لا أريد أن أتوقف طويلا عند مسلسل المهازل التي يودع بها بوش ايامه المعدودة في البيت الأبيض وآخرها ما ابداه من أسف شديد على معلومات المخابرات الخاطئة بأن العراق كان يمتلك اسلحة دمار شامل.
وبناء على هذه المعلومات الخاطئة أقدم على حماقاته في غزو العراق وتدميره فأزهق ارواح مليون عراقي وشرد اربعة ملايين الى خارج العراق وترك مثل هذا العدد من الجرحى والمصابين والمشوهين والمعوقين داخل العراق وفتك بمستقبل هذا البلد العربي الى عشرات السنين القادمة.
تصوروا بعد خراب البصرة وخراب كل العراق يستخف هذا الرئيس الفاشل بعقول الرأي العام العالمي والأميركي على وجه الخصوص ويدعي أن مخابراته اخفقت في العراق وهذا اشد ما يؤسفه في فترة رئاسته.. ألا يثير هذا الندم الكاذب السخرية والاشمئزاز في الوقت ذاته من رئيس أقوى دولة في العالم؟؟ ألا يدعو هذا للضحك وشر البلية ما يضحك؟ ألا ينطبق عليه القول على من تنفخ مزاميرك يا داوود؟؟.
على أية حال، فإن مهازل بوش ومقامراته بمصير أميركا والعالم والتي جلبت افظع الكوارث التي عرفتها البشرية تشكل مادة غنية بالعبر والدروس للإدارة الأميركية الجديدة برئاسة باراك أوباما الذي احدث فوزه الكاسح في انتخابات الرئاسة الأميركية تحولا نوعياً في تاريخ الولايات المتحدة وصدى واسعا في مختلف ارجاء العالم وخصوصا في القارة الافريقية التي يتحدر منها الرئيس أوباما.
والسؤال لماذا هذه الضجة الكبيرة التي لم تهدأ في جنبات القارة الافريقية على اثر انتصار باراك أوباما في الانتخابات الاميركية؟؟.
هل لأنه فقط من اصول افريقية ولون بشرته اسمر؟ وبذلك يدرك اكثر من غيره المظالم التي تعرضت لها القارة السمراء عبر القرون المديدة وهوالآن في موقع القادر على رفع هذه المظالم أو التخفيف من غلوائها على الأقل.
أم لأنه رفع شعار التغيير في حملته الانتخابية والذي يمكن ان يشمل التغيير في السياسة الخارجية وعلى الأخص تغيير السياسة الأميركية تجاه افريقيا التي عانت من سياسات الادارات الأميركية السابقة الأمرّين فازدادت فقراً وجوعاً ومرضاً وحروبا أهلية ونزاعات دموية ودخلت العديد من دولها في متاهات التقسيم والتفكك والتشرذم.
لقد أقام الافارقة في العديد من بلدان القارة الافراح والليالي الملاح بفوز أوباما، وكانت كينيا السباقة في هذه الافراح حتى قبل الاعلان عن نتائج الانتخابات بل كانت ترقص فرحاوطربا لمجرد ترشيحه للرئاسة باعتبار ان والده حسين أوباما قد عاش على أراضيها، ثم انتقل هذا الفرح الى السودان وبالأخص الى جنوبه لأن أوباما ذكر بخط يده في سيرة حياته أن اجداده نزحوا الى كينيا من جنوب السودان، وأقامت الحركة الشعبية بجنوب السودان وهي الشريك الثاني في حكم السودان احتفالات عامرة وغامرة كان اكبرها في العاصمة الخرطوم تحت شعار (أوباما رئيسا فلنحتف بحقوق المواطنة المتساوية والتنوع) باراك أوباما رئيساً!! هل من جديد؟ نعم خطوة على الطريق.. وذلك على خلفية ان والد باراك «حسين أوباما» من قبيلة «ليو» التي يعود اصلها الى منطقة النيل في جنوب السودان قبل أن تهاجر الى كينيا.
