ما زالت احداث مدينة ام درمان السودانية عصية علي الفهم، فالسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو كيف وصلت قوات المهاجمين، واقدمت علي اجتياح حرمة هذه المدينة السودانية الملاصقة للعاصمة دون علم قوات الامن السودانية التي من المفترض ان تكون في حال تأهب قصوي؟
صحيح ان قوات الجيش السوداني نجحت في صد الهجوم، وقتلت اعدادا كبيرة من المتمردين من انصار حركة العدل والمساواة الدرافورية، وهي الآن مستمرة في مطاردة من هرب منهم، ولكن اين كانت هذه القوات عندما انطلق هؤلاء من مواقعهم علي بعد مئات الاميال من العاصمة؟
لا شك ان هذا الاعتداء هو انتهاك صارخ لأمن السودان وتصعيد متعمد للحرب ضد حكومة الانقاذ، ومحاولة لنقل الفتنة الي داخل العاصمة السودانية لاحراج الحكومة، ولا بد من وجود أيادٍ خفية تدعمه، فمن غير المنطقي ان يستطيع هؤلاء المتمردون علي الشرعية الوصول الي العاصمة دون مساعدة اطراف داخلية علاوة علي الاطراف الخارجية.
الحكومة السودانية قطعت علاقاتها مع تشاد، واغلقت سفارتها في الخرطوم، مما يوحي ان هناك دلائل لديها علي تورط الحكومة التشادية في دعم هذا الهجوم وتوفير وسائل الدعم العسكري واللوجستي للمتورطين فيه.
ولعل الحكومة التشادية ارادت الانتقام من دعم الحكومة السودانية لقوات المعارضة التشادية التي نجحت في الوصول الي العاصمة قبل اشهر معدودة وحاصرت الرئيس التشادي في قصره، ولولا مساعدة فرنسا وقواتها لتمكنت هذه القوات من الاستيلاء علي الحكم.
اللوم كل اللوم لا يقع علي تشاد وانما علي الحكومة السودانية واجهزتها الامنية، وقادة جيشها، فهؤلاء يتحملون المسؤولية عن هذا الاختراق المخجل للسيادة السودانية، وفي هذا الظرف الحرج. فالسودان في حال حرب منذ سنوات، ومن المفترض ان تكون قواته المسلحة في حال طوارئ علي مدار الساعة للتصدي لاي هجوم، ولكن الحال لم يكن كذلك مثلما رأينا في احداث الايام الخمسة الاخيرة. اعتقال الدكتور حسن الترابي الزعيم السوداني المعارض واحتجازه لست ساعات للتحقيق معه حول هذا الاختراق المؤسف يعتبران محاولة لتصدير الازمة الي طرف داخلي، وابعاد اللوم عن الحكومة واجهزتها الامنية والعسكرية، ومما يعتبر امرا غير مقبول علاوة علي كونه غير مقنع.
من يستحق المثول امام التحقيق والقضاء العسكري هم القادة الامنيون والعسكريون الذين ارتكبوا اسوأ انواع التقصير والاهمال، وخانوا شرفهم العسكري عندما لم يسهروا بالشكل المطلوب علي امن الوطن والمواطن، ويحموا التراب الوطني من مثل هذه الاعتداءات.الحكومة السودانية مطالبة بتوضيح الحقائق كاملة حول هذا الاختراق الخطير للشعب السوداني، ومعاتبة كل المسؤولين عنه، في المجالات كافة السياسية والعسكرية والامنية، لان من حق الشعب ان يعرف ما حدث، وان يطمئن ان مثل هذه الاهانة لكرامته الوطنية لن تتكرر مرة اخري.