هل هناك علاقة بين "حادث" ميدان الحسين.. وبين "مصيبة" تولي بنيامين نتنياهو رئاسة وزراء إسرائيل؟.
للوهلة الأولي لا يبدو هناك أدني علاقة بين هذه وتلك إلا في كونهما من صنف واحد وهو المصائب والبلاوي التي تقع علي رءوسنا.. فالحادث وإن كان لا يرقي إلي مرتبة الحوادث الإرهابية إلا أنه مؤثر بشكل ما علي السياحة والاقتصاد وسمعة مصر الآمنة.. ونتنياهو وبرغم أنه لا يختلف كثيراً عن كل زعماء الدولة العبرية إلا أن وجوده في قيادة الحكومة الإسرائيلية في حد ذاته مصيبة وبلوة ونقطة سوداء كبيرة في المنطقة!..
وجاء تزامن حادث ميدان الحسين مع مصيبة تل أبيب ليعطي انطباعاً علي أنه كما لو كان نتنياهو نفسه في ميدان الحسين.. فالإرهاب له وجه واحد سواء كان هنا أو هناك.. كما أن الإرهاب الصهيوني والاحتلال لأراضينا العربية وآلة التدمير الاحتلالية الدائمة أحد أسباب نمو التطرف والذي يعد الأرض الخصبة للإرهاب.. أي أن بنيامين يطل بوجهه دائماً علي مثل هذه الحوادث في أي مكان بالمنطقة وتطرفه هو وليبرمان ونظرائهما الإسرائيليين دائماً يكون مبرراً لإشعال نار التطرف والإرهاب باعتبار أمثالهم المادة الخام للتطرف.. والعنصر الرئيسي الإرهاب.
صحيح أن حادث ميدان الحسين لا يرقي إلي أن يكون حادثاً إرهابياً بالشكل المعروف عن الحوادث الإرهابية ويجب ألا نعطيه حجماً أكبر من حجمه فهو مجرد حادث بسيط عشوائي لا يعبر عن فكر أو أيديولوجية معينة.. بل هو حادث فردي يعبر عن فرد أو عدد من الأشخاص ولا يرتبط بحركة إرهابية أو منظمة متطرفة. فالجماعة الإسلامية أعلنت منذ فترة عن تراجعها الواضح عن فكرة الإرهاب.. ولا يوجد ما يشير إلي أن هذا الحادث مدبر أو تم تنفيذه من خلال المنتمين إلي تنظيمات الجهاد.. أو القاعدة.. كما أن القنبلة التي انفجرت كانت بدائية. ومن الواضح أن الذي أو الذين صنعوها استعانوا بالإنترنت من خلال بعض المواقع التي تشرح كيفية صنع المتفجرات من مواد سهلة. كما أن قنوات فضائية عديدة شرحت كيفية صنع هذه المتفجرات في بعض برامجها وكان آخرها قناة الجزيرة التي قدمت برنامجاً عن كيفية صنع المتفجرات من قبل حماس خلال العدوان الأخير علي غزة.
وواضح جداً أن القنبلة التي انفجرت كانت بدائية الصنع وعشوائية. حيث تسببت في بؤرة قطرها 30 سنتيمتراً فقط. طبقاً لبيان النائب العام.. وقد يكون أسباب وفاة السائحة وإصابة المصابين هو تأثر المقعد الرخام الذي كانت بجواره القنبلة أو تحته وهو مقعد طوله حسب بيانات النائب العام "170 سم" انفجر بفعل انفجار القنبلة وتناثرت أجزاؤه وبالطبع الإصابة برخام متطاير بفعل القنبلة قد يسبب وفاة أو إصابة بالغة.. كما أن القنبلة الثانية لم تنفجر وتم إبطال مفعولها.. أو تفجيرها تحت الرمال. كما تردد.. وهو ما يعني أن الحادث العشوائي لا يعبر عن فكر أو رؤية أو أيديولوجية. بل عبث صبياني شيطاني لعب برءوس البعض لأي سبب اجتماعي أو اقتصادي أو حتي فكري.. وساعدهم علي ذلك الإنترنت والفضائيات وإمكانية صنع هذه المتفجرات.. ففعلوا فعلتهم.. وإذا كان بعض الخبراء قد ربطوا بين هذا الحادث.. وحادث خان الخليلي الذي حدث في أبريل 2005 علي اعتبار أن الأسلوب كان متقارباً ومتشابهاً فإنني لا أعتقد ذلك لعدة أسباب أولها: أن عشوائية وهلامية الأداء والأسلوب المتشابه ليس أمراً منطقياً بعد أربع سنوات.. فالهلامي والعشوائي بعد هذه الفترة سيتطور أداؤه.. بل قد ينكشف أيضاً ولكن واضح أن الذي فعلها 2005 كان هلامياً وعشوائياً وهروب أو انطوي علي نفسه وجاء غيره بعد أربع سنوات لنفس الأسباب أو لغيرها وكرر الفعلة بلا علاقة بينهما.
