أدب الجاسوسية يكاد يكون اختفى، فلا يهتم به أحد من الروائيين الشباب، لكن ظهور "رواية الجاسوس 388" للكاتب والإعلامى عبد الله يسرى قد تكون بداية العودة لهذا الأدب، الراوية تدور حول قصة حقيقية وقعت فى مصر فى فترة الستينيات، بطلها جاسوس يهودى ألمانى الجنسية دخل مصر وظل يتجسس عليها لصالح إسرائيل لمدة خمس سنوات إلى أن قبض عليه هو وزوجته.
فلماذا اختار يسرى هذا اللون بالتحديد كروائى، وما تقديره لاستقبال القراء لأدب الجاسوسية فى الوقت الحاضر، وهل قرر عبد الله يسرى أن يسير على درب الجاسوسية فى أعماله الأدبية القادمة، هذه الأسئلة وغيرها يجيب عنها الأديب فى الحوار التالى..
لماذا أدب الجاسوسية الآن، ألا تعتقد أن هذا النوع من الأدب صار كلاسيكياً؟
اختفاؤه هو أحد الأسباب التى جعلتنى أتجه إلى هذا النوع من الكتابة، رغم صعوباته والجهد المضاعف الذى يحتاجه، فأغلب روايات اليوم تتحدث عن المهمشين أو عن البوح النفسى والعاطفى للرجل أو المرأة، أو عن الفضح السياسى والاجتماعى، وبقيت ساحة هذا النوع من الأدب خاوية منذ رحيل صالح مرسى رائد أدب الجاسوسية فى مصر، ولكن عالمياً هناك أعمال ومؤلفات كثيرة ربما أقدمها "فن الحرب" للمفكر الصينى العظيم سون تسى.
وكيف ترى مستقبل هذه النوعية من الأدب فى العالم؟
هذا النوع من الأدب مقروء جداً فى أمريكا والغرب لما يكتنفه من الغموض والأسرار، وأغلبه يتم تحويله مباشرة إلى السينما، لأن الصورة تغلب عليه حتى أثناء الكتابة وكذلك التشويق والإثارة، بسبب إيقاع الكاتب ونقلاته السريعة بين الأماكن. مع ذلك هناك صعوبات من شأنها أن تقلل الإنتاج فى هذه المساحة، منها أن العمل يجب أن يعتمد على أحداث حقيقية ولن تتوفر لك الكتابة عنها إلا بعد مرور من 35 إلى 50 سنة على الأقل، كما يصرح بذلك قانون المعلومات، وهو بالمناسبة يختلف من دولة لأخرى.
لماذا أدب الجاسوسية مهم برأيك؟
أولاً، المتعة والتشويق التى يحصل عليها القارئ، ثم حق هذا القارئ فى معرفة أحداث كانت خافية عنه. وبالنسبة لمصر فهناك أهمية مضاعفة تتعلق بالأجيال القادمة التى ضعف الانتماء الوطنى لديها، ووجود إسرائيل التى لا تريدنا أن نهنأ بمشروعات الاستثمار ولا بالرواج السياحى ولا بالهدوء. ومن هنا لابد أن تأتى هذه الأعمال كأحد الآليات التى تؤكد على قوة وقدرة أجهزتنا الأمنية، وأنها تغلق عينها باتساع حتى تحين اللحظة.
لكن فترة الخمسينيات والستينيات شهدت صوراً متنوعة للجاسوس، ما الذى تبقى منها الآن؟
لكل زمن ومكان جواسيسه، فالتجسس وظيفة دائمة ولابد لأحد ما أن يقوم بها، صحيح أن فترة الخمسينيات والستينيات كانت فترة خصبة لعمل الجواسيس، وذلك أثناء ما عرف بالحرب الباردة بين المعسكرين الشرقى والغربى، حيث كانت منطقة الشرق الأوسط مسرحاً بعيداً عن المعسكرين لكثير من عملياتهما، بالإضافة إلى أن هذه الفترة شهدت مرحلة المد الثورى وحركات التحرر على مستوى المنطقة العربية، وكان الموساد الإسرائيلى فى اشتباك دائم وواسع مع كل من حوله لحماية إسرائيل فى ذلك الوقت التى كان شعار "حنرميها فى البحر" يدوى بقوة.
لكن جواسيس الفترة الحالية سنقرأ عنهم ربما بعد عشرين أو ثلاثين سنة، بالإضافة إلى أن نسبة الجواسيس التى تقع وتنكشف عادة 7% أو 8% فقط من الباقى الذى ينهى عمله بنجاح وأمان.
