين تفجير العديد من الأزمات الداخلية وإظهارها على السطح، وبين المخطط الذى يستهدف حصار مصر اقتصادياً، بل وتدمير الاقتصاد وتخريبه.
آليات تنفيذ المخطط لها عدة مستويات والمشاركون فيه لهم أدواتهم الخاصة ولديهم وسائل إعلام تعمل من الداخل والخارج وينفقون عليها ملايين الدولارات.. وبينهم أيضاً رجال أعمال وشركات تعمل فى السوق المصرى، وعدد من كبار تجار العملة والمسيطرين على سوق الصرف السوداء.
وبالفعل، بدأ أحد مستويات هذا المخطط بسحب الدولار من السوق المحلى. ومع زيادة فاتورة الاستيراد والتزام مصر بسداد التزاماتها الدولية، وتراجع عائدات السياحة وانخفاض تحويلات المصريين فى الخارج، كان من الطبيعى أن يسجل سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصرى ارتفاعات قياسية. وهو ما سبقه عدد من الأحداث التى استهدفت ضرب السياحة، بدءا من حادث الطائرة الروسية وليس انتهاء بمقتل الطالب الإيطالى جوليو ريجينى.
وبالتزامن، تم تهريب سلع إلى السوق المحلى عبر شركات تعمل فى التهريب، لتفريغ السوق من العملة الصعبة، ودفع المواطنين إلى عدم الإنفاق والحفاظ على السيولة، بدعوى أن الأيام المقبلة سوف تشهد مزيداً من الأزمات، وهو ما يهدف إلى إصابة السوق بالركود واغتيال قطاع التجزئة.
والمخطط لا يحكمه فقط عملية سياسية، بل هناك جهات وأشخاص انتهزوا الفرصة ووجدوها فرصة للإثراء السريع باستغلال الأزمات الاقتصادية وعلى رأسهم كل المتربحين من الأنظمة السابقة.
المتآمرون على مصر وجدوا فى الجانب الاقتصادى بيئة خصبة لممارسة الضغوط وانضم إليهم رجال أعمال مصريون وعرب وأجانب، اعتقدوا أن الفرصة جاءتهم على طبق من ذهب ليقوموا بالضغط على الرئيس كى يخضع لمطالبهم ويحصلوا على المزايا والامتيازات التى كانوا يحصلون عليها قبل ذلك. ونشير هنا إلى أن حجم أعمال بعضهم كان قد تجاوز 70% من إجمالى مشروعات التنمية فى الدولة!
لسنا حالة متفردة، أو غير مسبوقة. إذ إن تفاوت التنمية الاقتصادية والتغيير الاجتماعى فى العالم كله، يضعنا أمام تناقضات وتباينات حادة. وهى ليست إلا نماذج مصغرة من اللا مساواة القائمة بين العالمين الموجودين على كوكبنا: ما يسمى العالم المتقدم والعالم المتخلف العالم الأول والعالم الثالث، البلاد الفقيرة والبلاد الغنية. والانقسام الكبير ضمن كل دولة فقيرة هو أشد ترويعاً،لأن التباينات هنا شديدة الاقتراب بعضها من بعض.
ولذلك فإن ذلك التفاوت أنتج قضية جديدة أو أنها تبدو كذلك،وهى قضية العولمة، وهى القضية التى باتت تشغل الآن مساحات واسعة من الفكر الإنسانى المعاصر، ونتيجة لذلك أفرزت تلك القضية الشائكة العديد من الاتجاهات التى ينبغى أن نتناولها من منظور عقلانى شامل، يحيط بها من مختلف أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية والإعلامية والحضارية، بالإضافة إلى المنظور الإنسانى الذى يقدم أطروحات متعددة للسياسات الليبرالية الحديثة التى تعتمد عليها العولمة، وترسم لنا صورة المستقبل بالعودة إلى الماضى السحيق للرأسمالية. وقد وجدت تلك الأفكار انعكاسها الواضح فى السياسات الاقتصادية الليبرالية التى تطبق الآن فى مختلف دول العالم دون مشاركة الناس أو موافقتهم على تلك السياسات.
وهناك من يعتقد أن العولمة ما هى إلا نتيجة حتمية خلقتها سياسات معينة، بإرادة الحكومات والبرلمانات التى وقعت القوانين التى طبقت السياسات الليبرالية الجديدة، وألغت الحدود والحواجز أمام حركات تنقل السلع ورؤوس الأموال وسحبت المكاسب التى حققها العمال والطبقات الوسطى، وانتهاء بالتوقيع على اتفاقية منظمة التجارة العالمية (الجات) التى ستتولى العقوبات على من لا يذعن لسياسة حرية التجارة. ففى كل هذه الأمور لم تكن هناك حتميات لا يمكن تجنبها، بل إرادات سياسية واعية بما تفعل وعبرت عن مصلحة الشركات دولية النشاط.
وعلى ضوء ما سبق، سعت بعض الدول إلى ترشيد الرأسمالية فى بلدانها، وعملت على ضبط عوامل تطور المجتمع والسلم الاجتماعى، وضرورة وجود طبقة اجتماعية متوسطة متحركة وحيوية، بحيث يكون هناك اقتصاد فيه بدائل وخيارات متعددة، وضبطت من خلالها العملة النقدية. وهذا ما يعكس نوعاً من التقارب الأمريكى الروسى فى ظل نظام نقدى دولى جديد، ويعكس (ضمناً) حكمة الصين والهند وأوروبا فى إيجاد دوافع للتفاهم حول السياسات النقدية.
