الانفجار وقع أمام مسجد الحسين
الانفجار الذي وقع بمنطقة الحسين وسط القاهرة في 22 فبراير أعاد للأذهان ذكريات الإرهاب اللعين الذي ضرب مصر في التسعينات ، والذي كان يعتقد على نطاق واسع أنه ودع أرض الكنانة إلى غير رجعة.
وكان انفجار مروع قد هز منطقة الحسين مما أسفر عن مصرع سائحة فرنسية وإصابة 21 آخرين بينهم 13 فرنسيا وألماني و4 مصريين و3 سعوديين ، وتباينت التفسيرات حول الكيفية التي وقع بها ، فهناك من أشار إلى أنه ناجم عن انفجار عبوة ناسفة وضعت أسفل مقعد جيري أمام مسجد الحسين ، فيما رجحت مصادر أخرى أنها ألقيت من فوق سطح أحد المباني في المنطقة ، هذا في الوقت الذي ترددت فيه أنباء حول العثور على عبوة أخرى داخل جوال بأحد المقاهي ، قامت أجهزة الأمن على الفور بإبطال مفعولها.
ورغم أنه لم تعرف بعد دوافع الانفجار أو الجهة المسئولة عنه ، إلا أن هناك من يرجح أن جماعة صغيرة تتبنى العنف هى من قامت بالانفجار وليس الجماعات الإسلامية التقليدية المعروفة والتي أعلنت منذ سنوات طويلة نبذ العنف الذي شهدته مصر في التسعينات، فيما يرى البعض الآخر أن الانفجار قد يكون مرتبطا بتردي الأوضاع الاقتصادية أو بالأحداث الأخيرة في غزة والتي وجهت خلالها انتقادات كثيرة للحكومة المصرية بسبب إغلاق معبر رفح.
وأيا كانت صحة وجهات النظر السابقة ، فإن الانفجار بعث عددا من الرسائل من أبرزها أن هناك من يعبث بأمن مصر ، وأن الحكومة المصرية لابد أن تتحرك سريعا لمعالجة أوجه القصور التي يستغلها المضللون في الداخل والأعداء في الخارج لتهديد الأمن القومي المصري وضرب السياحة في ظل الأزمة المالية التي تعصف بالاقتصاد المصري والعالمي.
والبداية في هذا الصدد يجب أن تركز على تشديد الإجراءات الأمنية وخاصة في المناطق السياحية ، فالانفجار كشف عن بعض أوجه الخلل الأمني بالنظر إلى أن تلك المنطقة بالذات شهدت حادثا مماثلا في إبريل عام 2005 ، عندما هز انفجار شارع جوهر مما أدى إلى مقتل أربعة أشخاص بينهم سائحة فرنسية وسائح أمريكى ، بالإضافة إلى جرح 18 مصرياً وأجنبياً.
ويبقى الأمر الأهم ألا وهو الإسراع بمعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تفاقمت في الفترة الأخيرة ويستغلها أعداء مصر جيدا ويأتي على رأسها انتشار البطالة والفساد والفقر وقمع الحريات ، فتلك السلبيات كانت مبررا للإرهاب الأعمى الذي ضرب مصر في التسعينات ، ولذا لاغنى عن التصدي لها بكل حزم وقوة .
مسلسل الإرهاب الدامي
وكانت مصر قد شهدت في التسعينات موجة من العمليات الإرهابية من أبرزها :
21 أكتوبر 1992 : مقتل سائح بريطاني علي أيدي مجهولين قرب مدينة ديروط في صعيد مصر .
26 فبراير 1993 : مصرع سائحين تركي وسويدي وجرح 19 آخرين في انفجار قنبلة بمقهي في قلب القاهرة.
8 يونيو 1993 : مقتل مصريين وجرح 15 بما فيهم سائحان بريطانيان في هجوم بقنبلة على حافلة سياحية قرب الأهرامات بالجيزة .
26 أكتوبر 1993: مقتل أمريكيين وفرنسي وايطالي وجرح سائحين آخرين في هجوم شنه رجل أعلنت السلطات أنه مختل عقليا على فندق سميراميس بالقاهرة.
4 مارس 1994 : مقتل سائح ألماني في هجوم تبنته الجماعة الاسلامية على عبارة سياحية على النيل في جنوب مصر.
26 أغسطس 1994: مقتل شاب إسباني في هجوم علي حافلة سياحية بين الأقصر وسوهاج .
27 سبتمبر 1994 : مصرع ألمانيين ومصريين في هجوم علي منتجع سياحي بالبحر الأحمر.
23 أكتوبر 1994 : الجماعة الإسلامية تتبنى هجومين في جنوب مصر، أسفرا عن مقتل بريطاني وجرح خمسة أشخاص آخرين.
18 إبريل 1996 : مقتل 18 سائحا يونانيا وإصابة 14 آخرين بجروح في هجوم على واجهة فندق أوروبا قرب أهرامات الجيزة.
18 سبتمبر 1997 : مقتل تسعة مصطافين ألمان وسائقهم في تفجير حافلتهم خارج المتحف المصري وسط القاهرة.