إلى أى مدى ساهمت الحرب الباردة فى ظهور الجواسيس؟
الحرب دائماً قائمة بين الجبهات، وإذا توقفت بدأ نوع آخر من الحرب أشد ضراوة وأثراً، وهذا ما حدث أثناء الحرب الباردة التى تم تجنيد حتى الفنانين والموسيقيين والرسامين فيها.
ما هى الأشكال الجديدة للجاسوسية فى ظل التطور التكنولوجى الحالى؟
العمل الاستخباراتى يستهدف المعلومات والأرقام والإحصائيات التى تخدم الدولة التى يعمل معها الجاسوس، وبالرغم من تعدد وسائل الاتصال ومصادر جمع المعلومات والتطور التكنولوجى واستخدام الأقمار الصناعية المتخصصة، والتى يمكن أن تصور من كافة الزوايا هذا البرج الجميل فى حى المهندسين الذى هو مقر اليوم السابع، إلا أن العنصر البشرى سيظل هو العنصر الفاعل والمؤثر فى عملية التخابر، فالإنسان هو العقل والفكر والتقدير والتحليل.
هل تعنى أن التكنولوجيا لم تقلل من أهمية الجاسوس الآدمى؟
الاعتماد مازال على الإنسان فى كل أجهزة المخابرات، فهو القادر وحده على معرفة مثلاً عدد الدبابات التى تعمل من التى لا تعمل، وكذلك مستوى تدريب الأفراد وروحهم المعنوية وقدرات قادتهم العسكريين، بينما القمر الصناعى لا يدلك على شىء من هذا هو فقط يرصد التحركات، لذلك فالإنسان هو العنصر الفاعل والمحقق للهدف فى هذه العملية، وأقصد هنا الجاسوس الاستراتيجى أما باقى أنواع الجواسيس، والتى تقع بسهولة، فهى من أجل الإزعاج وتحويل الانتباه واستهلاك الوقت.
روايتك "الجاسوس388" هل تحكى قصة حقيقة تاريخية، أم أنها عمل أدبى؟
هى رواية لها شخوصها وأماكنها وزمانها وأحداثها التى تتشابك أحيانا وتنفرج أحيانا .. هناك عدد من النقاد قابلها باستفهام كبير، بعضهم قال لى هى سيناريو فيلم وليس رواية من شدة وصف الصورة والتوقيت وأداء الحركة لشخصياتها، والبعض قال هى كتاب توثيقى لما فيها من كم من المعلومات والشروح ونبش للماضى بالوثائق .. أحترم جميع الآراء لكنها وقعت أسيرة للشكل النمطى والتقليدى للرواية الحالية، كما أن شكل ومعالجة الرواية الجاسوسية بقى غائباً عن الأذهان مدة طويلة.
وما هى مساحات الخيال الموجودة بالرواية؟
على أن أسألك أنتِ، هل وجدت فى موقع ما أثناء قراءتك لهذه الرواية رغبة أو إحساساً بأن هذه المنطقة خيال وتلك المنطقة واقع، الإجابة لا طبقاً لمن سألتهم من قبل، وأنا أعتبر ذلك علامة على نجاحها.
ما هى الصعوبات التى واجهتها، وأنت تبحث عن القصة؟
لقد استخدمت آليات الإعلامى المحترف فى البحث والجمع والتحليل والاستنباط والتدقيق، وكان التوفيق من الله أولاً وأخيراً.
ماذا يمثل لك الكاتب صالح مرسى؟
رائد لهذا النوع من الكتابة، وهو صاحب الروائع "الهجان والحفار" وغيرها وهو يمثل مرشداً روحياً ورمزاً أدبياً وشجرة أتفىء بظلالها وبيدر قمح وبستاناً كبيراً.
هل تنوى الاستمرار فى هذا النوع من الأدب؟
بالتأكيد، فأنا أزعم أن لدى مشروعا خاصا فى هذا المجال، وأرجو الله أن يمتد بى العمر حتى أحققه لذاتى ولوطنى، عدوى الأول هو الوقت فعملى كإعلامى يستغرق كل وقتى حتى أنى كنت أسرق الوقت حتى أكتب، لذلك استغرقت ثلاث سنوات فى روايتى "الجاسوس 388".
ما هى مشاريعك الحالية؟
تتجاذبنى الرغبة فى عمل رومانسى شديد الإنسانية، وهى رواية وقعت أسيراً لها منذ سنة تقريباً، لا أدرى ربما تخرج للنور مع أو قبل رواية الجاسوسية القادمة