وهكذا نجد أن تلك السياسات ذات صلة مباشرة وغير مباشرة بالبعد الاجتماعى للنظام الاقتصادى الجديد تكمن فى المجتمع،لأسباب ما هو عليه، وكيفية تغيره. ولذلك سعت المنظمات والهيئات الدولية والمراكز البحثية إلى دراسة تلك السياسات وأبعادها المختلفة التى جمعت بين كل ما هو فلسفى أو سياسى أو تاريخى أو أخلاقى، ومن جانب آخر، ما بين علوم سياسية أكثر ارتباطاً بمشكلات الواقع، مع طرح نظريات اجتماعية عامة، ووضع قوانين لتفسير الظواهر والتحولات الاجتماعية. وتقديم تنبؤات يمكن الحكم على صحتها من عدمه، إذا ما كانت فى إطار سياقها الاجتماعى المناسب وقادرة على التجديد والتصحيح الذاتى بشرط توافر درجة عالية من الشفافية من أجل تجنب تضارب المصالح.
تأكيداً على ذلك، نتوقف أمام تقرير أعده 3 من خبراء الاقتصاد لدى صندوق النقد الدولى، كشف عن ما تسببت فيه سياسات الليبرالية الجديدة أو «النيوليبرالية» من تأثيرات سلبية على اقتصادات العالم طيلة 30 عاماً.
وأوضح التقرير الذى أعده جوناثان أوسترى وبراكاش لونجانى وديفيد فرسرى أن الليبرالية الجديدة ساهمت فى انعدام المساواة والعدالة فضلا عن أنها لم تحقق مستويات النمو المأمولة.
ورأى التقرير أن ثمة تحركات متزايدة مناهضة للمبادئ الأساسية النيوليبرالية والتى من بينها حرية حركة رؤوس الأموال عبر الحدود وتطبيق التدابير التقشفية من قبل الحكومات العالمية، وهى السياسات التى أعاقت العالم ولم تساعده.
وألمح التقرير إلى أن ثمة أشياء كثيرة يمكن الاحتفاء بها فى أجندة النيوليبرالية ومن بينها أن زيادة حجم التجارة العالمية أسهم فى إنقاذ الملايين من الأشخاص من الفقر فضلا عن أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة ساهمت فى نقل التكنولوجيا والمعرفة إلى اقتصادات البلدان النامية.
ومن بين مزايا النيوليبرالية أيضاًً، بحسب التقرير، هى أن خصخصة الشركات المملوكة للدولة آلت فى كثير من الحالات إلى توفير خدمات جيدة للمواطنين وقللت من الأعباء المالية على حكومات الدول.
لكن التقرير يؤكد فى الوقت نفسه أن ثمة جوانب خاصة بأجندة النيوليبرالية مثل «تحرير رأس المال والتقشف» لم تعمل كما كان متوقعاً، حيث يشير التقرير إلى أن تقييماً أُجرى فيما يتعلق بسياسات محددة للنيوليبرالية خلص إلى 3 نتائج مثيرة للقلق، هى أنه يصعب عند النظر إلى مجموعة كبيرة من الدول التى طبقت سياسات النيوليبرالية، تحديد ما إذا كانت تلك السياسات ساعدت فى تحقيق النمو.. وأن تطبيق تلك السياسات أدى إلى انعدام للمساواة بشكل واضح.. وأن انعدام المساواة آل بدوره إلى الإضرار بمستوى النمو واستمراره.
كما أن الانفتاح والتقشف تسببا فى انعدام المساواة فيما يتعلق بمسألة الدخل. وتسبب ذلك فى مجموعة من ردود الأفعال السلبية التى تشير إلى أن مثل هذه الأشياء تعيق النمو الذى تعمل النيوليبرالية على تعزيزه. وهناك أدلة قوية على أن انعدام المساواة قد يؤدى إلى تراجع معدلات النمو واستمراريتها، ما يوجب على الساسة أن يكونوا أكثر انفتاحاً تجاه إعادة التوزيع أكثر ما هم عليه الآن.
لكن التقرير لفت أيضاً إلى أن السياسات يجب أن توضع للتخفيف من التأثيرات مقدماً على سبيل المثال عن طريق زيادة الإنفاق على التعليم والتدريب، الأمر الذى يسهم فى زيادة تكافؤ الفرص (وهى السياسات المعروفة باسم سياسات إعادة التوزيع). يمكن أيضاً تطبيق استراتيجيات الاندماج المالى للتقليل من الآثار العكسية لأصحاب الدخول الأقل.
واستطرد التقرير «منذ ثمانينيات القرن الماضى، كان هناك إجماع على الليبرالية الحديثة لا سيما فكرة التجارة الحرة والأسواق المفتوحة والخصخصة ورفع القيود وتخفيض الإنفاق الحكومى من أجل تعزيز دور القطاع الخاص، وكانت تعتبر أنها الطريقة الأفضل لتعزيز النمو. ومع نشوء الأزمة الاقتصادية عام 2008، ظهرت آراء داخل الدوائر السياسية والاقتصادية أن النيوليبرالية هى الطريق الصحيح للمضى قدماً». لكن أوسترى، أحد مؤلفى التقرير يؤكد أن الكثيرين يرون أن ثمة ضرورة لإعادة التفكير فى بعض أوجه السياسات النيوليبرالية، فالأزمة الاقتصادية تشير إلى أن الطريقة التى نفكر بها ليست سليمة.
