( كيف يتعلم العربى محاربة الاسعلر )
أولاً : تعلّم الادخار ، فالأيدي يجب أن لا تكون فرطة، فالتبذير سفاهة ما بعدها سفاهة، والمثل يقول : خبّىء قرشك الأبيض ليومك الأسود ..وقد تدهمنا أيام أكثر سوادا من هذه الأيّام !
ثانيا _ قلّة الاستهلاك ، تعني أجسادا رشيقة، فالتخمة ، والبطر، تسببان الأمراض، من السكّري إلى الكوليسترول، وغيرهما من الأمراض التي تفاقمها قلّة الحركة، والخمول، والجلوس لساعات طويلة في متابعة التلفزيون ...
ثالثا: وهذا البند تابع لثانيا، فإن الجلوس أمام التلفزيون يفوّر الدم ، فأنت لا ترى وتسمع سوى : أغارت طائرات الآباتشي على مخيم جباليا فقتلت وجرحت عددا من الفلسطينيين. لقي عدد من الأطفال حتفهم بينما كانوا يلعبون قرب شاطئ البحر. في العراق : عشرات القتلى والجرحى من ( الصدريين ) ، والملكي يتوعّد، ويؤكّد على أنه ليس طائفيّا بدليل أنه يأمر بقتل عراقيين في المثلّث السنّي، والمربّع الشيعي، والمكعّب العلماني !
رابعا : رفع الأسعار يعلّم التقنين، فالأسرة التي كانت تطبخ يوميّا، ستتعوّد على الطبخ كل يومين مرّة . ومن يأكل رغيفين في الوجبة يأكل رغيفا، وهذا مفيد للصحّة ...
من مفاخر( دولنا) أن المواطن يستشهد من أجل رغيف الخبز، بعد أن تمّ بيع الوطن!
خامسا : المشي ، فالمواطن لا بدّ أن يمشي، وبلاش قعدة قدّام التلفزيون، أو النوم والكسل والتبلّد . رفع الأسعار يسهم كسياسة وطنيّة في ترشيق المواطنين ، وعندما يظهرون بمظهر رياضي متناسق، فإنهم يكونون مناسبين للهجرة، فأوربة لا تحّب الأوزان الزائدة . الرشاقة يا حلوين تجذب الجنس اللطيف ..الخ!
سادسا : رفع الأسعار يدفع المواطن للبحث عن السلع الأرخص، وهذا سيعرّفه بأحياء مدينته، ويطلعه على جمالها، فهو سيكتشف أن هناك ناطحات، وأن الفلل الساحرة موجودة، وهو سيبهج نظره بتلك الأحياء التي كان يسمع بها، ولا يملكك الوقت ليراها، مّما يعمّق العلاقة بين الطبقات،فلا حسد وإنما إعجاب بالمنجزات الوطنيّة.
سابعا:المواطن سينتقل من حالة إلى حالة ، فالفضول سيشعل رغبته في معرفة كّل شئ، وهذا ما سيؤجج حماسته للادخار ، وقرش على قرش ، قد يمكنه بعد سنوات من امتلاك فيلا أنيقة ، وكلاب تعوي بلغة إنكليزيّة، أو أمريكيّة، او فرنسيّة ، ناهيك عن الأشجار الغريبة المستوردة التي تزيّن مداخل تلك ( القصور)، والتي لا تشبه أشجار الزيتون والزيتون، وهذا ما يجعل المواطن يشعر كأنه في بلد أوربي، مع إننا تقريبا في مدينة واحدة اسما، مع ملاحظة، اللهم لا حسد،أن أولئك القوم مبذرون ، والدليل كميّات الأطعمة التي يلقون بها لتبتلعها أجواف سيارات النظافة.
لقد رأيت بأم عيني بعض العمّال يستخرجون البقايا اللذيذة، ويصرّونها بحرص لتفريح أسرهم بما لّذ وطاب! ...
مش عيب ولا عار، فأهلنا في الأندلس اخترعوا أكلة البقايا، التي صارت بعد طردهم مشهورة بالإسبانية باسم: البيايا !