وبعد ذلك طالعتنا مقالات عدة تتحدث انه ليس من حق بعض السودانيين وحدهم الفرح بفوز أوباما فعبقرية المكان التي ربما لعبت دورا في تشكيل عبقريته تتسع دائرتها لتشمل كل المطلين على البحر الأحمر لذلك من المحتمل ان يكون جد أوباما السادس أو الخامس عشر قد جاء الى السودان من مدينة جدة أو ينبع أو القنفذة على البحر الأحمر وقد لا يكون أوباما قد انتبه الى هذا التاريخ البعيد، ومهما يكن الأمر على حد قول أحد الجهابذة الصحفيين فإن من حقنا ان نقتسم الفرحة لباراك أوباما مع احبائنا الافارقة كما اقتسمنا البحر الأحمر منذ مئات ا لسنين.
والطريف في أمر هذه الافراح ان الاندونيسيين دخلوا على خط تقاسم أوباما ايضا معتبرين انه ولدهم الذي ترعرع بين ظهرانيهم بعد أن عاش في كنف زوج أمه السيد /لولو سويتورو اربع سنوات بطولها وعرضها على الأراضي الاندونيسية ولذلك من حقهم ان يفرحوا ايضا ويتقاسموا مع الكينيين والافارقة والسودانيين بعضا من أوباما.
نعود الى السؤال الذي طرحناه حول ضجة الافراح التي الهبت بعض المناطق الافريقية بفوز باراك أوباما لنقول ان المماثلة في لون البشرة لا يكفي للافراط بكل هذا التفاؤل والحماس بمقدم رئيس ملون الى البيت الأبيض لان كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية وقائدة السياسة الخارجية في عهد بوش هي من اصول افريقية صرفة ولكنها كانت على افريقيا اشد من تجار الرقيق ومصاصي دماء الافارقة من البيض المستعمرين، كما كان قبلها كولن باول وزيرا للدفاع ثم وزيرا للخارجية لادارة بوش وهو من اصول افريقية ايضا اقسى من أي مسؤول اميركي ابيض على الدول الافريقية وتشهد بذلك زيارته الى اقليم دارفور واعلانه الشهير الذي زعم فيه ان الحكومة السودانية تقوم بجرائم الابادة الجماعية ومطالبته مجلس الأمن الدولي بفرض اقصى العقوبات على السودان وعزله ووضعه على قائمة الدول الراعية للارهاب.
وهل يمكن ان ينسى الافارقة ان من وضع حجر الاساس لتمدد النفوذ الأميركي والسيطرة الأميركية على معظم الدول الافريقية، والحلول محل النفوذ الفرنسي والغربي بشكل عام هو الرئيس السابق بيل كلينتون وخاصة في زيارته الشهيرة الى عدد من الدول الافريقية عام 1998 وكذلك مباشرته لبناء اضخم قاعدة عسكرية اميركية في جيبوتي ثم التخطيط لقيادة عسكرية اميركية مركزية تسيطر على القارة الافريقية عسكريا، وهل هي من باب المصادفة ان يأتي باراك أوباما بزوجة بيل كلينتون، هيلاري كلينتون وزيرة للخارجية متوجة كأقوى مسؤولة اميركية في العهد الجديد باعتبارها المنافسة الأولى له في انتخابات رئاسة الحزب الديمقراطي.
في دول كبرى بل وعظمى كالولايات المتحدة لا تلعب المصادفات دورا كبيرا في السياسة وخاصة الخارجية لانها ترسم من قبل مؤسسات عريقة ومراكز ابحاث متخصصة وذات باع طويل في السياسة الدولية لذلك لا نجانب الواقع والحقيقة إذا قلنا إن هيلاري كلينتون الزوجة قد لا تحيد عن طريق الزوج الرئيس السابق بيل كلينتون في متابعة تنفيذ السياسات الأميركية التي رسموها لافريقيا وغيرها من دول العالم.
ومن دون ان نخطف مشاعر الفرح التي تأججت في بعض المناطق الافريقية على وجه الخصوص بفوز باراك أوباما نقول: ليس محموداً الافراط في التفاؤل ورفع سقف الامال والتوقعات لان صدمة الاحباط ستكون كبيرة جدا في حال حصل العكس.. رغم أننا نتمنى ان يكون أوباما الافريقي على قدر هذه الافراح والامال والتوقعات