لكن ذلك التقرير الصادر عن 3 من رواد الاقتصاد بصندوق النقد الدولى، لا يؤكد بالضرورة على أن الصندوق على وشك التخلى بشكل كامل عن النيوليبرالية وعن التزامه بإجماع واشنطن، حيث خرجت تصريحات من ديفيد ليبتون النائب الأول لمدير عام صندوق النقد الدولى دافع خلالها عن قيم العولمة وقال إن سياسة الحماية الاقتصادية هى دفاع عن النفس.
وأكد أوسترى خلال مقابلة أجرتها معه صحيفة فاينانشيال تايمز أن ذلك التقرير لا يمثل بطبيعة الحال الثقافة السائدة داخل صندوق النقد الدولى حول السياسات النيوليبرالية.
********************
3
هكذا، وصلنا إلى ما نحن فيه. ورأينا حالة التدهور فى الاقتصاد المصرى، التى لا تخطئها عين، سواء كان ذلك على صعيد الأفراد أو الاقتصاد الحكومى أو مجتمع الأعمال أو فى علاقات مصر الاقتصادية الخارجية.
ففى حالة الأفراد تتسع شريحة الفقر بالمجتمع نتيجة السياسات الاقتصادية المتبعة بشأن تخلص الدولة من كافة التزاماتها تجاه المواطن، وتحميله كافة أعباء معيشته، على الرغم من فرض المزيد من الضرائب والرسوم على كافة الخدمات المقدمة من الحكومة.
وإذا كانت بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء تشير إلى بلوغ نسبة الفقر بين سكان مصر 27.8%، فإن هذه النسبة مرشحة مع تطبيق الإجراءات الخاصة باتفاق صندوق النقد الدولى للقفز إلى معدل 35% أو أكثر، وسوف يكرس ذلك لجوء قطاع لا بأس به من الفقراء والطبقة المتوسطة إلى ممارسة أعمال الاقتصاد الأسود.
فخريطة تصرف الأفراد تجاه الوضع الاقتصادى فى مصر يمكن تصورها فى ثلاثة مكونات، الأول شريحة الأغنياء وهؤلاء نسبة قليلة وسوف تتيح لهم مواردهم المالية التأقلم مع أى تدهور فى الأوضاع الاقتصادية، ولكن سيكون ذلك على حساب انخفاض ثرواتهم ودخولهم، أو مستوى غناهم.
أما الشريحة الثانية وهى الطبقة المتوسطة بكافة مستوياتها، فسوف يتصرف أفراد هذه الشريحة من خلال ما لديهم من مدخرات، وبيع ما لديهم من أصول، وسوف تتساقط مستويات من هذه الشريحة إلى الطبقة الفقيرة لتتسع شريحة الفقراء بمصر بمعدلات كبيرة.
والشريحة الثالثة وهى الطبقة الفقيرة لن يكون أمامها سوى الاتجاه إلى الاقتصاد الأسود (الدعارة، السلاح، المخدرات، الاتجار بالبشر، الفساد) أو الثورة. وبذلك ستكون الطبقتان المتوسطة والفقيرة وقود الثورة خلال الفترة القادمة بسبب الأوضاع الاقتصادية السلبية فى مصر.
ويمكن الرجوع إلى قائمة كبيرة يعانى منها المواطن خلال السنوات الثلاث الماضية، مثل ارتفاع معدلات البطالة (13%)، وارتفاع معدلات التضخم (16.4% فى أغسطس/ 2016)، وعدم توفر الأدوية وارتفاع أسعارها، وتدنى مستوى الغذاء من حيث الجودة وشروط السلامة الصحية، وارتفاع أسعار الكهرباء والمياه والغاز الطبيعى. وينتظر أن تشهد الأسعار ارتفاعات لن يكون فى مقدرة الفقراء والطبقة المتوسطة تحملها خلال الفترة القادمة.
أما على مستوى مجتمع الأعمال، فيشكو من ارتفاع تكاليف الإنتاج سواء فيما يتعلق بتكلفة التمويل، أو ارتفاع تكلفة الطاقة، أو صعوبة توفير العملات الأجنبية، أو انتشار الفساد.
غير أن الثابت هو ضآلة الناتج المحلى الإجمالى من حيث القيمة أو النوعية، فهو ناتج لا يتناسب مع متطلبات الزيادة السكانية، ولا يفى باحتياجات البلاد من السلع والخدمات، ويكرس التبعية للخارج.
ولا تستطيع الدولة أن تتخذ أية إجراءات بسبب حرصها على استقدام استثمارات أجنبية مباشرة أو غير مباشرة، وهو ما لم تنجح فيه بشكل واضح إلا فى مجال النفط، وهو المجال الذى لا يزال يستقبل تلك الاستثمارات (تمثل حصة قطاع النفط من الاستثمارات الأجنبية بمصر 67%) وحتى نضمن الحفاظ عليه، نحاول تخفيف آثار الوضع المالى السيئ لمصر خلال السنوات الماضية، وحل أزمة المديونيات لشركات النفط الأجنبية التى لو لم نقم بحلها، لتراجعت الاستثمارات الأجنبية فى قطاع النفط.