17 نوفمبر 1997 : مقتل 62 شخصا بما فيهم 58 سائحا في هجوم بالأقصر تبنته "الجماعة الإسلامية".
7 أكتوبر 2004 : مصرع 34 شخصا من بينهم سياح إسرائيليون وجرح العشرات في ثلاثة انفجارات استهدفت منتجعات سياحية في طابا .
7 إبريل 2005 : انفجار في قلب القاهرة القديمة يودي بحياة أربعة أشخاص بينهم سائحة فرنسية وسائح أمريكى ، بالإضافة إلى جرح 18 مصرياً وأجنبياً .
30 إبريل 2005 : مقتل شخص واحد وجرح ثمانية آخرين في انفجار قرب المتحف المصري بالقاهرة.
23 يوليو 2005 : مقتل حوالي 88 شخصا وإصابة المئات في سلسلة تفجيرات هزت مدينة شرم الشيخ .
السلطات المصرية اتهمت الجماعات التي تسعى لإقامة دولة إسلامية بالمسئولية عن الهجمات التي وقعت في التسعينات ، خاصة أن الجماعة الإسلامية تبنت الهجوم الذي وقع في 17 نوفمبر 1997 على السياح الأجانب في وادي الملوك قرب الأقصر ، فيما عرف بمذبحة الأقصر ، وفيما ركزت الجماعة الإسلامية على استهداف كل من له صلة بالغرب ، ركزت حركة الجهاد على اغتيال مسئولين كبار ، حيث أعلنت الجماعة مسئوليتها عن تفجير أغسطس عام 1993 في مصر والذي جرح فيه وزير الداخلية المصري حينئذ زكي بدر، وكذلك عن تفجير نوفمبر 1993 ، الذي كان موجهاً ضد رئيس الوزراء في ذلك الوقت عاطف صدقي ، وقد كانت جماعة الجهاد مسئولة أيضا عن اغتيال الرئيس المصري السابق أنور السادات في أكتوبر 1981 .
وبعد ذلك نبذت الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد أعمال العنف ، ففي نوفمبر 1998 ، أكد قادة الجماعة الإسلامية تخليهم عن أعمال العنف ، وفي اواخر 2007 ، ظهرت مبادرة مماثلة من منظر تنظيم الجهاد الدكتور سيد إمام الشريف "الدكتور فضل" تحت اسم "مبادرة ترشيد الجهاد في مصر والعالم" من داخل سجن طرة ، وسيد إمام هو مؤسس تنظيم الجهاد في مصر ويعرف أيضا باسم "الدكتور فضل" وهو أستاذ أيمن الظواهري .
واختارت قيادة التنظيم الذكرى العاشرة لمذبحة الأقصر التي نفذها منتمون للجماعة الإسلامية عام 1997 لتكون موعداً لإعلان مبادرة الجهاد لوقف العنف التي باتت تُعرف إعلاميا بمبادرة "ترشيد الجهاد".
وبالفعل ظهرت مؤشرات قوية لإغلاق ملف التنظيمات السلفية المسلحة السابقة ، وكذلك إغلاق ملف معتقلي هذه الجماعات، بعد نجاح الجماعة الإسلامية في تثبيت مبادرتها لوقف العنف التي أطلقتها قبل عشر سنوات .
ولعل التفجيرات التي هزت شبه جزيرة سيناء في السنوات الأخيرة تؤكد صحة الاعتقاد السابق ، وكانت عدة تفجيرات قد هزت فندق هيلتون طابا ومخيمات البادية ووادي القمر بمدينة نويبع شمال سيناء في السابع من أكتوبر 2004 ، مما أسفر عن مصرع 34 شخصا من بينهم تسعة مصريين، وإصابة آخرين من بينهم 24 مصريا و124 إسرائيلياً، فضلاً عن إحداث تلفيات هائلة في الممتلكات ، كما شهد منتجع شرم الشيخ الساحلي تفجيرات دامية يوم الثالث والعشرين من يوليو 2005 ، أودت بحياة ما يزيد على ستين شخصا ، فضلاً عن إصابة العشرات بينهم أجانب .
ووقع انفجار أيضا في أغسطس 2005 فى عربة تستخدمها قوة المراقبين الدولية التي تراقب الحدود مع إسرائيل ، مما أسفر عن إصابة كنديين.
وأعلنت السلطات الأمنية حينها أن جماعة إسلامية جديدة تطلق على نفسها "التوحيد والجهاد" هى المسئولة عن اعتداءات طابا وشرم الشيخ وأن هناك ثلاثة إرهابيين قياديين من المجموعة التي نفذت التفجيرات السابقة وهم نصر خميس الملاحي وعيد سلامة الطراوي ومحمد عبد الله جرجر يعملون تحت مسمى التوحيد والجهاد وجاء في اعترافاتهم في تحقيقات النيابة أنهم يستهدفون ضرب المناطق السياحية في جنوب سيناء انتقاما لما يحدث في الأراضي العراقية والفلسطينية.