افتتح بازار الانتخابات الإسرائيلية وبدأ السباق نحو الكنيست، وبالتالي رئاسة الحكومة، بين الأحزاب الاسرائيلية للفوز بالكعكة الدسمة.
وكالعادة فإن البضاعة الرائجة في مثل هذه المناسبات هي: إظهار العداء السافر للشعب الفلسطيني، وصياغة برامج انتخابية مستمدة من العقيدة الصهيونية العنصرية الإجرامية المستخلصة من عصارة فكر التلمود الذي يعتبر مرجعاً رئيسياً للصهاينة.
فزعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو، الذي للشعب الفلسطيني خصوصاً وللعرب بعامة، تجربة مرّة معه، حشد حوله أشد المتطرفين وأكثرهم كراهية وعداء للعرب والفلسطينيين بحيث نستطيع أن نستنتج خلاصة السياسة التي سينتهجها ـ في حال فوزه كما هو مرجح ـ وهي سياسة أشد إرهاباً وأكثر تطرفاً وعنصرية مما كانت عليه عندما كان رئيساً للوزراء ما بين عامي 1996و1999.
أما تسيبي ليفني زعيمة حزب كاديما فإنها تدخل المزاد بقوة هائلة، وهي لذلك تحاول أن تسحب من حزب الليكود ومن نتنياهو «أوراقه الرابحة» وتزايد على الشعارات والسياسات الليكودية نفسها وتتاجر بها وكأنها تريد أن تبيع الماء «في حارة السّقّايين».
ليفني هذه الطامحة للوصول إلى منصب رئيس الوزراء تجاوزت على ما يبدو كل ما يطرحه اليمين المتطرف وحزب الليكود عندما طرحت فكرة ترحيل فلسطينيي عام 1948 إلى الدولة الفلسطينية بعد إقامتها!.
توجّه ليفني كلامها لفلسطينيي 1948 ـ وأقتبس ـ : «أنتم سكان تتمتعون بحقوق متساوية مع اليهود.. لكن الحل القومي لكم هو في مكان آخر، والمبدأ هو قيام دولتين للشعبين» ـ انتهى الاقتباس ـ هذا الكلام بقدر ما ينضح بالكذب والتزوير المفضوح، هو خطير وخطير جداً.
فالكذب هنا لا يحتاج إلى أدلة وبراهين لكشفه، فالفلسطينيون في فلسطين المحتلة عام 1948 لا يتمتعون اطلاقاً بما سمته ليفني حقوقاً متساوية، فهناك دراسات لا حصر لها تؤكد ـ على سبيل المثال ـ أن راتب عامل أو موظف عربي هو أقل بثلاث أو أربع مرات من راتب نظيره اليهودي.
هذا من ناحية العمل، ولدى الأمم المتحدة ما يثبت ذلك، أما من ناحية «المواطنة» التي ترد عادة على لسان الإسرائيليين فلا وجود لها أبداً، فالفلسطيني صاحب الأرض والوطن منذ آلاف السنين يعامل معاملة مواطن من الدرجة الثانية أو الثالثة، بل إن هناك من يطرح فكرة غاية في العنصرية هي أن تلجأ السلطات المختصة إلى وضع شارات محددة للتمييز بين العربي واليهودي أو أن يجبر الفلسطينيون على وضع لوحات ممغنطة لمعرفة تحركاتهم وسكناتهم.
لذا فإن ادعاء ليفني بأن العرب متساوون مع اليهود في الحقوق والواجبات مجرد كذبة سمجة لا يصدّقها عقل ولا منطق فالوقائع تدحضها وتكشف زيفها.
وبالانتقال إلى الفكرة الأساس، وهي الأخطر، فإننا نظن أنها المرة الأولى التي يكشف فيها مسؤول إسرائيلي رفيع، ومرشح لمنصب رئيس الوزراء، عن خطة لتهجير الفلسطينيين إلى خارج أرضهم ووطنهم.
سبق لأرئيل شارون أن نادى «بالوطن البديل» الذي هو الأردن، وكرر هذه الطروحات مراراً، وسبق لوزراء وأعضاء كنيست أن طالبوا بترحيل الفلسطينيين إلى أي مكان في الدنيا إلا وطنهم، لكن الجديد أن الكلام اليوم يأخذ طابع الجدية والمخطط المبرمج الذي ارتقى إلى مستوى برنامج انتخابي لحزب قد يشكل الحكومة، أو قد يشارك في تشكيل الحكومة، ومعنى هذا أن موضوع «الترانسفير» لمن هم داخل فلسطين المحتلة عام 1948 صار خطة رسمية وضعت على نار حامية، وهي ستأخذ طريقها إلى التنفيذ، وربما في وقت قريب جداً!
وإذا كان الحديث الإسرائيلي اليوم على لسان وزيرة الخارجية يدور عن ترحيل أو تهجير الفلسطينيين إلى «دولة فلسطينية» سيتم انشاؤها ولا أحد يدري أين حدودها، وما خارطتها، فإننا يحق لنا أن نتخيل المستقبل الذي ينتظر الفلسطينيين في حال تم تنفيذ هذا المشروع الشيطاني. إذ سيكون شعب فلسطين بكامله محاصراً ما بين الضفة والقطاع، بما يسهل مستقبلا عملية تصفيته عبر حصار خانق ـ كما هو حاصل اليوم لقطاع غزة ـ أو عبر اجتياحات واغتيالات واعتقالات ما دامت السيادة في الدويلة الفلسطينية الموعودة ستكون لإسرائيل التي يحق لها الدخول إلى «أراضي الدولة الفلسطينية» متى شاءت بذريعة أن أمنها مهدد!.
المشروع الصهيوني ينص على إقامة إسرائيل ليس على كامل التراب الفلسطيني فحسب، بل أيضاً على امتداد أوسع يصل إلى العراق ومصر (شرقاً وغرباً) وبحر العرب (جنوبا) بما يشمل كامل الجزيرة العربية. لذا فإن ما تحدثت عنه ليفني ودخلت من خلاله بازار الانتخابات الإسرائيلية هو ـ على خطورته ـ فصل من فصول إقامة إسرائيل الكبرى التي نحذّر منها منذ سنوات، ولا من مجيب!.
فهل سمع العرب صوت ليفني وأدركوا ما قالته بالأمس؟ أم إنهم لا يزالون ينامون في العسل ويحلمون بالسلام والعيش في بيت واحد مع ذئب مفترس يتحين الفرص للانقضاض على الفريسة؟
كلام ليفني.. هو كلام كل الإسرائيليين.. أكانوا في اليمين المتطرف أم في «اليسار» المتطرف صهيونياً أيضاً ومن دون استثناء.. ومن لا يرى الشمس في يوم صيفي يكن أعمى البصر والبصيرة.. إن لم نقل أكثر من ذلك!!
[img]
[/img]
الرئيسية 
البوابة* 
الأحد 14 ديسمبر 2008 - 4:53