ولاء بسيونى
عدد الرسائل : 543 العمر : 64 تاريخ التسجيل : 10/02/2009
| موضوع: أردوخان والأردوخانية الثلاثاء 24 فبراير 2009 - 22:54 | |
| لم أسعد كثيرا للبهجة العارمة التي اجتاحت الوطن العربي لموقف رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان من رئيس وزراء العدو الصهيوني.. وإن كنت كغيري من الملايين أحمل للرجل تقديرا واحتراما كبيرين.. ولكن الأمر يجب أن يتخطي الاعجاب والتقدير المؤقتين علي خلفية مواقف عارضة ومؤقتة إلي الاقتراب من الرجل كظاهرة مفاجئة علي الأقل بالنسبة لنا.. ومحاولة قراءة أفكاره ورؤاه واستراتيجيته التي يبدو أنها تحمل الكثير من المفاجآت للواقع الإقليمي والدولي. | ولعلها تكون مناسبة للتأكيد أن الفرحة المفاجئة والمبالغ فيها إزاء أي واقعة مهما كانت درجة إثارتها يجب ألا تكون البديل عن التفكير الجدي والعمل المخطط لعلاج مشاكلنا الأساسية التي لا تكفيها المواقف الفردية علي خلفية الحماس والشجاعة والاستعداد للتضحية.. والتي ربما تكون تعبيرا عن الضيق من عجز الأنظمة أو فقدان الأمل في إمكانية تحقيق العدل في مجتمع دولي منحاز وغير عادل.. وواقعة حذاء منتظر الزيدي علي سبيل المثال، وعلي الرغم من القناعة الواسعة بأن جورج بوش يستحق ألف حذاء وحذاء.. وأن الواقعة في مجملها رمز لازدرائه وتحقيره وعقاب شخصي له علي مرأي ومسمع من العالم.. فإنها لا تعني الكثير إذا لم يكن لها رد فعل علي الأرض.. كدافع لاستمرار المقاومة وتطوير أساليبها باعتبارها الفيصل الوحيد في الصراع من أجل تحرير الأرض واستعادة السيادة الوطنية. وبنفس المنطق فإن مواقف أردوغان المتشددة - رغم قيمتها - لم تمنع استمرار مجزرة غزة.. ولم تحل دون ما أرادته إسرائيل.. ومن ثم يتوجب علينا - وسط التقدير للرجل ومواقفه - النظر إلي النقطة الأبعد.. وإلي الدور الذي يلوح في الأفق.. دور أردوغان وتركيا في المنطقة.. بعد قطيعة طالت.. وغياب بدا بلا رجعة.. بعد أن كانت الدولة العثمانية تمتد علي معظم ما يشكل اليوم الوطن العربي، بالإضافة إلي امتداداتها في أواسط آسيا شرقا.. وجنوب وغرب أوربا.. ثم افريقيا.. وبسط سيطرتها علي البحرين المتوسط والأحمر.. قبل أن يدب الضعف في الامبراطورية مترامية الأطراف ثم يلغي أتاتورك الخلافة نهائيا في ٤٢٩١.. ويتجه بتركيا إلي أوربا مودعا ٥٢٦ عاما من الانتماء الشرقي والحكم باسم الخلافة الإسلامية. ولد رجب طيب أردوغان في اسطنبول لأسرة فقيرة من أصل جورجي '٦٢ فبراير ٤٥٩١' وأمضي طفولته المبكرة في ريزة علي البحر الأسود.. قبل أن يعود إلي اسطنبول وعمره ٣١سنة ليتم تعليمه في مدارس إمام خطيب الدينية ثم في كلية الاقتصاد وإدارة الأعمال في جامعة مرمرة.. وقد بدأت اهتماماته السياسية بشكل مبكر، حيث ارتبط بنجم الدين أربكان نفسيا وسياسيا.. ولازمه في مسيرته الحزبية وما طرأ عليها من تقلبات الحظر والتضييق.. من أول حزب الخلاص الوطني الذي أسسه أربكان عام ٢٧٩١.. ثم حزب الرفاه.. وبعدهما حزب الفضيلة.. وقد فاز برئاسة بلدية اسطنبول عام ٤٩٩١ علي قائمة حزب الرفاه.. واستطاع من خلال انجازاته أن يكتسب شعبية كبيرة.. لم تحل دون تقديمه للمحاكمة عام ٨٩٩١ بتهمة التحريض علي الكراهية الدينية، حيث حكم عليه بالسجن لمدة عام والحرمان من وظائف الدولة.. وهي الأزمة التي دفعته إلي التفكير والتخلي عن