تستعد الأمة العربية لإحياء ذكري احتلال فلسطين المباركة أو كما ما تسمي النكبة، وفي الحقيقة هي الفاجعة والطامة الكبري التي ألمت بالأمة العربية والإسلامية، لتصيبها في أطهر وأقدس بقعة في العالم العربي والإسلامي. ستون عاما وبيت المقدس أولي القبلتين وثالث الحرمين، الذي صلي باتجاهه يوما المسلمون في أيام الرسول صلي الله عليه وسلم، تحت سيطرة الصهاينة المغتصبين، الذين احتلوا فلسطين، بعد أن فرط العرب في واجب الدفاع عن القدس الشريف واسترجاعه من المغتصبين، الذين لم يسلم من جرائمهم لا الشيوخ الركع ولا الأطفال الرضع. كما هجروا بعضا من أهل فلسطين وشردوهم بين الدول العربية، ليبدؤوا بذلك حياة الشتات والشقاء التي لا تزال مستمرة إلي اليوم. كما لا يخفي علي أحد أن فلسطين العرب والإسلام، أهديت للصهاينة من قبل العالم الغربي المتحضر، تنفيذا للوعد الذي قطعه وزير خارجية بريطانيا آرثر بلفور لليهود بإيجاد وطن قومي لهم في فلسطين سنة 1917. فرغم تدخل بعض الدول العربية عسكريا في محاولة لإنقاذ فلسطين وتحريرها من قبضة الصهاينة، إلا أنهم فشلوا واندحروا، ليتركوا الفلسطينيين يكابدون ويلات الاحتلال لوحدهم، ليستكمل بعد ذلك الصهاينة اغتصابهم لكامل الأراضي الفلسطينية سنة 1967، ويضموا مدينة القدس التي تحوي أقدس مكان علي وجه الأرض بعد الحرمين الشريفين.
لا شك أن الفلسطينيين لم يألوا جهدا في الدفاع عن أرضهم وعن حياضهم، فقد جعلوا دماءهم رخيصة فداء لوطنهم ومقدساتهم. بدأت المقاومة الفلسطينية للوجود الصهيوني فعليا سنة 1929، حينما حاول اليهود اقتحام المسجد الأقصي وإقامة احتفالات عند حائط البراق، وهو ما يفسر أن الشعب الفلسطيني تفطن مبكرا للمخططات الصهيونية الرامية إلي احتلال أرضه المقدسة. ولعل أشهر تلك الثورات علي الإطلاق، كانت ثورة 1935 بقيادة عز الدين القسام، ذلك العالم الورع الذي استطاع بحكمته وعلمه أن يجمع حوله لفيفا من الأبطال والمخلصين ليشعل فتيل ثورة، كانت الأصل لكل الثورات والمقاومات التي انفجرت فيما بعد.
يصعب القول، أن القضية الفلسطينية كانت ضحية شيئين اثنين: المؤامرات الخارجية والخيانة العربية. فأما المؤامرات الخارجية فأمر معروف ولا يخفي علي أحد، فإسرائيل وجدت بدعم من حلفائها الغربيين، الذين لا يزالون يدعمون وجود كيانها الغريب في جغرافية الدول العربية إلي يومنا هذا، وهم مستعدون لحمايتها بكل الوسائل بما في ذلك العسكرية، إن هي تعرضت لأي خطر يتهددها. ولا أظن أن هناك خطرا خارجيا عربيا أو إسلاميا يتهدد كيان إسرائيل في الوقت الراهن، لأن جميع الدول العربية بدون استثناء تعاني الضعف والتخلف في جميع مناحي الحياة، والأنظمة الحاكمة فيها، أصبحت أكثر من ذي قبل خاضعة لإملاءات القوي الكبري وللوالي الأمريكي بالخصوص.
إن الخيانة العربية للقضية الفلسطينية، بدأت منذ أن دخلت الجيوش العربية أرض فلسطين سنة 1948 بغرض تحريرها من المغتصب الصهيوني، والتي كانت قاب قوسين أو أدني من تحقيق النصر علي الجيش الإسرائيلي المدعوم من قبل الدول الغربية الكبري، لولا الأخطاء القاتلة التي ارتكبتها القيادات العربية، فيما يخص عدم وجود خطة عسكرية واضحة المعالم لمواجهة العدو الصهيوني المدعوم من قبل بريطانيا وحلفاءها، وكذلك التسليح الهزيل للجيوش العربية التي لا يجدي نفعا في مثل هذه الحروب. كما أن قبول بعض القيادات العربية بالهدنة التي أقرتها الأمم المتحدة كانت الضربة القاصمة التي عصفت بالقضية الفلسطينية، لتدخلها في سلسلة التنازلات العربية المتتالية والمتاجرة بها في المحافل الدولية علي حساب الدماء الفلسطينية التي أصبحت تراق يوميا، دون أن تحرك شيئا من مشاعر الحكام العرب الذين أصبحوا مختلفي الأهواء متفرقي الكلمة، أشداء علي شعوبهم، ضعفاء أمام أعداء الأمة العربية، لا يعصون للوالي الأمريكي وحلفاءه أمرا. فما من يوم يمر إلا ونسمع أو نري مزيدا من التنازلات عن القضايا العربية والقضية الفلسطينية بالخصوص لأنها أم القضايا، ولأنها كذلك قضية مرتبطة بالقوي الكبري المساندة لإسرائيل في حربها علي الشعب الفلسطيني، والتي يحرص حكامنا العرب علي كسب ودها وعدم إغضابها، ولو أدي ذلك كما هو حاصل اليوم إلي الاشتراك مع إسرائيل في حربها علي وحصارها الظالم علي الشعب الفلسطيني، الذي أصبح يحرق في اليوم ألف مرة، علي مرأي ومسمع العالم كله.
إنه واقعنا العربي المرير الذي أوصلتنا إليه هذه العصبة الحاكمة، التي لم يشهد التاريخ العربي مثيلا لها في ضعفها وخنوعها أمام أعداءها، وفي تفريطها في قضايانا المصيرية والمتاجرة بها مع الأعداء بغية الحفاظ علي كرسي التسلط علي الشعوب العربية، التي لم تعد تملك من أمرها شيئا غير الأمل وانتظار التغيير الذي ربما ستحدثه الأجيال القادمة، المعول عليها في استعادة كرامتنا، وإرجاع أرض فلسطين المباركة إلي أحضان الأمة العربية والإسلامية.