رشا
عدد الرسائل : 334 تاريخ التسجيل : 28/12/2008
| موضوع: أحزان 'هيصة' الثلاثاء 3 مارس 2009 - 9:06 | |
| هي قطعة من الجنة.. تهدهدها أمواج النيل الحالمة من كل جانب، وتسكنها الفراشات والعصافير الجبلية الرشيقة.. تعزف فوق أشجارها القليلة المتناثرة الهداهد والبلابل كل صباح أنشودة من ألق ونقاء حتي بيوتها الناصعة الألوان تتوزع علي صخور الجبل الصغير في تناسق أخاذ.. يحوطها الهدوء 'الهادئ' لدرجة أنك تستطيع أن تسمع صوت 'الصمت' جمال آسر ونقاء مستحيل، تجده في الوجوه وفي الأشجار وتجده حتي في صخورها البازلتية التي نبتت علي حوافها أشجار الجوافة والمانجو والنخيل.. | إنها 'هيصة' قرية نوبية منسية في قلب جزيرة غائصة في النيل الحنون بين السد العالي وخزان أسوان شأنها شأن الجزر النوبية الصخرية المتناثرة هنا وهناك، وشأنها شأن نجوع الصعيد المنسية دائما.. بلا أمل في غد أو حلم يلوح في الأفق.. ورغم جمال 'هيصة' الأخاذ ورغم طيبة أهلها الذين تعلموا الصلابة من صخرها الذي قاوم الفيضانات عبر آلاف السنين إلا أنها غارقة في الأحزان، لا توجد بها سوي مدرسة ابتدائية بدائية صغيرة، كما لا يوجد بها مركز اسعاف حقيقي فضلا عن حرمانها من الصرف الصحي، والمياه النقية، فهناك محطة مياه صغيرة لا تكفي السكان.. ولأن الزراعات بها قليلة جدا لطبيعة الجبل الصخرية فنشاط السكان الرئيسي هو الصناعات الصغيرة التي تباع للسياح بالإضافة إلي عمل شبابها علي 'اللنشات' التي تستأجرها الشركات السياحية منهم بالملاليم لنقل السياح ونزهتهم التي يدفعون فيها المئات.. ليصبح عائد القرية من السياحة في حال ازدهارها الفتات، وفي حال انحسارها الكساد والبطالة.. إذا مرض أحدهم فعليه أن يعبر النهر باللنش في رحلة تستغرق ساعة تقريبا ليصل إلي أقرب مستشفي في أسوان، كذلك ينقلون حاجتهم اليومية من المياه عبر اللنشات لأن مياه المحطة الصغيرة لا تكفي.. حتي الخضراوات والفاكهة ينزلون أسوان لشرائها هذا إذا اشتروا فاكهة بالأساس. في رحلتي إلي هناك مع فريق الرسامين الذين أوفدتهم قصور الثقافة بتسجيل واستلهام أجواء العمارة الساحرة الجميلة في الجنوب، كان الجميع يحاول التقاط الجمال الجميل المتناثر.. بينما أهل هيصة الذين أحاطونا بكرم جميل.. ينظرون إلينا بعيون حزينة تتساءل: متي نشعر نحن سكان هذه الجزيرة بأننا بشر حقيقيون؟! نفس السؤال الذي أراه مرتسما في عيون سكان النجوع الفقيرة المتناثرة في الصعيد، وأهل الكفور المنسية دائما في الدلتا.. لأجدني اتساءل معهم: متي يشعر أهلنا في بر المحروسة بأنهم بشر يستحقون الحياة؟! هل من مجيب. |
| |
|