المستشار زكريا عبدالعزيز .. توقفت عند جملة واحدة وردت بين طيات كلماته المتدفقة بحماس وعمق .. حين قال في تعريفه للقاضي 'القاضي لا يكون قاضيا إلا إذا عد فلنكات السكة الحديد .. فلنكة .. فلنكة'.
كان يقصد بذلك أن القاضي الحقيقي هو الذي تدرج منذ عين بسلك النيابة العامة وحتي بلغ القضاء، وراح يتجول في كافة أنحاء مصر .. مختلطا بأهلها ..، في الشمال والجنوب .. ومتلامسا مع قضايا بلده، وأزمات مجتمعه .. وعاملا ما استطاع علي التعرف علي الصورة من جميع جوانبها.
هذا الإدراك لدور القاضي .. وهذا اليقين من الصدق في التلامس مع مشاكل المجتمع .. شكلا كلمة السر التي دفعت بجماهير القضاة ورجال النيابة العامة للالتفاف حول الرجل الذي كان اختياره بمثابة الإعلان عن انحياز هذه الشريحة المتميزة من أبناء المجتمع إلي ما يحمله الرجل من أهداف وقيم.
وعلي مدي فترات رئاسته لنادي القضاة شهدت الحياة السياسية والاجتماعية المصرية تطورات شتي .. ذهبت بالواقع المصري إلي مناح متعددة الاتجاهات .. وتزايدت محاولات الاستقطاب .. وكان للقضاة كلمتهم الشجاعة، ووقفتهم الفريدة إلي جانب ما رأوه صحيحا .. هكذا تطورت الأوضاع بشكل سريع .. وتدخلت أطراف عدة لإفساد وقفة القضاة .. ولكن .. صمد المستشار زكريا عبدالعزيز وصحبه في الميدان .. يذودون عن مواقفهم .. ويرفضون التفريط في ثوابت .. آمنوا بها .. ودافعوا عنها حتي اللحظة الأخيرة.
صحيح أن التجاذبات دفعت بالبوصلة إلي منحنيات خطرة .. وصحيح أن المجتمع الذي احترم وقفة القضاة كان يأمل في التمسك بثوابت الوقوف عند ناصية الحق وحدها .. ولكن الأوضاع بمجملها حملت محاولات متعمدة للإساءة للقضاة ورئيس ناديهم.
آثر المستشار زكريا عبدالعزيز أن يهبط من فوق منصة النادي باختياره الحر .. تاركا لرجالات القضاء أن يختاروا من يخلفه .. ليضرب مثلا جديدا في إيمانه الحقيقي بالديمقراطية .. وبالقيم التي تربي عليها .. والتي كانت وستظل عنوانا لرجل حفر اسمه بعمق وحب في قلوب كل المصريين .. وليس القضاة وحدهم.