عندما يقف رئيس دولة كبري ويعلن في احتفال امبريالي صاخب، فوق أرض مغتصبة وأشلاء شعب مشرَّد، بأنه ينحاز إلي فكرة يهودية الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلًّة.
وعندما يسمح لنفسه، باستخفاف وانتهازية، بمسخ ثلاثمئة مليون أمريكي إلي صهاينة عنصريين دون أن يخوِّّّّلوه ودون أن يسألهم رأيهم. وعندما يصدر حكماً ظالماً بوضع عشرة ملايين فلسطيني في سلَّة مهملاته ويقحم الممانعة للمشروع الصهيوني من قبل مقاومة نبيلة في غزَّة وجنوب لبنان في خانة الإرهاب الدولي. وعندما تنّّّم حركاته الرمزية الجسدية، ابتساماته وقبلاته الحميمية وتشابك يديه مع هذا المجرم الصهيوني أو ذاك، عن إعجاب يفوق الحد بمن قتلوا ونهبوا وشردوا الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين.
عندما يفعل قائد سياسي كل هذا، ففي أي تصنيف ينبغي أن تضعه وتضع دولته كافة الأنظمة الرسمية العربية؟ أفي خانة العداوة السافرة لهذه الأمة، أم في خانة مقولة أختلاف الرأي لا يفسد للود قضية أم في خانة ممارسة الطقوس الشيطانية الفرحة بعذابات وأحزان وموت الآخرين الأبرياء المسالمين؟
ثم، هل ان ما قاله وما وعد به وما اختبأ خلف ارتعاشات شفتيه ونظرات عينيه وملامسات يديه وهو يلقي الخطاب تلو الآخر. هل أن ذلك يقع في خانة ممارسة السياسة المختلف عليها أم يقع في خانة السقوط المذهل للضمير الإنساني وللأخلاق والقيم العليا؟
من حقٍ الشعوب العربية أن يطلبوا أجوبة علي تلك الأسئلة من الذين استقبلوا والذين سيستقبلون الرئيس الأمريكي بعد أن قال ما قال، وفعل مافعل. وهذه الأسئلة ليست احتجاجية فقط، بل إنها أسئلة تتعلق بالمنطق السياسي الذي تمارسه بعض الأنظمة السياسية العربية. فما هي الأسس التي يحتكم إليها هؤلاء عند تصنيفهم لأعداء الأمة ولأصدقائها، لمحتقري كرامتها وحقوقها وللمختلفين معها في وجهات النظر؟ إذ هل يعقل أن الأمة العربية، من بين كل أمم الدنيا، لاتملك خطوطاً حمراء لاتسمح أن يتخطاها أحد من العابثين أو الحمقي؟ بصورة أكثر تحديداً، هل قضية الصٍّراع العربي ـ الصهيوني هي من الخطوط الحمر في حياة العرب، كل العرب، أم أن تلك القضية قد أصبحت هامشية، وان مصير عشرة ملايين من الفلسطينيين العرب، إن كانوا من الرًازحين تحت الاحتلال أو كانوا من المشرَدين في بقاع المعمورة، قد أصبح من المسائل الهامشية؟
إذا كان الرئيس الأمريكي قد انقلب علي كل القرارات الدولية بشأن فلسطين، مع ما فيها من جور وظلم، وذهب في نظرته للمسألة الفلسطينية إلي يمين أعتي العرَابين في المافيات الصهيونية، فهل كثير علي بعض الأنظمة الرسمية العربية أن تتحفظ في مجاملاتها الغريبة لهذا الرئيس الأحمق؟ ولو كان هذا الرئيس في بداية توليه السلطة لكان بالإمكان تفهٌم عدم قطع شعرة معاوية معه، إذ سيكون معني ذلك التدمير الكامل للعلاقات الأساسية العربية ـ الأمريكية طيلة سنين ولايته. ولكن ما هو المبرٍّر لكل تلك المجاملات، ولذلك الودٍّ، والرجل سيختفي من علي المسرح السياسي الأمريكي بعد سبعة شهور، وحزبه في أدني القبول في الأوساط الشعبية الأمريكية، والإمبراطورية الأمريكية التي حاول هو وجماعته بناءها تتخبَّط في أزمات مالية واقتصادية وعسكرية بالغة؟
لقد قيل من قبل بأن الانسان يحكم علي الآخرين لا من معرفة نوع أعدائهم فقط بل من نوع أصدقائهم أيضاَ. فإذا كانت الغالبية من الأنظمة السياسية العربية قد قررت أن تجعل من الرئيس الأمريكي، الملطخة يده بدماء الأبرياء العرب والمسلمين في العراق وفلسطين ولبنان والسودان والصومال وأفغانستان وغيرهم، صديقاً يستحق المجاملة فما هي الرسالة التي ترسلها تلك الأنظمة لشعوبها ؟ ان الجواب سيكون مفجعاً بحيث سيكون من المحرج حتي محاولة ذكره. فالجواب لن يكون سياسياً، خاضعاً لفن الممكن، ولكنه سيكون أخلاقيا خاضعا للوحل القذر الذي يغوصون فيه ويجرُّون الأمة كلها إلي أعماقه.