ثامنا:إنه _ هذا جواب واحد أعرفه جيّدا _ لمن المشرّف حقّا أن ترتفع الأسعار في ( دولنا )_ لاحظوا أنهم لا يقولون بلادنا_ بل دولنا ..بحيث تضاهي الأسعار في لندن، وباريس، بل وتوشك أن تنافس الأسعار في أغلى مدينة عالميّة : طوكيو ..هذا رغم أننا لا نصنع سيّارات، وتكنولوجيا ، وما عدنا نزرع قمحا، وشعيرا، وذرة ً، و..مع ذلك فنحن لسنا أقّل منهم ، وها نحن ننافسهم ، فنحن نستورد البندورة، والطحين ، والزيوت ، وعلب الفول المدمّس، والسردين المفلفل، والشامبو، ومعجون الأسنان، ودواء الكحّة،والعلكة لزوم الاجترار. لماذا نشغل أنفسنا بالصناعة ووجع الرأس بها، ما دمنا نستطيع شراءها ونحن في بيوتنا . ألا يبدو اليبانيون ، والألمان صنّاع المارسيدس،خدما لنا ؟ هم يصنعون ، ونحن نستهلكون، ودولنا تجمركون، والسماسرة يربحون بدون عرق الجبين !
تنويه : بعد موجات الغلاء المتلاحقة التي ضربت ( المنطقة) ، تضاعف عدد ( الوعّاظ) الذين يقدمون النصح للدهماء، وهذا بعض ما يرددونه: المال وسخ أذنين، أين ذهب مال أوناسيس، وابنته التي فقدت عقلها وتركت الثروات وراءها ؟
أحدهم يحكي للجمهور الذي دفع كل واحد منه مبلغا معتبرا ليسمع وعظه : واحد ثري كان يملك ستمائة مليون جنيه مصري . وقع له حادث سير، فمرته ماتت ، وهو انشّل_ تلخيص فيلم لحسن الإمام_ وما بقي له من يعتني به سوى سائقه . في ليلة من الليالي صحي وكان عاوز يهرش ضهره ، فما قدرش. بكى، وتمنى لو يخسر أمواله كلها، بس يقدر يهرش ضهره ؟ شايفين ..اتعظوا ! عباد الله : احمدوا الله أنكم تهرشون ظهوركم ليلاً نهار، يعني 24 ساعة ، ولا أحد يمنعكم . الهرش نعمة يا ناس ...
ويقول لا فضّ فيه : أنا مش مع حرق الأعلام، والتظاهر!..فهل هناك أعلام تحرق غير أعلام الكيان الصهيوني، وأمريكا بوش ؟ و..يتبع نصائحه : أطيعوا أولي الأمر منك !
ويقول المواطن العربي: أتذكّر مسرحيّة الطيّب الصديقي الرائعة : مقامات بديع الزمان الهمذاني، والطيب الممثل العبقري ، ينصح عباد الله محتالا عليهم : عباد الله أوصيكم بالفقر والإيمان !
الحمد لله أن لنا أيدي تهرش ظهورنا ، أيدي نصفّق بها لقرارات رفع الأسعار، بمسؤوليّة وطنيّة.
صحيح أن العامل الأوربي يحصل على راتب لا يقّل عن أربعة آلاف يورو، والأمريكي على اكثر من خمسة آلاف دولار، وهذا ما يجعل الأسعار مرتفعة في تلك البلاد، ولكن نحن نضاهيهم في الأسعار رغم تدنّي أجورنا. هذه العولمة العربيّة التضخميّة تعبّر عن ضخامة الانتماء، وتضخّم العلاقة بين المواطن والدولة ، وتضخّم أرصدة من أيديهم لا تهرش ظهورهم، لا لأنها مشلولة ، ولكن لأنها تشلّنا نحن الغرباء في أوطاننا !
هل أثر رفع الأسعار على حياتي ؟
إذاعة لندن فعلاً خفيفة دم _ كانت زمان متجهمة ، ولكن بما أنها تبث بالعربي، ومعدّو برامجها عرب، وعربيّات _ فقد صارت خفيفة دم ، وبنت نكتة.
هل أثّر ارتفاع الأسعار على حياتي أنا المواطن العربي ؟ أنا الذي كلّما ارتفع سعر البندورة رخص سعري! والبقية تاتى
احمد شعلان