وفيما يتعلق بالاقتصاد الحكومى، فالمؤشرات توضح تفاقم قضية الدين العام، بشكل كبير، وتعمل السياسات الاقتصادية المتبعة حاليا فى مصر على خروج الدين العام (المحلى + الخارجى) عن نطاق السيطرة، فالدين المحلى بنهاية مارس 2016 تجاوز نسبة 100% من الناتج المحلى، قد تصل نسبة الدين العام للناتج ما يفوق 130%.. وهو ما يؤدى إلى حالة من التضخم.
وقد توقع صندوق النقد الدولى فى شهر أكتوبر الماضى ارتفاع معدل التضخم فى مصر فى عام 2017 إلى نحو 18%. وكان من المتوقع أن يقوم البنك المركزى برفع أسعار الفائدة، وهو ما حدث بالفعل، إذ ارتفعت بمعدل 3%، وذلك من أجل امتصاص الآثار التضخمية الناجمة عن قرار تحرير سعر الصرف.
والتضخم هو حالة عامة من زيادة أسعار السلع فى فترة زمنية معينة، ما يؤدى إلى نقص القيمة الشرائية للعملة، ويعتمد هذا النقص على ما يسمى بـ(معدل التضخم). فمثلا، إذا كنت تشترى شيئاً ما بسعر ١٠ جنيهات، وزاد معدل التضخم مثلاً 3٠٪، فإنك ستشتريها بسعر ١3 جنيهاً.
ومن أسباب حدوث التضخّم أن يقوم البنك المركزى فى دولةٍ ما بطباعة كمية كبيرة من عملة الدولة، استجابةً لزيادة الديون على الدولة على سبيل المثال لا الحصر.
ولم تسلَم كثيرٌ من الدول من التضخم وذلك يشمل حتى بعض القوى العظمى الموجودة حالياً وفى هذا المقال سنستعرض بعضاً من تجارب بعض الدول العظمى مع التضخم وطرق تعاملهم مع الأزمة حيث كان بعضها ناجحاً والبعض الآخر باء بالفشَل.
فى القارة الأوروبية ولكن نعود بالزمن قليلاً لأيام الثورة الفرنسية لنرى التضخم الهائل الذى حدث وقتها، فعندما اعتلى الملك لويس السادس عشر العرش كانت مصروفات الدولة حوالى ٣٩٩ مليون ليفر –عملة فرنسا فى ذاك الوقت– فى حين كانت الأموال المحصَّلة من الضرائب –والتى كانت تفرض على الطبقة الفقيرة فقط– حوالى ٣٧٢ ليفر ما أحدث فجوة بين مصروفات الدولة وبين ما تجنيه من أموال الضرائب فاضطر الملك لتعيين وزير مالية جديد فولّى هذا المنصب لأحد الاقتصاديين العباقرة وقتذاك ولكن كل محاولاته للحد من مصروفات الحكومة باءت بالفشل وأثارت اعتراض الطبقة الثريّة فى المجتمع فاضطر الملك إلى عزله عن منصبه عام ١٧٧٦.
بعد مرور حوالى اثنى عشر عاماًً وتحديداً سنة ١٧٨٩ ثارت الجموع الغفيرة من الشعب على الملك واندلعت الثورة الفرنسية ولكن الجمعية الوطنية –التى كانت تمثل السلطة التنفيذية وقت الثورة– قامت أيضاًً بصرف الكثير من الأموال لتوفير فرص عمل وتم صرف حوالى ١٧ مليون ليفر لأهل باريس ليتم انفاقها على الطعام. وفى مارس من عام ١٧٩٠ تم وضع عملة جديدة وهى الآسيجنات وفى إبريل تم طباعة حوالى ٤٠٠ مليون آسيجنات ثم تم طباعة حوالى ٨٠٠ مليون أخرى فى نهاية الصيف واستمرت الحكومة فى الطباعة، وانخفضت قيمة الآسيجنات حوالى ٦٠٪. واستمرت قيمة العملة فى التدهور حتى أصبحت العملة الجديدة أقل قيمةً من الورق الذى تطبع عليه.
استمرت محاولات الحكومة للتحكم فى التضخم الحاصل فقامت الجمعية الوطنية بتحديد أسعار الحبوب والمواد الأساسية وأصبحت هذه السلع لا تباع إلّا بمراقبة الحكومة وفرضت أيضاًً مراقبة على الرواتب فى محاولة منها لتحجيم التضخم، واستمر ذلك حتى نهاية عام ١٧٩٤ تم رفع المراقبة من على الرواتب والسلع وأخيراً وفى ديسمبر من عام ١٧٩٥ قررت الحكومة وقف طباعة الآسيجنات، وتم السمّاح مرة أخرى بتداول الذهب والفضة بعد وقفهما لفترة من الزمن وعادت البضائع للسوق مرةً أخرى وبدأت حالة من الرخاء تعم فرنسا.
وبعيداً عن أوروبا، أمامنا نموذج الصين فى الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضى حيث كانت عملة الصين (اليوان فى ذاك الوقت) تُصنع من النحاس، ولم يكن هناك بنك مركزى، ولكن بعض البنوك الخاصة هما التى تقوم بعمل العملة.
