أسفرت عن فوز التيار المدعوم حكوميا، وخسارة تيار الاستقلال الذي ظل محتفظا بإدارة شئون النادي لست سنوات متواصلة خلال الدورتين السابقتين.. هذه النتيجة المفاجئة يتعين التوقف أمامها مليا لاستقراء الدلالات وإبداء الملاحظات.
مع كل الاحترام لوجهة نظر القضاة الذين صوتوا لصالح القائمة المدعومة حكوميا والاقرار بحقهم المطلق في اختيارهم، إلا أن مفاجأة النتيجة بدت وللوهلة الأولي صادمة للغالبية العظمي من المراقبين والمهتمين بالشأن العام، والذين خسروا الرهان علي انحياز القضاة جميعهم أو غالبيتهم العظمي وبالضرورة إلي تيار الاستقلال.. استقلال القضاء والقضاة!
وفي نفس الوقت فإن فارق الأصوات الضئيل الذي بلغ نحو (٠٥٣) صوتا من أصل نحو خمسة آلاف صوت بين المستشار الزند الفائز برئاسة النادي وبين المستشار هشام جنينة، إنما يعني أن فوز التيار الحكومي لم يكن ساحقا رغم الحشد، بقدر ما لم تكن هزيمة تيار الاستقلال ثقيلة، بل إنه مازال قائما ويمثل نصف القضاة تقريبا، وهو الأمر الذي يؤكده فوزه بأربعة مقاعد في مجلس إدارة النادي.
ومما يؤكد أن فوز التيار الحكومي كان مفاجأة مذهلة وأمرا مستبعدا من جانب أنصاره ذواتهم.. هو تلك الحالة من الزهو والانتشاء والفرحة الغامرة الهستيرية وإلي درجة الشماتة في تيار الاستقلال، والتي سادت أنصار تيار الحكومة فور إعلان النتيجة.
وكم بدا صادما أن يعبر القضاة أنصار التيار الحكومي عن فرحتهم بالفوز بإطلاق الصواريخ والألعاب النارية علي غرار ما يفعله مشجعو كرة القدم في الملاعب، وعلي نحو لا يتفق اطلاقا ووقار القضاة وهيبة القضاء!
لقد بدت المفارقة بالغة الإثارة.. إذ أن أنصار تيار الحكومة ظلوا ينتقدون مجلس إدارة النادي السابق برئاسة المستشار زكريا عبدالعزيز لوقفاتهم الاحتجاجية دفاعا عن استقلال القضاء ورفضا لتغول السلطة التنفيذية واحتجاجا علي الاشراف الشكلي وغير الكامل علي الانتخابات العامة.. زاعمين أن ذلك انتقص من هيبة القضاء ووقار القضاة!.. والسؤال: أي المسلكين هو الذي ينتقص من الهيبة والوقار: الدفاع عن استقلال القضاء والدستور أم اطلاق الصواريخ والألعاب النارية والهتاف والصفير؟!
ثمة ملاحظة أخري.. فقد بدا مسلكا غير لائق أن ينهال بعض القضاة من أنصار المستشار الزند بالسباب علي الصحفيين، كما بدا غير لائق أيضا هتافهم باستعادة 'النادي المختطف' من أنصار 'القاعدة' و'طالبان'.
ومن الملاحظات المقلقة أيضا.. حضور المستشار مقبل شاكر رئيس محكمة النقض (شيخ القضاة) بعد الواحدة فجرا إلي مقر النادي للاحتفال بفوز تيار الحكومة ودخوله النادي دخول الفاتحين المنتصرين علي الأعداء.. واستقبال القضاة أنصار المستشار الزند له بهتافات لا تليق بوقار القضاة. لقد بدا مسلكه انحيازا وتعبيرا عن انتصار وانتقام شخصي من تيار الاستقلال الذي هزمه في الانتخابات قبل (٦) سنوات، وهي مشاعر عاطفية ما كان له أن يبديها بل كان يتعين عليه أن يترفع عنها بحكم منصبه الرفيع كشيخ للقضاة!
إن أخطر دلالات هذه النتيجة المفاجئة هي أن السلطة التنفيذية قد أحكمت قبضتهاعلي آخر معقل للحريات والدفاع عن الدستور وضد تغولها علي السلطتين التشريعية والقضائية.. وأنها نجحت في اختراق آخر نخبة ظلت عصية عليها.. ومن ثم فإن نتيجة الانتخابات لا تعني فوز تيار علي آخر، ولكن فوز السلطة التنفيذية علي السلطة القضائية وأن القضاة جميعا هم الخاسرون حتي لو تحققت - وأغلب الظن أنها لن تتحقق - الوعود المادية ولهم في نقابة الصحفيين مثال ودليل واضحان.
إن الرأي العام في مصر وكل المعنيين بالشأن العام يساورهم قلق شديد - وهو مشروع - بشأن أوضاع القضاة والقضاء باعتبار أن القضاء واستقراره واستقلاله أهم ضمانات استقرار الوطن.