السلام عليكم ورحمة الله وبركاته , و أدعو الله تعالى أن يوفقّكم لما فيه خير البلاد و العباد , لقد تعلمّنا منكم جيل الثورة الجزائرية المقدسة و التي هي مرجعنا وقدوتنا وشعورنا ولا شعورنا و يقظتنا ونومنا , الشجاعة و الإقدام و الجرأة في قول الحق وتكريسه .
و لأنّ هذه الثورة الجزائرية علمتنا أن نكون رجالا و أحرارا في فكرنا وعقولنا , فقد قررت أنا المواطن الجزائري يحي أبوزكريا من جيل الإستقلال أن أترشحّ للإنتخابات الرئاسية المقبلة 09 أبريل – نيسان 2009 منافسا لفخامتكم .
و هذا الترشّح لن ينقص من تقديري لكم كأحد صانعي الثورة الجزائرية و بناة الدولة الجزائرية الحديثة .
صحيح أنّني لم أعايش الثورة الجزائرية و أحداثها الكبرى , وذلك بسبب القدر الرباني الذي شاء أن أكون من مواليد 1964 في باب الوادي في الجزائر العاصمة , لكن ويشهد الله كل خلية في جسمي , و كل كرياتي البيضاء والحمراء , وكل جزء في قلبي , و كل شاردة وواردة في ذاكرتي و طفولتي هي من وحي ثورة التحرير المقدسة , و التي كان والدي السيد علي رحمه الله تعالى أحد أبرز المساهمين فيها , وحتى لما عرضت عليه وزارة المجاهدين سيارة و بعض الإمتيازات , إخشوشن رحمه الله و ردّ كل شيئ قائلا :
لقد جاهدت من أجل الله و الجزائر , وهيهات أن أفرطّ في هذا الجهاد الذي أدخرّه عند الله رب العالمين , و هذا المجاهد الفاضل والدي العزيز و الذي كان قدري أن أغسلّه و أكفنّه وأصلي عليه في مقبرة القطّار في أعالي باب الوادي هو الذي علمّني أن ثورة الجزائر عملاقة وعظيمة و لطالما كان يصطحبني رحمه الله تعالى إلى جبال بوزقزة و مشدالة و جرجرة و ر ويسو - محاور مشهورة وقواعد متقدمة للثورة الجزائرية المباركة - , و والله لقد عرفّني على بيت سي الحواس و العقيد عميروش و غيرهم من القامات والرجال العظماء الذين أنا و أولادي مدين لهم مدى الحياة . فأسأل الله تعالى أن أصون عهدهم و أمانتهم , وأن أؤرخّ لبطولاتهم , و سأعلمّ - و هذا ما أفعله الآن – أولادي بأنّ هذه الجزائر ليست جغرافيا ترابية ولا موقعا ضمن خارطة محددّة الأبعاد والجهات , إنّها التاريخ و الثورات و الإنتفاضات وفتح الأندلس و صون الموروث العربي والإسلامي , وليس من السهل أن تروى قصّة الجزائر , فقصّة الجزائر ليست شكلا ومضمونا روائيا وسرديا , إنّها قصة الروح و النبل والعشق في أرقى صوره .
فخامة الرئيس ورغم هذا الإمتداد ودور والدي في الجهاد من أجل طرد المستعمر الفرنسي البغيض , ورغم كل هذا الحبّ العملاق الذي أكنّه لشعبي ووطني الجزائر , فقد وجدت نفسي خارج الجزائر وأتحدى أي جهة من جهاتكم أن تثبت عليّ تهمة جنائية أو غيرها .
وحتى على صعيد الإنتماء السياسي فقد كنت مستقلا على قاعدة ما قاله الشاعر العربي :
حرّ ومذهب كل حرّ مذهبي , وبالمقابل لا يمكنني أن أسكت عن ظلم أو جريرة حتى لو كان الثمن موتي , فما أرخص الموت عندما يتصادم مع القيم العليا التي غرسها في روحنا وشخصيتنا رجال كعبد الحميد بن باديس القائل :
والله لو طلبت مني فرنسا أن أقول لا إله إلاّ الله لما قلتها .
و قد إعترضت شخصيا وفكريا و إعلاميّا على إلغاء المسار الإنتخابي -1992- و إعتبرته سببا لإنتاج الفتنة العمياء وهذا ليس بجريرة , فأنت شخصيا إعتبرت الأمر كذلك وقلت في إحدى خطبك بأنّ وقف المسار الإنتخابي كان عنفا وهو الذي أنتج العنف الأعمى في الجزائر .