وكان اليوان يمكن تحويله إلى فضة (أى أن قيمته ترتبط بالفضّة كما وضحنا سابقاً) واستمرّ ذلك حتى قامت الولايات المتحدة بشراء كل الفضة الموجودة بسعر أعلى من سعرها الدولى، فقامت الصين بتصدير ما لديها من الفضة إلى الولايات المتحدة ما أدى إلى انخفاض كبير فى قيمة اليوان.
واستمر ذلك حتى عام ١٩٣٥ عندما بدأت سلطات البنك المركزى فى التدخل، فتم إلغاء ربط اليوان بالفضة، وتم تحويل العملة من نحاسية إلى ورقية مع جعل الحكومة المتحكم الوحيد فى كمية الأموال المطبوعة، ولكن ذلك لم يأتِ بنتيجة لأن الحكومة لم تستطع التحكم فى طباعة الأموال بشكل صحيح وخصوصاً مع اندلاع الحرب بين الصين واليابان التى استمرت حوالى ٨ سنوات. بدأت عام ١٩٣٧، وكان وقتها كمية اليوان المطبوعة حوالى 3.6 مليار يوان، وأثناء الحرب تم طباعة المزيد والمزيد حتى وصلت كمية اليوان المطبوعة فى نهاية الحرب إلى ١٥٠٦ مليارات يوان.
ولكن حرب اليابان لم تكن هى أسوأ ما حدث فى ذلك الوقت، فبعدها مباشرةً اندلعت حرب أهلية بين القوميين والشيوعيين والتى جعلت التضخم يزداد بشدة حيث وصلت كمية اليوان المطبوعة إلى 399.091 مليار يوان سنة ١٩٤٨.
فى نهاية عام ١٩٤٨، ونتيجة للتضخم الشديد الذى حدث لليوان، قررت الحكومة استبداله بعملة جديدة سُمّيت اليوان الجديد، وكان الواحد من هذه العملة الجديدة مساوياً لحوالى ٣ ملايين من اليوان القديم، ولكنهم ارتكبوا نفس الغلطة مرةً أخرى فتم طباعة الكثير من هذه العملة، واستمر هذا الوضع حتى عام ١٩٤٩ عندما تم تبنّى عملة صينية جديدة وهى الرينمنبى، وهو العملة الحالية للصين (ويسمى أيضاًً يوان)، ومن وقتها بدأ التضخم فى التراجع وزادت قيمة العملة تدريجياً حتى أصبحت فى المعدل الطبيعى.
ونحن الآن فى مصر على أعتاب أزمة تضخم حقيقيّة نتيجة تراجع سعر الجنيه المصرى أمام الدولار الأمريكى نتيجةً لأسباب كثيرة منها قلة التصدير وبالتالى نقص العملات الصعبة بالإضافة إلى زيادة الواردات وأيضاًً تراكم الديون الخارجية ما أدّى إلى طباعة الكثير من الجنيه فأصبح متوافراً بكثرة مع غياب العملات الصعبة، وفى الاقتصاد توافر الشىء يخفض من قيمته، وهناك طرق كثيرة يمكن من خلالها الحدّ من التضخم فى أى دولة وفقاً لموقع Economics help نستعرض هنا بعضاً من السياسة النقدية، وهذه هى السياسة المتبعة فى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة للحفاظ على معدل تضخم منخفض عن طريق وضع هدف محدد لمعدل التضخم وهو ٢٪ (زائد أو ناقص ١) فقط ولا يمكن للتضخم أن يزيد عن هذا المعدل بأى شكل من الأشكال، ويمكن تحقيق ذلك عن طريق التحكم فى المعروض النقدى عن طريق زيادة معدلات الفائدة للمقترضين ما يؤدى إلى نقص الطلب على القروض فتقل كمية العملة المتوفرة.
وهناك السياسة المالية، وهى تشبه إلى حد ما السياسة النقدية ولكن فى هذه الطريقة يتم التحكم فى التضخم عن طريق زيادة الضرائب المفروضة وتقليل المصاريف الحكومية.
كما أن إحدى السياسات المتبعة فى الحد من التضخم هى التحكم فى الأجور لأن الزيادة الكبيرة فى معدلات الأجور تزيد من معدلات التضخم، ولكن هذه الطريقة صعبة التنفيذ إلى حد ما.
ويمكن أيضاًً الحد من التضخم عن طريق تقليل كمية الأموال التى تحتفظ بها البنوك وتوفير فقط الكم الذى تحتاجه لتغطية عمليات السحب اليومية، وذلك يؤدى إلى تقليل الأموال المتوفرة للاقتراض من البنك، فيقل صرف العملة.
وإجمالاً، يمكننا أن نقول إن التضخم أزمة عانت منها كل دول العالم.. لكن ما يميز دولةً عن الأخرى هو طريقة التعامل مع الأزمات. الأمر الذى يجعلنا ننتظر تدخلاً مناسباً من مجموعة اقتصادية جديدة (غير الموجودة حاليا بالطبع) للحد من هذه الأزمة قبل أن ندخل إلى النفق المظلم!