نهج أستاذه أربكان.. وكان حظر حزب الفضيلة فرصته حيث قاد انشقاقا ضم مجموعة من نشطاء الحزب ومنهم عبدالله جول رئيس تركيا الحالي وشكل حزب العدالة والتنمية الذي أتت به أول انتخابات يشارك فيها الحزب الوليد إلي رئاسة الحكومة.. ليعلن من اللحظة الأولي لانتخابه أنه سوف يعمل لبناء دولة ديمقراطية قوية.. تضع الحدود بين الدين والدولة فلا يسيطر فيها أحدهما علي الآخر.. ومن ثم فلم تسجل علي حزب العدالة والتنمية - المعروف بخلفيته الإسلامية - أي ممارسات ذات طابع ديني أكثر من مطالبته بإلغاء حظر الحجاب في الجامعات كنوع من الحرية الشخصية.. وعدا ذلك فالتوجه العام غربي.. مؤيد لانضمام تركيا إلي الاتحاد الأوربي.. ومتمسك بالدستور الذي ينص علي أن تركيا دولة ديمقراطية علمانية اجتماعية تحترم سيادة القانون، الأمر الذي يحظي باجماع واسع وراسخ داخل تركيا.. يغذيه باستمرار أردوغان الذي يعلي من قيمة الدولة التركية علي أي اعتبارات أخري.. في جميع مواقفه وتصريحاته، فخلال المؤتمر الصحفي الذي أعقب وصوله إلي اسطنبول عائدا من 'موقعة' دافوس والاستقبال الأسطوري من الشعب التركي.. أكد أردوغان أنه شارك في الاجتماع كرئيس لوزراء تركيا التي تحمٌله مسئولية حماية كرامة الجمهورية التركية والدفاع عنها لأنه ليس زعيم قبيلة، ولكنه رئيس وزراء تركيا، وبالتالي يجب أن يحظي بمعاملة تليق بتركيا.. وأن ما قام به لم يكن موقفا شخصيا وإنما كان دفاعا عن مصداقية بلده ومكانته.. مذكرا في أكثر من مناسبة بأجداده العثمانيين.. وعندما وقع العدوان الإسرائيلي علي غزة انتفض أردوغان لأن رئيس وزراء إسرائيل كان في زيارته قبل خمسة أيام من العدوان ولم يذكر له شيئا عن نوايا إسرائيل، الأمر الذي اعتبره أردوغان إهانة للشعب التركي وطرح القضية علي البرلمان ليحصل علي إدانة شعبية لإسرائيل ورئيس وزرائها 'الذي مارس الكذب والخداع في حضرة رئيس وزراء تركيا بما تمثله'. والواقع أن الاتجاه الذي يقوده أردوغان وحزبه.. والذي يمكن أن نطلق عليه الأردوغانية.. أو الإسلام المحايد كما تجري بذلك أقلام كثيرة.. يتمتع بشعبية كاسحة في تركيا بعد محاصرته للفساد وضربه.. وتحقيق ازدهار اقتصادي كبير.. كما يتمتع بجاذبية خاصة لدي العديد من التيارات الإسلامية - بل وبعض النظم الغربية المسيحية - بعدما حققه من تقدم كبير في ميادين الصناعة والتكنولوجيا الحديثة والثقافة والفنون.. والحكمة والواقعية في التعامل مع الآخرين.. وهو ما يمثل العناصر الأساسية لقوة أردوغان وحزبه وقوة تركيا، والاستراتيجية التي تتبناها كدولة إقليمية مركزية تدرك مكانتها، وتتصرف وفقا لحجم هذه المكانة.. وتدرك أن عودتها للتأثير الإقليمي والتواجد الفاعل يعليان من مكانتها ويدعمان توجهها الأوربي.. ومن ثم كانت عودتها بقوة بعد غياب امتد لأكثر من ثمانية عقود مفاجأة لأطراف متعددة علي رأسها النظام العربي الرسمي الذي نسي دولة الخلافة والباب العالي.. ثم إيران الجواد الجامح في المنطقة دون منافس ونفوذها الذي يتمدد هنا وهناك، ثم إسرائيل وأمريكا اللتان ترتبطان مع تركيا بعلاقات قديمة.. أما مفاجأتها للتيارات والمنظمات الإسلامية المسيسة فربما تكون الأكثر وقعا باعتبارات الاستمرارية والتأثير.. الذي ربما يتحول إلي انقلاب صامت.. يغير الكثير من موازين القوي في المنطقة والعالم علي اطلاقه. |
| |
|