يخجل الاميركان في الحديث عن ديمقراطيتهم في افغانستان والعراق ، تحت حراب الاحتلال العسكري البغيض ، ويزدادون غباء عندما يكون الحديث على مستوى المهووس بوش ، الذي ضرب نموذجا في الغباء السياسي ، على صعيد كل الرؤساء الذين حكموا اميركا ، ورؤساء دول العالم ، وبشكل خاص العالم الثالث ، المصاب بداء التخلف الفكري والثقافي والسياسي .
للمعايير الديمقراطية الاميركية خارج اميركا نمط خاص ، فهي لا تقوم الا على اساس التفتيت العرقي والطائفي ، والتخلف السياسي والفكري ، والفساد الاداري والمالي ، كما هو في نموذج كرزاي افغانستان ، وكرزايات العراق ، هذا العراق الذي ضرب اروع الامثلة في الفساد الاداري والمالي ، وفاز بامتياز بان العراق اكثر دول العالم فشلا وفسادا .
المعايير الديمقراطية في داخل اميركا على النقيض من ممارساتهم البربرية العدوانية خارج حدود الولايات المتحدة ، مما يجعلهم يتناقضون مع انفسهم ، ويجعل العالم يشكك في الثقافة الامريكية، التي تطبق الديمقراطية في الداخل ، وتمارس الديكتاتورية والعدوان في الخارج ، فكيف تنسجم هذه الثقافات المتناقضة ، ما بين ما يقره الانسان لنفسه ، وما يتعامل فيه مع الاخرين ، وبشكل خاص الذين هم خارج حدود الدولة ؟ .
هل ان للتربية الاولى التي نشأ ت عليها اميركا وراء هذا التناقض ؟ ، والتي قامت على استئصال الاخر ، كما فعلت مع الهنود الحمر ، واستعبدت الانسان المشارك لها في الوطن ، كما يتم مع الاميركان السود ، ام ان الديمقراطية الامريكية كذب واوهام ، لانها تنبع من الفلسفة البراجماتية، التي تنظر للامور من زاوية المنفعة فقط ، والرأسمالية المتوحشة ، التي تؤمن باستغلال الانسان لاخيه الانسان ، من اجل الكسب والربح المادي .
يظن الاميركان ان العالم مازال مغيبا عما يجري على الساحة الدولية ، ولهذا يسهل خداعه بمقولاتهم الكاذبة ، وممارساتهم اللااخلاقية ، في حق البشرية ، وطعنا في الانجازات الانسانية، التي ناضلت للخلاص من هيمنة الاستعمار العالمي ، حتى تجعل العالم نظيفا منه ، في نهاية القرن العشرين ، فجاءوا هم مع مطلع الالفية الثالثة ، ليضيفوا للاستعمار الصهيوني الوحيد في العالم، احتلالات اعادت عجلة التقدم الانساني الى الخلف عشرات السنين .
النموذج الامريكي اكبر خطر على العالم ، وعلى الانسانية جمعاء ان تناضل من اجل استئصاله من الجذور ، بكل منابعه سواء اكان في تربية استئصال الاخر او استعباد الشريك ، او في النظر الى الامور من منظار النفعية والمصلحة ، او في الاستغلال والجشع واستعباد الانسان من خلال الرأسمالية المتوحشة ، او في تطلع الشركات المتعدية الجنسية العابرة للحدود في مفهوم العولمة، التي تعمل على تكنيس كل ما يعترض طريقها للجشع والاستغلال .
العالم بامس الحاجة الى العالمية ، التي تؤمن بمشاركة جميع امم الارض وشعوبها في الانجازات الحضارية العالمية ، وعدم الاعتداء على الاخرين ، وترك خيارات الشعوب داخل حدودها واوطانها لشعوبها ، بعيدا عن لغة التهديد وسياسات الوعيد وممارسات القتل والتدمير ، لان الدبابة والمدفع والصاروخ ، لاتبني اوطانا ولا تقيم السلم العالمي المنشود ، كما ان العملاء والجواسيس والخونة لاوطانهم ، لا يمكن ان يمثلوا الشعوب وخياراتها ، في الحرية والديمقراطية ، وتطبيق معايير حقوق الانسان ، وهذه القمامات البشرية لا تبني اسوار الاوطان ، ولا تحمي الحقوق ، وتحافظ على المكتسبات والمنجزات ، التي حققها الانسان بجهده وعرقه .
في العراق وافغانستان اسوأ نموذجين بنتهما الامبريالية الامريكية ، وتريد من شعوب الارض ان تتمثل فيهما ، كنموذج للديمقراطية المزعوم ، مما يثير الضحك والبكاء في الوقت نفسه ، على ما وصلت اليه البشرية ، في تفكير القوة العظمى فيها ، والتي يناط فيها قيادة العالم .
اميركا باتت لا تخجل حتى من نفسها ، وهي تمارس الكذب والخداع حتى على نفسها ، او لانها وصلت الى الحضيض والتدني الاخلاقي ، وهي في اوج عظمتها العسكرية ، فهل هي مؤشرات السقوط المبكر والمريع ، لنموذج اراد ان يكون متناقضا مع نفسه ، ويتوهم ان على الاخرين ان ينصاعوا لهلوساته ، وان يتخبطوا في تفكيرهم ، كما هو مضروب في عقله ؟ .
ربما العالم بات ينتظر لحظة السقوط الامريكي ليرقص طربا ، ولكن كثيرين في هذه الدنيا لا يعرفون ، ان سقوط هذا النموذج لم ولن يكون الا بمقاومته بكل الوسائل ، وفي مقدمتها الوسائل المسلحة ، وهو ما تقدمه المقاومة العراقية الباسلة ، التي سيكون لها الفضل في خلاص العالم من الخطر الذي داهمه ، في مطلع الالفية الثالثة ، في نوع جديد من الاستعمار والهيمنة البغيضة ، في الوقت الذي كان يتطلع فيه ، لتصفية آخر معاقل هذا الاستعمار في فلسطين المحتلة .
الم يكن جدير بالاحترام والتقدير من هذا العالم ، ان الذين يقاومون هذا العدوان البربري الامبريالي الصهيوني ، هم العرب وحدهم في فلسطين والعراق ، وليس هناك من امة غير امة العرب من يقف في خندق هذه المقاومة ، وانهم يستحقون عن جدارة انهم خير امة اخرجت للناس ، رغم كل مظاهر الضعف والانحلال ، التي يعاني منها النظام العربي السياسي الرسمي .