******************
4
هكذا، تكون قضية الحصول على حزمة تمويلية عبر اتفاق مع صندوق النقد الدولى بنحو 12 مليار دولار خلال سنوات، فى منتهى الخطورة لو لم تكن هناك خطة مضمونة النتائج لانتشال مصر من تردى الأوضاع المالية. فرئيسة صندوق النقد الدولى دعت عشية انعقاد اجتماعات مجموعة العشرين بالصين (4 -5 سبتمبر 2016) إلى ضرورة حث المانحين على دعم مصر بما بين 5 و6 مليارات دولار، حتى يمكن للمجلس التنفيذى للصندوق الموافقة على توقيع الاتفاق مع مصر بشكل نهائى. إذاً الحصول على حزمة تمويلية لمصر من صندوق النقد الدولى سيكون عبئا على الدين العام.
ومعروف أن المؤسستين الاقتصاديتين الأكبر فى العالم، والتابعتين للأمم المتحدة؛ يناط بهما تقديم الاستشارات الاقتصادية والقروض كذلك ليحافظا على التوازن الاقتصادى العالمى. لكنَّ المؤسستين لا تقدمان فقط قروضاً واستشارات، وإنما يعطونك خططاً وشروطاً تخبرك كيف ستنفق هذه القروض، وربما هنا تكمن المشكلة الرئيسية. المشكلة الأخرى، والخفية: أنَّ المؤسستين الكبيرتين تخضعان بشكل مباشر للدول الكبرى. فبمقتضى اتفاق ضمنى يكون دائماً رئيس صندوق النقد الدولى أوروبيًّا، ورئيس البنك الدولى أمريكيًّا. ويتم اختيارهما وراء أبواب مغلقة، بل ولا يشترط لتولى الرئاسة أن يكون للمرشح أية تجربة اقتصادية فى الدول النامية! إن هذه المؤسسات لا تمثل الأمم التى تخدمها، هذا ما يخبرنا به جوزيف ستجليتز أيضاًً. إنَّ برنامج صندوق النقد الدولى قد يترك البلد فى بعض الأحيان فقيراً كما كان من قبل، لكن مع مديونية أكبر، وصفوة حاكمة (وطبقة) غنية أكثر ثراءً.
وتكمن المشكلة الرئيسية فى قروض البنك وصندوق النقد الدوليين فى تعميم هذه الاستشارات الاقتصادية. والسؤال البديهى هنا هو: ما الذى يدفع أية دولة غنية لمساعدة دولة فقيرة إذا لم تكن ستستفيد منها؟
ببساطة إذا كانت الدولة فقيرة وأردت أن تساعدها حقاً يجب أن تجعلها تمتلك زمام أمورها، أن تعلمها بالفعل كيف تدير نفسها، كيف تصنع وكيف تقود وكيف تنتج، لكن إذا صرفت الإعانات فقط على الغذاء والأدوية والمستشارين الأجانب فبالطبع لن تكون هذه الدولة الفقيرة قد استفادت بأى شىء. فى العموم تفعل المساعدات والقروض هذا.
بعد الحرب العالمية الثانية، وجهت قروض البنك الدولى (الذى يخضع بشكل غير رسمى لأمريكا) إلى إعادة بناء أوروبا، كانت هذه القروض بعوائد ضخمة جداً للشركات الأمريكية الدائنة. فبين عامى 1946 و1953 كان 77% من هذه الديون قد أنفقت على شراء البضائع والخدمات الأمريكية وحدها.
وحتى تتضح الصورة بدرجة أكبر نشير إلى أن أحد مشروعات الصرف الصحى فى الإسكندرية وفى مشروع تطوير ميناء السويس – فى الثمانينيات- اللذين تم تمويلهما بقروضٍ أمريكية، ذهب 59.5% من حصيلة القرض الأول، و43.3٪ من حصيلة القرض الثانى مقابل أتعاب الشركات الاستشارية الأجنبية التى قامت بإعداد الدراسات الخاصة بالمشروعين. ليس هذا فحسب، بل إن التقرير يذكر أن نفقات شحن بعض السلع التى تشتريها مصر من الولايات المتحدة بحصيلة القروض الأمريكية تشترط الاتفاقية فيها أن يتم شحن البضائع على سفن أمريكية، تبلغ أسعار الشحن عليها فى بعض الأحيان أربعة أضعاف الأسعار السائدة للشحن.
هنا، تكون المخاوف مطروحة ومشروعة فى ظل سياسة الجزر المنعزلة فى إدارة الاقتصاد المصرى، حيث تتضارب السياسات الاقتصادية بعضها مع بعض، ويلاحظ إطلاق يد البنك المركزى فى اتخاذ إجراءات تضر بباقى مكونات السياسة الاقتصادية دون وجود حالة من التنسيق، لتلافى أو التقليل من الآثار السلبية لإجراءات البنك المركزى. وظهرت هذه الإدارة السلبية من خلال تراجع المدخرات الكلية (5.8% من الناتج المحلى) والاستثمار الكلى (14% من الناتج)، ما أدى إلى انتشار البطالة والفقر.
والعلاقات الاقتصادية الخارجية لمصر، تعكسها حالة العجز بـميزان المدفوعات، التى وصلت إلى 3.5 مليار دولار خلال الفترة (يوليو 2015-مارس 2016)، وهى نسبة مرشحة للزيادة فى ظل تراجع كافة موارد مصر من النقد الأجنبى (البترول، الصادرات السلعية، عوائد قناة السويس، السياحة، تحويلات العاملين بالخارج).