و قد قاومت الفساد فكريا و إعلاميا , وأنت حولت أن تقاومه أيضا , و الجزائريون يحفظون جملة الشهيرة التي أطلقتها , والتي قلت فيها :
أنّ مجموعة من المافيا من أصحاب النفوذ تستحوذ على مقدرّات الجزائر وتعبث بالجزائر و ذكرت عدد أقطاب المافيا ولم تسمهّم , وبناءا عليه لو كانت رؤاي مدعاة للمحاكمة فسوف نكون سوية في قفص الإتهام يا فخامة الرئيس .
ومسألة نظافتي الوطنية لا ولن يرقى إليها الشكّ , فعندما كانت بعض الأجهزة الجزائرية إبّان الفوضى الأمنية و السياسية وسنوات الدم والرصاص تتهمّ بعض الأحرار والمظلومين بالإرهاب لتهيئ الأسباب لإخفائهم أو إعدامهم أو جلبهم من الخارج حيث إمكانية اللجوء السياسي المصان بإتفاقية جنيف للاجئين , لم يتمكن أحد تاريخئذ في الجزائر أو خارجها من تلويثي بهذه التهمة .
و أنا كصحفي جزائري حرّ قلت أثناء إنطلاق الفتنة الجزائرية العمياء سنة 1992 :
أنّ المثقف الجزائري الحرّ إذا مال إلى المعارضة قتلته السلطة , وإذا مال إلى السلطة قتلته المعارضة و إذا بقيّ حياديّا قتله الإثنان معا . وقد إخترت المنفى حتى لا أكون شاهدا على قتل الجزائري للجزائري , وحتى لا ينزف كبدي وأنا أرى الجزائريين أبناء العربي بن المهيدي و الحواس وعبان رمضان وعلي بومنجل و على لابوانت وغيرهم من القامات يتقاتلون و دماؤهم مراقة بالمجان في الجبال و الأرصفة و الشوارع .
ومع ذلك نزف كبدي وكليتي في الخارج , ومات ولدي في الخارج دون أن أكون قادرا على تطبيبه . وبعدها حرمتموني من جواز سفري وهو حقي و فيه دم أبي المجاهد , و هو أيضا رمز مواطنتي التي ضمنها لي أبي بدمه وجراحه التي كانت واضحة للعيان يوم غسلتّه غسل الميت , و لتذكيرك يا فخامة الرئيس , عندما كنت أغسلّه كان فخذاه مثقوبين و مجروحين , والسبب أنّ زمرة بيجار الملعون – في عهد الثورة الجزائرية - كانت تشقّ فخذه بالشفرة الحادة و كانت تضع ملحا في موقع الجرح , ولم يجعله ذلك يتراجع عن التضحية من أجل الجزائر ثمّ بربك أليس من العار أن يعيش أبناء المجاهدين في الخارج و كل أصحاب آفة فكرية و عهر ثقافي ولوثة فرانكفونية يكرم ويعززّ في جزائر الشهداء.
وصدقني لا أريد جواز سفر , فهيبة الدولة ليست في ورقة قد تستخدم في المراحيض , لأني أعتقد أنّ هيبة الدولة في صون كرامة المواطنين و العدل بين الناس و توفير المسكن و الملبس و المأكل والثقافة لك مواطن , لأنّ المواطن مالك للثروات الطبيعية وكل ما تحت الأرض وفوقها .
ثمّ بعد ذلك حرمتم أولادي الصغار وعددهم خمسة من جواز سفر وطنهم , فلا أعرف المصالحة التي تتحدث عنها مع من يا ترى ! إذا كان الصغار و الذين لم يبلغوا الحلم محرومين من هذه المصالحة !
و إذا كنت أنا جريئا ولا أخاف في الله لومة لائم , و ربما ترون في ذلك مبررا لإستئصال رقبتي , فما هي جريرة أولادي , وهم دون سن البلوغ ولا يمكن تحميلهم وزر شيئ لا أساس شرع السماء و لا على أساس شرع مصيغي القوانين البشريّة .
و قد حاولت عبر قنوات ديبلوماسية إسترجاع جواز سفري , لأنّ تفريطي فيه هو تفريط في الوطن الذي سقيت أشجاره من دم أبي وكل الشهداء . و للأسف كان العناد سيد الموقف , عناد الأجهزة وبيروقراطيتها .
وقراري بالترشح للرئاسة 2009 ومنافستك نابع من مجموعة أمور منها : التأكيد على قدرة الشباب الجزائري و جيل الإستقلال على إدارة البلاد و إمتلاك رؤى سياسية و إقتصادية وإستراتيجية , وهذا كفيل بإرجاع المبدعين الجزائريين من المنافي و إلى وطنهم الجزائر .
