"نأكلها بدقة فى بلدنا ومش هنسافر تانى".. كلمات بدأ بها شباب مفتول العضلات عاد إلى وطنه ودياره بعد رحلة سفر طويلة قضوها فى الغربة بدولة ليبيا، وقرر عدم العودة من جديد، بسبب ما أطلقوا على الهجرة غير الشرعية بأنها طريقك إلى الموت، عشرات من الشباب ذهب ولم يرجع ولا تعرف أسرهم عنهم أى شىء ومنهم من عاد بعد فترة زمنية قصيرة، ومنهم من قضى بعض السنوات ليحقق بعض المال ليكون عوضًا له عما أنفقه قبل سفره.
لم تكن الجماعات الإرهابية المنتشرة فى ليبيا هى السبب وحدها التى دفعت الشباب إلى رفض العودة من جديد، ولكن هى الرحلة الطويلة التى تستغرق أسبوعًا أو أكثر فى الصحراء الجرداء قد تفقد حياتك فإن لم تصبك رصاصة الإرهاب فقد تموت عطشًا أو جوعًا، ولو كنت مريضًا فأنت فى تلك الرحلة قررت الانتحار.
يقول "سعيد" أحد المزارعين العائدين من ليبيا ورفض العودة مرة أخرى، لـ"اليوم السابع"، أن ما رأيته بعينى فى رحلتى الأولى جعلنى أفكر مليون مرة قبل العودة من جديد هناك، مضيفًا "رأيت الموت أكثر من مرة والعناية الإلهية أنقذتنى لأننا نسافر بطريق غير شرعى ندفع ما يقرب من 5 آلاف جنيه لأحد السماسرة، وهو من ينقلنا من المنيا إلى مرسى مطروح وبعدها يتم تسليمنا لشخص آخر وبعدها إلى ليبيا عن طريق من يطلقون عليهم كشاف الطريق".
وأوضح أن رحلتى بدأت عندما قررت الزواج ولكن ظروفى المعيشية صعبة وأسرتى لا تملك أن تزوجنى، فقررت أن أسافر عامًا أو اثنين ثم أعود لأتزوج، لكن ما رايته فى الرحلة جعلنى أفكر ألف مرة قبل العودة، لافتًا "اتفقت مع أحد السماسرة أنا وآخرون وأخذ من كل شخص 5 آلاف جنيه خرجنا من القرية داخل سيارة حتى وصلنا إلى مرسى مطروح، وهناك افترقنا وتم تسليمنا لشخص آخر، الذى اصطحبنا إلى الحدود الليبية عبر الصحراء".
وهنا تدخل خلف عبد الرحيم، أحد الشباب من رافضى السفر عن طريق الهجرة غير الشرعية، قائلاً "والله كنا نموت ألف مرة" ومن بيننا شباب افترقنا عنهم ولا نعلم مصيرهم حتى الآن، مشيرًا إلى أن رحلة العذاب تبدأ مع دخول الأراضى الليبية، حيث يتم نقلنا عن طريق سيارة صندوق مغلقة لا يوجد بها تنفس حتى منطقة معينة بالصحراء، ثم يطلب منا النزول وقطع مسافة لا تقل عن 50 كيلو على أقدامنا، وهنا نتسلق صخورًا ونقضى الليل فى الصحراء بدون ماء أو طعام ومن لا يتحمل يسقط من المجموعة ولا يعود مرة أخرى.
أما نادر جاب الله، أحد الشباب الذى قرر ألا يسافر ويعمل فى دولته، قال إن الهجرة غير الشرعية هى الطريق بالفعل إلى الجحيم، متابعًا "عندما نقرر السفر نكون على يقين أنه سفر بلا عودة لأن أثناء السفر لا أحد يعلم عن رحلتنا أى شىء، وقد يكون الأب وأبناؤه فى الرحلة، فيصل الأب ولا يصل الأبناء أو العكس، مضيفًا "نأكلها بدقة ولا نسافر من جديد"، موضحًا "سافرت مرة مع أحد أصحابى وعملت فى دولة ليبيا عامًا، ورجعت ولن أعود من جديد، وقررت أن أقوم بعمل مطعم أو حتى أشتغل فى أى شىء ولكن لن أعود"، مشيرًا إلى أن الغربة صعبة إذا لم توفر لنا سفريات محترمة عن طريق شرعى لن أعود من جديد فى التفكير فى السفر بطريقة غير شرعية.
وقال أحمد محمد أحد العائدين من الهجرة غير الشرعية: "والله لو رأى أحد المعاناة لن يفكر أبدًا فى السفر"، مضيفًا "3 أيام داخل مخبأ صغير فى الصحراء لا طعام ولا ماء حتى كاد الجميع أن يهلك من شدة الجوع والعطش، لكن العناية الإلهية هى التى تنقذنا"، موضحًا "أن ما يدفع الشباب لاختيار الهجرة غير الشرعية هو الحاجة للمال وتحسين الظروف الاقتصادية، وأن أغلب من يسافر هم الفقراء ومعظمهم شباب".
أما فايز على وهو أحد الشباب الذى قرر عدم السفر عن طريق الهجرة غير الشرعية، قال إن مركزى سمالوط وبنى مزار هما أكثر المراكز التى يسافر أبناؤها هجرة غير شرعية، ليست فقط إلى ليبيا وإنما أيضًا هناك أطفال صغار دون 18 عامًا يسافرون إلى ليبيا، ولكن هدفهم الهجرة إلى إيطاليا عن طريق البحر، وهذه هى الكارثة، مضيفًا أن ندرة فرص العمل وحاجة الشباب إلى المال للاستقرار هى التى تدفعه إلى التضحية، أما أن تصيب أو يكون فى عتاد الموتى، لأننا بالفعل نفارق فى الرحلة رفقاء الطريق، موضحًا أن الرحلة لا تقل عن 100 شخص بل تزيد أحيانًا.
فيما قال نادى جابر أحد الشباب الذين خاضوا تجربة الهجرة غير الشرعية، وعاد إلى بلاده وعمل بالتجارة، إن الرحلة تبدأ بالسمسار الذى يحصل منا على المال ونصل إليه عن طريق بعض الأصدقاء الذين سافروا سابقًا ونذهب إليه ونتفق على سعر الرحلة ويحصل عليها أحيانًا كثيرة مقدمًا ثم يسلمنا لآخر ثم يتم تسليمنا لشخص آخر وهكذا حتى نصل؛ ومنا من يبقى بدولة ليبيا وآخرون يهاجرون إلى إيطاليا، موضحًا أن من خاض الرحلة لا يكررها مرة ثانية لأنها الطريق إلى الموت، وبالفعل زوجتى رفضت عودتى وطلبت من البقاء بالمنيا، وأن أبحث عن أى عمل لكن الهجرة غير الشرعيه مرفوضة.
أحد الرافضين للهجرة غير الشرعية
تجمع بعض الأهالى للحديث عن الهجرة غير الشرعية
أحد الرافضين للهجرة غير الشرعية