بالتزامن، وطوال تلك الفترة، لم تظهر حكومة شريف إسماعيل أى بوادر جدية للسعى إلى خفض جحيم الأسعار التى تلتهم دخول المواطنين وتشعرهم أكثر بالفقر وتدفعهم إلى إبداء التذمر من الوضع السياسى القائم وربما النظام السياسى بأكمله.
صحيح أن أداء ميزان المدفوعات عن العام المالى 2014/2015 مقارنة بالعام المالى 2013/2014 كشف عن تحقيق المعاملات الاقتصادية مع العالم الخارجى خلال العام المالى 2014/2015 فائضاً بميزان المدفوعات بلغ 3.7 مليار دولار، مقابل فائض اقتصر على نحو 1.5 مليار دولار خلال العام المالى السابق وانعكس هذا الفائض على آليات البنك المركزى فى سداد التزامات ومدفوعات سلع استراتيجية ولم يظهر كثيراً فى حجم الاحتياطى.
غير أن أداء الميزان التجارى يكشف عن كارثة فى الصادرات تعكس وضع الصناعة الوطنية خلال تلك الفترة وتراجع الأسواق الخارجية للمنتجات المصرية وبالتالى ضعف إيرادات الصادرات رغم الإعلان عن رفع قيمة الدعم الموجه للصادرات فى الموازنة الجديدة إلى خمسة مليارات دولار وكان 2.5 مليار دولار وكان تراجع الصادرات أهم أسباب ارتفاع العجز فى الميزان التجارى بنحو 4.7 مليار دولار خلال عام واحد بنسبة 13.9% ليصل عجز الميزان إلى نحو 38.8 مليار دولار مقابل نحو 34.1 مليار دولار، نتيجة لتراجع حصيلة الصادرات السلعية بنحو 15.5% لتقتصر على نحو 22.1 مليار دولار مقابل 26.1 مليار دولار. وكان من المفترض أن ترتفع الصادرات مع بدء دوران عجلة الاقتصاد وحزم التنشيط التى ضختها الحكومة لكن هذا لم يحدث ربما لأسباب أخرى وقد ارتفعت مدفوعات الدولة عن الواردات السلعية بنحو 0.7 مليار دولار وبلغت قيمة فاتورة الواردات 60.8 مليار دولار نتيجة لزيادة المدفوعات على الواردات غير البترولية بنحو 1.6 مليار دولار، بينما تراجعت مدفوعات الواردات البترولية بنحو 0.9 مليار دولار.
*********************
5
وهنا، تكون الإشادة واجبة بقرار تعديل التعريفة الجمركية لبعض السلع الاستفزازية والكمالية، وهو بالطبع قرار إيجابى يصب فى صالح الاقتصاد المصرى. إذ إن تعديل التعريفة الجمركية سيعمل على تقليل الفجوة بين الصادرات والواردات، التى بلغت 60 مليار دولار، وإن كان الواجب يقتضى أن نشير إلى وجود تناقض بين قرار رئيس الجمهورية وقرار المهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء، بإلغاء التعريفة الجمركية عن الدواجن المستوردة، فالأول «دعم» بينما الثانى «هدم»، يحمل شبهة فساد، ويدفعنا للسؤال عن المستفيد منه، خاصة بعد وصول كمية كبيرة من الدواجن عقب قرار الإعفاء مباشرةً.
غير أن السؤال الآن: هل بإمكان خطّة إصلاح تقشّفية أن تنجح فى ظل هذه الظروف فى وضع الاقتصاد المصرى على طريق الاستقرار؟ وهل يمكن أن يكون قرض صندوق النقد الدولى -إذا لم يتغيّر شىء فى الأوضاع السياسية والأمنية الراهنة- كافياً لتوجيه رسالة طمأنة إلى الأسواق المالية الدولية، واستعادة الاستثمارات الأجنبية؟
ونشير هنا إلى أن مصر، عرفت ولا تزال، نوعا فريدا من الحرب النفسية المكثفة، التى كان لها تأثير بالغ فى مسارات التغيير وتقاطعات التدمير، التى تحاول أطراف خارجية صناعتها الآن، بمساعدة أطراف داخلية للأسف، وقد لا أبالغ لو قلت إن ما يحدث داخل مصر الآن أخطر بكثير مما قد يقوم به الأعداء ضدنا، بعد أن أصبحت مرتعا لما توصف تجاوزا بأنها «وسائل إعلام» تجاهلت دورها أو أدوارها وتفرغت للشائعات.. أو التحريض.. أو التشويه.. أو التخبط، فى ظل عدم وجود منظومة إعلامية لها نسق واضح تعبر عن مؤسسات الدولة، وفئات الشعب.. فكان أن أصبحنا فريسة لسيول من الدعايات والشائعات، تأسست على أنه يمكن هدم الاستقرار فقط فى النفوس قبل أن يتم تدميره على أرض الواقع، فقامت بتصويب مدفعيات الخوف إلى عقول الشعب كل فى موقعه وكل حسب مصلحته.. لنشر حالة من الهلع والفتن.. ولو لم يتم تدارك ذلك، ستكون النتيجة مأساوية!
غير أن الغريب والمثير للدهشة هو ألا تجد الحكومة منــشــغلة بما يدور حولها وبينما الرئيس مهموم بالإنجاز، نجد الحكومة تشارك فى الاجتماعات مثل الآخرين.. تسمع ولا تضيف.. تنصت ولا تبدع.. وكأن ما يعنيها فقط هو أن تمر الأيام. وكأنك أمام حكومة موظفين، لا حكومة تقوم بمهمة فى إطار التحول والإصلاح!