رفع الحيف والظلم عن الجزائريين , ظلم توزيع الثروات الوطنية , هذا التوزيع السيئ الذي جعل الجزائري الأصيل يفضل الموت في عرض البحر على البقاء في وطنه , ظلم التهميش و البروقراطية , ظلم التفاوت الطبقي , و ظلم إغراق المواطن في مشاكل تافهة من قبيل مصادرة جواز السفر و سلوك الممارسات الظالمة , علما أنّ العدل سيد الملك .
و سأبعث لك رؤيتي السياسية و برنامجي الإنتخابي و أرجو أن تقرأه لتجد فيه كل الأسباب الضرورية و الموضوعية و المنطقية لترشحي للإنتخابات الرئاسية التي ستجري في التاسع من أبريل – نيسان 2009 و أرجو أن تقبلني منافسا لك , و أدعوك إلى مناظرة تلفزيونية جزائرية أم عربية لا فرق .
وحتى لا يقال أنّ طبخة الرئاسة محسومة سابقا و اللعبة تمضي بإتجّاه التمكين لكم لولاية ثالثة أرجو أن تحقق التالي و ذلك من باب التأكيد على نزاهة الإنتخابات .
أولا : إعادة جواز سفري إليّ , ليتسنى لي الدخول إلى الجزائر , والإعلان عن ترشحي الرسمي من الداخل الجزائري , لأنني أرفض أن أساوم على الجزائر و الحديث بشكل رسمي عن هذا الأمر في أي عاصمة كانت , وإذا رفضتم منحى جواز سفري , وضمانات على حياتي بأن لا أحد يمسّ حتى ظفر من أظفاري في الجزائر , سيعلن وكيلي القانوني في الجزائر رسميا ترشحي للإنتخابات الرئاسية , خصوصا وأن أوراقي جاهزة من قبيل شهادة الميلاد و الجنسية والسجل العدلي و وثائق تؤّكد الدور الذي لعبه والدي في الثورة الجزائرية المباركة , وستجدون عشرات آلاف التوقيعات من المواطنين الجزائريين روحي فداهم في الداخل والخارج .
فخامة رئيس الدولة الجزائرية عبد العزيز بوتفليقة , بلغني و من مصادر مطلعة جدا عندكم أن ترشحي للرئاسيات شكلّ مفاجأة ودخولا على الخطّ , وما زالت المعنيون يدرسون تبعات ذلك و آليات مواجهته – وأنا هنا مستسلم لإرادة الله و على إمتداد سنوات منافيّ وجوعي في الشوارع و إنتقالي من مكان إلى مكان كنت أتوقع الأسوأ , و كان والدي المجاهد الذي جاهد من أجل تحرير الجزائر ومن أجل أن أنعم أنا وغيري من الجزائريين بهذه الحرية , يقول لي :
يا ولدي يا يحي , كنّا نحتقر الموت , وكنّا نستصغره , وكنّا نرعبه , وكان ذلك سببا لإنتصارنا , وقد إنتصرنا , و قد رباني والدي على هذه العقيدة .
و حتى أزيل أي شبهة و أميط اللثام عن كل شيئ , قلت لم طلب إستفسارات عن ترشحّي للرئاسيات , أنّ هذا حق دستوري وقانوني لي , وأنا لا أعتمد على عاصمة إقليمية أو دولية , ولا أنوي أن آتي في دبابات غربية , وتعرفون موقفي من الغرب وحركاته الإستعمارية الماضية و الراهنة , هذا الغرب الظالم سارق خيرات الشعوب و مبيد كرامتها و مدكدك إراداتها و منصبّ على رؤوس الشعوب العربية و الإسلامية الأبية من يسوسها ويحكمها .
و أنا أحترم مقام الرئاسة , والمؤسسات التنفيذية و القضائية و التشريعية , وأحترم الجيش الجزائري سليل جيش التحرير الوطني , لكني ثمّ لكنّي لا أستسيغ الظلم , و جيل ثورة التحرير هو الذي ربّانا على ذلك , لأنّه لولا هذه القيمة الكبرى و العظيمة و التي يعبّر عنها علماء الكلام في الإسلام بقولهم الخصال ذات الحسن الذاتي أو القبح الذاتي , و الظلم ليس قبيحا عند من يدين بالإسلام , بل هو قبيح عند أهل الأديان و الفلسفات , وحتى الملحون القدامى والمعاصرون يبغضون الظلم , لأنّ الله تعالى عندما خلق عبده صاغه مضادا للظلم.
و في الأخير تقبل مني فخامة رئيس الجمهورية الجزائرية السيد عبد العزيز بوتفليقة فائق الإحترام و التوقير , وأعلم أنّ الظلم ظلمات يوم القيامة , و أنّ الإنسان يعرض على ربّه يوم القيامة , و الحاكم يقوى بالعدل .
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .