سؤال طرح نفسه بقوة منذ الإعلان عن زيارة وفد الاتصالات المصري برئاسة الدكتور طارق كامل وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات إلي أيرلندا يرافقه بعض قيادات وزارة الاتصالات وبعثة تجارية تضم 14 شركة مصرية عاملة في مجال تكنولوجيا المعلومات والبرمجيات.. وظل السؤال مطروحاً حتي بدأ الوزير زيارته فعلاً لأيرلندا والتي لم تتجاوز 72 ساعة وعقد خلالها لقاءات مكثفة مع وزراء ومسئولين ورؤساء شركات ومعاهد ومؤسسات تدريبية كبري.
وظل السؤال مطروحاً: لماذا أيرلندا الآن؟.. لماذا كل هذا الاهتمام بذلك البلد الصغير الذي يقع في غرب قارة أوروبا ومساحته تزيد قليلاً علي 70 ألف كيلو متر مربع وتعداد سكانه حوالي 4.2 مليون نسمة أي ربع سكان القاهرة تقريباً بنسبة نمو 1.13%.. وبقي السؤال المحوري يطارد وزير الاتصالات في كل محطاته ولقاءاته وزياراته خلال تواجده علي أرض المارد التكنولوجي الأوروبي.. سأله الصحفيون المرافقون للوفد صراحة.. وسأله أيضاً أعضاء البعثة التجارية وحتي وصول الوزير أمس إلي ألمانيا وهي محطته الثانية في الجولة الأوروبية حيث بدأ مباحثاته المهمة مع عدد من كبار المسئولين بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في ألمانيا ومع الرابطة الألمانية لشركات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات "بيتكوم" والتي تضم اكثر من 1200 شركة تمثل 90% من قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في ألمانيا ..وظل السؤال مطروحاً.. وأخيراً كشف د.طارق كامل عن سر الزيارة المهمة في هذا التوقيت بالذات قائلاً إن مصر وأيرلندا يتفقان في ظروف وأوضاع وفرص عديدة تجعل التقارب بينهما ضرورة.. بل وتشجع علي إقامة شراكة متكاملة بينهما.. فأيرلندا هي بوابة أوروبا وأمريكا وأقرب دول أوروبا للساحل الأمريكي الشرقي.. ومصر هي بوابة أفريقيا والشرق الأوسط.. وفي نفس الوقت هاجر المئات من الخبراء من أصل أيرلندي إلي أمريكا وعاشوا فيها طويلاً ثم قرروا إفادة وطنهم الأصلي بما لديهم من خبرات وإمكانيات واستثمارات.. وهو الوضع الذي يتشابه مع مصر حيث لدينا آلاف العقول المهاجرة في العديد من أنحاء العالم ولاسيما في أمريكا وأوروبا ويمكنهم تكرار التجربة الأيرلندية إلي مصر.. وساعتها ستكون النتائج رائعة ومبهرة..
التجربة الأيرلندية
قال د.طارق كامل: جئنا لنتعرف علي تجربتهم وخصوصاً في مجال برامج التحفيز والإبداع وإنشاء الشركات الصغيرة.. فقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات هناك شهد طفرة هائلة منذ منتصف التسعينيات في ضوء الاستثمارات الضخمة التي قامت بضخها الشركات الدولية متعددة الجنسيات خاصة الشركات الأمريكية في هذا المجال وهو الأمر الذي انعكس علي النمو المتزايد في دعم صناعة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ومراكز الأبحاث الخاصة بتصنيع البرمجيات علي نحو ترتب عليه تصنيف أيرلندا من جانب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD)" في المرتبة الرابعة من بين دول العالم التي تحظي ببنية تحتية ومهارات متميزة في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والمرتبة الثانية علي مستوي الاتحاد الأوروبي..
ويساهم قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بما يزيد عن ثلث إجمالي صادرات أيرلندا بقيمة 50 مليار يورو سنوياً أخذاً في الاعتبار أن أيرلندا تعتبر من أكبر مصدري البرمجيات علي مستوي العالم ويبلغ متوسط عائد الشركات العاملة في هذا المجال نحو 12 مليار يورو سنوياً تتيح ما يزيد علي 500 مليون يورو سنوياً في صورة عوائد ضريبية.. ويوفر قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات نحو 90 ألف فرصة عمل بنسبة 8% من إجمالي حجم القوة العاملة في أيرلندا.. كما يتراوح عدد فرص العمل الجديدة التي يتيحها القطاع ما بين 3000 - 3500 فرصة عمل سنوياً.. ويمثل قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في أيرلندا نحو خُمس حجم الأعمال في مجالي الصناعة والخدمات بنسبة 16% من إجمالي القيمة المضافة في هذين المجالين.. مع الأخذ في الاعتبار أن قطاعي الخدمات والصناعة يستوعبان نحو 95% من القوي العاملة في أيرلندا ويساهمان بنحو ثلثي قيمة الصادرات الأيرلندية.
أما الشركات الدولية العاملة في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في أيرلندا فعددها أكثر من 300 شركة توفر ما بين 55 - 57 ألف فرصة عمل وتأتي في مقدمتها الشركات الأمريكية تليها شركات من كل من بريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا واليابان وهولندا وبلجيكا والسويد وإيطاليا واستراليا وسنغافورة والصين وهي تسهم بنحو 28.7 مليار يورو من إجمالي صادرات قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في أيرلندا.. ويحظي هذا البلد الصغير بنحو ثلث الاستثمارات الأمريكية المتجهة إلي الاتحاد الأوروبي.. ولذلك لا تندهش عندما تجد الشركات الأمريكية علي رأس الشركات العالمية المتواجدة علي أرض أيرلندا ويبلغ عددها نحو 140 شركة توفر 40 ألف فرصة عمل وتبلغ استثماراتها في أيرلندا ما يزيد علي 7 مليارات دولار وتسهم بنحو 20 مليار يورو من إجمالي صادرات قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.. وأمام هذا العدد الكبير من الشركات الأجنبية عموماً والأمريكية علي وجه الخصوص.. توجد 840 شركة محلية توفر ما يزيد علي 30 ألف فرصة عمل وتسهم بنحو 8% من إجمالي الناتج المحلي.. وتعتبر أيرلندا مقراً لأكبر الشركات العاملة في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات علي مستوي العالمي ومنها شركات APPLE. IBM. ORACLE. HP. DELL. Ericsson. LONA. GOOGLE. AMAZON. MICROSOFT. YAHOO ويعتبر مصنع DELL القائم في أيرلندا هو الأكبر علي مستوي العالم في هذا المجال حيث يتيح ما يقرب من 5 آلاف فرصة عمل مقارنة بنحو 4700 في شركة INTEL ونحو 3 آلاف في شركة IBM.
والأكثر دهشة أن أسواق بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية في مقدمة الأسواق المتلقية والمستوردة لصادرات قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأيرلندي بنسبة تصل إلي 73% من إجمالي الصادرات يليها كل من سوق دول الاتحاد الأوروبي ثم الدول الآسيوية وأخيراً سوق دول الشرق الأوسط.
جزيرة الإبداع
كل هذه الإمكانيات والقدرات الفائقة دفعت الأيرلنديين لأن يطلقوا علي أنفسهم "جزيرة الإبداع" لأنهم يهتمون كثيراً بتشجيع قيم الإبداع والابتكار والتحول من الكم إلي الكيف.. ويركزون بشكل خاص علي الصناعات والمجالات التي تحقق أعلي قيمة مضافة..
ورغم كل هذه الأرقام المذهلة التي استعرضناها وتبرز مكانة أيرلندا بين الكبار في العالم.. إلا أنها تأثرت بالأزمة المالية العالمية مثلها مثل سائر دول العالم وإن كانت درجة تأثرها أقل باعتبار أنها تأتي في الصف الأول.. ومع استمرار الأزمة وكثرة وخطورة وتعدد توابعها بدأت أيرلندا تتأثر أكثر وأكثر مما دفعها إلي التفكير في الاتجاه نحو أسواق جديدة واعدة.. ولذلك جاءت زيارة وفد الاتصالات المصري في موعدها المناسب للتسويق والترويج بشكل عملي ومباشر لإمكانيات وفرص الاستثمار في مصر.. والبحث مع صناع النهضة الأيرلندية من حكوميين ورجال أعمال ومستثمرين ومبدعين فرص إقامة شراكة بين مصر وأيرلندا..
يقول د.طارق كامل في هذا الصدد:
نحن بدورنا نبحث عن شركاء جدد ولذلك جئنا إلي دبلن لنستفيد من تجربتهم الناجحة وكيف وضعوا الحوافز لتشجيع صناعة تكنولوجيا المعلومات وكذلك برامج التميز والإبداع والحضانات التكنولوجية.
وأضاف: الأيرلنديون أكدوا في كل لقاءاتهم معنا رغبتهم الجادة في إيجاد أسواق ناشئة وواعدة في إطار سعيهم للخروج من توابع الأزمة الاقتصادية العالمية.. ومصر في مقدمة الأسواق المرشحة للعب هذا الدور في قارة أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط.
أكد الوزير أننا نفتح الباب أمام شراكة جديدة مع أيرلندا.. مثلما فعلنا من قبل مع الهند وهما من أوائل الدول في صناعة التعهيد وحققت أيرلندا بشكل خاص طفرات هائلة في هذه الصناعة الواعدة.. واكد الوزير ان النموذج الايرلندي في مجال تنمية الصناعة نموذج عالمي ناجح قام علي عدة ركائز في تشجيع الصناعة والتنمية البشرية وتحفيز إنشاء شركات جديدة وحضانات تكنولوجية ووضع تكنولوجيا المعلومات كأولوية بالنسبة للحكومة مشيراً الي ان مصر تعتمد علي نفس المقومات لتحقيق نهضة مماثلة في هذا المجال.
وعرض الدكتور طارق كامل أمام تجمعات كبيرة من رجال الأعمال والصناعة في أيرلندا تجربة مصر في مجال تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات والمكاسب التي حققناها من برنامج إعادة هيكلة القطاع لبناء مجتمع المعرفة.. مؤكداً أن مصر بدأت بقوة في استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تحسين مستوي وجودة الخدمات المقدمة للمواطنين تماماً مثلما يحدث في بلدان العالم المتقدمة مع التركيز بشكل خاص علي الخدمات الجماهيرية كالمالية والصحية والتعليمية والبيئية والبيولوجية وهي محاور جديدة تثري التجربة المصرية وتزيد من قوتها وصلابتها.. واستعرض وزير الاتصالات أيضاً عملية التحول في إدارة قطاع الاتصالات والذي كانت تسيطر عليه الدولة حيث كانت المالك والمشغل والمدير الوحيد.. وكيف تحول القطاع من عبء علي خزانة الدولة إلي داعم لها بعشرات المليارات من الجنيهات من عائد رخص الخدمات التي تمنحها الدولة للشركات المصرية والعالمية.
مصر والأزمة العالمية
تطرق د.طارق كامل في حديثه مع الجانب الأيرلندي عن تأثر مصر بالأزمة العالمية وهو أمر طبيعي لأننا لسنا بمعزل عن العالم ومصر جزء من المنظومة العالمية.. تؤثر فيها وتتأثر بها.. ولم يستبعد الوزير احتمال تراجع معدلات النمو لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات خلال عام 2009 ولكنه قال إن هذا التراجع لن يزيد بإذن الله علي 5% فقط ليسجل 15% بدلاً من 20% في أسوأ التقديرات..
وتابع الوزير قائلاً: ومع كل أزمة تتولد فرص وتحديات كبيرة أمامنا ونتابع تأثيرات الأزمة علي العالم كله وقد بدأنا في ضخ استثمارات كبيرة في المشروعات المحلية بهدف الحفاظ علي معدل النمو الحالي أو علي الأقل ضمان تراجعه بنسبة محدودة.. ويظهر ذلك في استثماراتنا في المنطقة التكنولوجية بالمعادي.. ثم في خدمات البرود باند وأخيراً في زيادة عدد المتدربين علي مهارات التكنولوجيا وصناعة الخدمات حيث ندرب 15 ألف شاب سنوياً.. وفي نفس الوقت نتحرك لجذب استثمارات عربية تعوض التراجع المتوقع في حجم الاستثمارات الأجنبية.
.. وأحسن د.طارق كامل في استغلاله وتسويقه للطفرة التي شهدها قطاع الاتصالات المصري في السنوات الأخيرة خاصة حصول مصر علي الجائزة الأولي في صناعة خدمات التعهيد والتي تمنحها الجمعية البريطانية لخدمات التعهيد سنوياً.. وأيضاً معدلات النمو القياسية لخدمات التليفون الثابت والمحمول والإنترنت والتي تعد من أكبر المعدلات علي مستوي العالم.