الأمر المنطقي في تحليلات من نسميهم بالخبراء وهو أن الجماعة الإسلامية مازالت ملتزمة بمراجعتها ومبادرتها لوقف العنف وأن عملية دمج أفراد هذه الجماعة في المجتمع مازالت مستمرة.. ويجب ألا يشغلنا هذا الحادث عن الاستمرار في متابعة هذه المبادرة وتأكيدها.
الأمر الثاني: أن الأمن نجح بقوة وفاعلية في شل حركة الإرهاب المنظم منذ حادث الأقصر باستثناء ما حدث في طابا وشرم الشيخ لأن الإرهاب هذه المرة كان قادماً من الخارج بدرجة ما.. وبالتالي فإن ما حدث ليس إرهاباً.. بل عشوائية في الرفض القومي والساخن لظروف ما مجتمعية واقتصادية وأيضاً قد تكون سياسية.
وأتابع الذين يرون أن ما حدث في غزة قد يثير بعض أنصاف المثقفين أو أنصاف الملتزمين دينياً ويصيبهم بهوس الانتقام.. ولكن ما حدث في الحسين لم يكن موجهاً للانتقام بالمعني السياسي بل لعلني أعتقد أن ما حدث لم يكن يقصد المجموعة السياحية التي مرت مصادفة بالقرب من موقع الحادث.. بل قد يكون المقصود بعض رجال أمن السياحة القريبين من الموقع.. ووجود قنبلة ضعيفة التأثير في الحديقة قد يكون بهدف إثارة "فرقعة" إعلامية وإثارة دون إصابات مقصودة لا في الأمن ولا في السياح وهو افتراض أراه منطقياً ومتماشياً مع فكر بعض الشباب المقهور اجتماعياً واقتصادياً.. وقد يكون لديه مفاهيم دينية أو فكرية مغلوطة وغير سليمة دفعته لمثل هذا التصرف الأحمق المرفوض دينياً.. وفكرياً.. وأخلاقياً.. وإنسانياً.
أي شكل من أشكال التطرف والإرهاب مرفوض تماماً وليس له مبرر مهما كان ولكن المؤكد أن هناك أسباباً وراء مثل تلك الحوادث لابد من دراستها ومعرفتها وتحليل جذورها حتي يمكننا مواجهتها في المهد قبل أن تتحول إلي ظاهرة. ولابد هنا أن نشير إلي أن المعالجة الأمنية وحدها لا تكفي ولا يمكن أن نلقي بكل تبعات الأحداث علي كاهل الأمن.. ولابد من علاج الظواهر من جذورها وليس البحث عن علاج أمني لنتائجها.
لذلك أعتقد أن خبراء الاجتماع ومحللي الظواهر المتطرفة وعلماء النفس لابد أن يقوموا بدور فعال في دراسة حادث ميدان الحسين.. وهل يعد علامة علي نشوء ظاهرة سلبية أم مجرد حادث لن يتكرر ولا يحتاج منا إلا لمزيد من الأمن الوقائي؟
أميل إلي التفسير الاجتماعي والنفسي لتحليل ذلك الحادث قبل أن يتحول إلي ظاهرة.. فهناك حالة من الضغوط الاجتماعية والنفسية علي الشباب بالذات.. ومعظم خريجي الجامعات لم يتعلموا بالقدر الكافي ولم يستفيدوا علمياً وثقافياً وتخرجوا في الجامعات أنصاف متعلمين أو أنصاف مثقفين.. ذلك لأن النظام التعليمي في مصر أصبح في حاجة ماسة إلي تطوير وتقويم ليتماشي مع الواقع ومع متغيرات المجتمع. ومع احتياجات السوق.. فلا أري مبرراً لهذا الكم من خريجي كليات الآداب والحقوق مثلاً الذين تتزايد أعدادهم سنوياً بالآلاف وبالتالي لا يجدون عملاً بعد تخرجهم ويطالبهم البعض بتعلم قيادة السيارات والحصول علي رخصة مهنية لكي يكون سائقاً أو تعلم النقاشة والحدادة والسباكة لتغيير مسار حياتهم بعد التعليم الجامعي.. وبالتالي يصاب بعضهم بحالة من الاحتقان تتزايد بعد البطالة والجلوس علي المقاهي وبالتالي يكون مثل هؤلاء الشباب عرضة لأي فكرة خبيثة أو رؤية فكرية ضارة.