وحتى نكون منصفين، فإن الحكومة لا تتحمل العبء وحدها لأنها جزء من الشعب، والمواطن يريد الاستهلاك ولا ينتج، ودائماً ما يحمّل المسئولية للحكومة. واضعين فى الاعتبار أن 90% من أسباب ارتفاع الأسعار حالة نفسية، والشائعات من أهم الأسباب المساهمة فى الغلاء، فالمواطن لا يدرك حقيقة الواقع، وأى السلع التى ارتفعت أسعارها، وقيمة ذلك الارتفاع، إلا أنه يردد ما يتم تداوله، دون وعى. بما يعنى أن هناك ارتفاع أسعار مبرر وآخر غير مبرر، وأن الحديث المتواصل عن وجود ارتفاع أسعار بشكل عام دون التدقيق هو أصل الارتفاع.
الكل يتحمل نصيباً من التهمة، فالدولة مسئولة عن جزء من زيادة التكاليف؛ لأنها لا تتدخل، وتكتفى بالاعتماد على آليات السوق الحر، وهناك جزء كبير من ارتفاع الأسعار يقع على عاتق التجار، فهم يستغلون المواسم لزيادة الأسعار بشكل جنونى، مستغلين عدم قدرة الحكومة على التحكم فى السوق، فهناك ما يزيد على 3 آلاف مركز تجارى، ولا تستطيع الجهات الرقابية متابعتها أو ضبط أسعار السلع والسيطرة عليها؛ لعدم وجود قانون يعطيها الحق فى التدخل فى السوق بتعديل الأسعار.
كما يتسبب المواطنون أحياناً فى رفع الأسعار بسبب كثرة الطلب فى فترات المواسم، مثل رمضان والأعياد، فاستهلاك المواطنين يزداد خلال شهر رمضان، وبعض العائلات تصل لزيادات 3 أضعاف، بعكس شهور العام الأخرى، لكننا لا يمكن أن نعتبر المواطن هو المسئول الوحيد عن ذلك؛ فتزايد شراء السلع لتخزينها فى فترة معينة أو فى مواسم بعينها يستغله التجار احتكارياً لزيادة أسعارها.
وعليه، تكون الكرة فى ملعب الحكومة ومدى قدرتها على معالجتها للوضع الاقتصادى الكلى وكيفية مواجهتها للتضخم، والهبوط بمعدلاته إلى مستويات معقولة، وزيادة الأجور وضبط الأسواق لضمان عدم ارتفاع أسعار السلع التى لا يوجد مبرر حقيقى لارتفاعها، مع توسيع شبكة الضمان الاجتماعى لتغطى كافة الفئات الفقيرة ومحدودة الدخل، والتى هى غالبية عدد السكان.
وهكذا، تكون الحاجة ملحة وضرورية لوجود بورصة للأسعار؛ لتحديد السعر، ومحاسبة من يخالف الأسعار، بأن تقوم المؤسسات الحكومية وجهاز حماية المستهلك بدور الرقيب على السوق، وأن تحدد الربح، كما تفعل بعض الدول بتحديد هامش ربح التجار بـ20% للملابس، و25% للسلع الغذائية، وهذا الأمر المتبع فى اليابان وإنجلترا مثلاً.
وهناك حلول بدأت الدولة فى تنفيذها بالفعل، كعمل منافذ حكومية لتوزيع السلع الأساسية بأسعار منخفضة، وتفعيل المنافذ الحالية التى تفوق 32 ألف منفذ على مستوى الجمهورية، وعمل سيارات متنقلة تصل لجميع أنحاء الجمهورية؛ لإتاحة السلع الرخيصة لجميع المواطنين.
غير أن ذلك لن يحل المشكلة إلا بزيادة الإنتاج لتوفير السلع للمواطنين.. وبإصدار مجلس النواب لقوانين تضبط الأسعار، تعطى الحكومة مساحة أكبر للتدخل من تلك التى تدخلت بها مع أزمة ارتفاع أسعار الأرز والسكر، والزيت.
وأخيراً وإجمالاً، نتمنى أن نرى حكومة من فريق عمل واحد أو تبدو كأنها كذلك.. حكومة من كتلة واحدة، تذوب فيها المكونات أو التكتلات التى تتفاعل داخلها فى سياق واحد هو سياق هذا الفريق، دون إغفال الاختلافات المقبولة فى الرؤى.
نتمنى أن نرى حكومة قادرة على أن تعبر عن نفسها سياسياً وإعلامياً، بصورة فعالة ومستمرة، ترتفع فيها كفاءة الأداء فى التعامل اليومى مع المشكلات المستجدة والمفاجئة، وقادرة على أن تجتاز الأزمات الدولية، والأزمات الطارئة، مع تركيز متواصل، على الجناح المكلف بالأداء الاجتماعى للسياسات العامة، وإعطاء جهد أكبر وخلاق لتنفيذ تكليفات الرئيس فى هذا الإطار.
حكومة تسير على ساقين، ساق اقتصادية، وأخرى اجتماعية، ومعروف أن إحدى الساقين إن تعثرت ستتسبب فى تعثر الأخرى! احمد شعلان | |
|