تزايد البطالة وتزايد الفقر.. وتزايد الضغوط الحياتية علي كثير من أبناء المجتمع يخلق حالة من الكبت الذي قد ينفجر سلبياً في أي لحظة وتحت أي ضغط.. وبالتالي لابد أن نبحث عن حلول لمشاكل البطالة.. ومشاكل الإدمان ومشاكل السكن.. ومشاكل العوز والاحتياج التي تتزايد يومياً.. ولم تعد تفرق بين فقير أو غني إلا باستثناء أصحاب الملايين أو ذوي الدخول المرتفعة جداً.
البحث عن وظيفة مناسبة هو الطريق السوي للبحث عن شقة.. والبحث عن زوجة.. والبحث عن طريق سليم للانخراط في المجتمع.. أما البطالة وعدم القدرة علي التعامل بشكل سليم مع المجتمع. فهي أسهل الطرق إلي الفساد والانخراط في أي عمل متطرف أو فكر سلبي أو أفعال مجنونة متهورة.
حادث ميدان الحسين في اعتقادي لا يختلف تفسير أسبابه كثيراً عن حادث إقدام أحد رجال الأعمال علي قتل أولاده ثم إقدامه علي الانتحار بعد إفلاسه أو تهديده بالإفلاس.. ولا يختلف كثيراً عن حادث مقتل عاطل لأبيه وأمه أو قيام أحد الشباب بقتل صديقه بسبب خلاف مالي بينهما.. أو قيام مدرس بقتل تلميذته أو تكسير عظام تلميذ.. أو قيام خفير بسرقة المخازن التي يقوم علي حراستها.
من يتابع صفحات الحوادث فقط سيجد أن حادث ميدان الحسين لا يبتعد في تفسيره عن حوادث أخري عديدة تحدث كل يوم ولكنها لا تجد صدي إعلامياً أو دولياً مثل حادث ميدان الحسين لأن الضحايا كل يوم مصريون.. ولكن حادث ميدان الحسين كانت ضحيته شابة فرنسية.. والمصابون من عدة جنسيات أجنبية ومصريون.. لذلك كان الاهتمام الإعلامي الدولي به مما منحه زخماً أكبر مما يستحق.. وهذا لا يعني أنه لا يستحق الاهتمام والدراسة والبحث والتحليل.. بل ما أقصده هو ألا يأخذ أكثر من حجمه بلا تهويل أو تهوين.. بل لابد من دراسته من كل الجوانب حتي لا يتكرر ويصبح ظاهرة.
إنني أعتقد أن جريمة هذا الشاب الذي سكب البنزين علي والده وأشعل فيه النار بهدف الاستيلاء علي الشقة التي يعيشان فيها معاً.. أو قضية هذا الضابط الذي قتل لاعب اليد.. أو هذا الزوج الذي خنق زوجته حتي الموت لخلاف بسيط معها.. أو جريمة هذا الصبي حارس العقار الذي حاول اغتصاب طبيبة. فلما قاومته قتلها.. إن مثل تلك الجرائم لا تقل بشاعة عن جريمة ميدان الحسين.. لكننا لم نهتم بزيادة مظاهر العنف في الجرائم حتي تجاه الآخرين.. أم وأب وابن... وجار... وقريب... لم نهتم بهذا التطور في الجريمة.. ولابد أن نفهم ونعي أن من يفعل ذلك قد يقدم علي جريمة قد تقتل أو تصيب من لا يعرفهم!!..
أعود لسؤالي: وما علاقة نتنياهو بالحادث؟. هل هو الإحباط من وصول متطرف مثله إلي رئاسة الحكومة الإسرائيلية مرة أخري؟. خاصة وأن تجربتنا معه تؤكد أنه متطرف لا يريد السلام ويهوي المغامرات غير المحسوبة التي تكون دائماً ضد السلام العادل؟ أم لأن نتنياهو كظاهرة متطرفة تعبر عن تحول مجتمعي ضد السلام والأمان.. وقد يكون مثيراً لبعض الشباب الذي يعاني معنوياً في هذه المجازر الإسرائيلية.
أعتقد أن هذين التبريرين مقبولان ولكن الأهم أن نتنياهو كرمز للتطرف وعدم الاهتمام بالدماء البريئة وعشقه لإراقة الدم العربي والحق العربي.. هو نفسه الوجه الآخر للتطرف والإجرام الذي تابعناه في حادث ميدان الحسين!!.. وأعتقد أن وجود نتنياهو في رئاسة الحكومة الإسرائيلية خلال الفترة المقبلة سيجعلنا أشد حذراً واهتماماً بهذه الظواهر التي تتزايد مع وجود مثل هؤلاء في دولة لا تعرف الحق أو العدل.. وتبحث عن المزيد من المكاسب علي حساب الدم العربي أياً كان وعلي حساب الحق العربي في كل وقت ومكان!!..