«النساء في أمثال الشعوب... إياك الزواج من كبيرة القدمين» كتاب فريد في بابه صدرت نسخته الإنجليزية عام 2004 في الولايات المتحدة، من تأليف الباحثة الهولندية مينيكه شيبر أستاذة الدراسات الادبية المقارنة بجامعة لايدن الهولندية، وصدرت هذا الأسبوع نسخته العربية عن دار الشروق في القاهرة ترجمة منى إبراهيم وهالة كمال الأستاذتين بقسم اللغة الإنجليزية في كلية الآداب بجامعة القاهرة. والكتاب يمثل ثمرة جهد خمسة عشر عاماً قضتها المؤلفة في تتبع أمثال الشعوب المتعلقة بالمرأة لكشف الملامح المشتركة في صورتها لدى هذه الشعوب على رغم التباعد المكاني والثقافي بينها، ويضم أكثر من 15 ألف مثل شعبي من أكثر من 278 لغة مختلفة تتناول كل صفات النساء الجسدية والجمالية وكل مراحل حياتهن (الابنة والعروس والزوجة والزوجة الثانية والأم والحماة والأرملة والجدة). كما تتناول أفراح وآلام الحب والزواج والحمل، إضافة إلى سلطة النساء ومواهبهن وأعمالهن.
وتتمثل أهمية الكتاب في أنه يتبنى منظورا محددا ألا وهو تتبع الأمثال التي تدور حول النساء علي مستوى العالم، وتقديمها جنبا إلي جنب بما يكشف في معظم الوقت عن أوجه التمييز ضد النساء في الثقافة الشفاهية في كافة أرجاء العالم وبالتالي يمثل هذا الكتاب إضافة في مجال دراسات «الجندر» التي تهتم أساسا بتتبع علاقات القوى بين الجنسين وانعكاساتها في أشكال التعبير الثقافي والحياة اليومية، وهي مسألة بقدر ما تكشف عن أنماط التفكير التقليدية بقدر ما تبين لتلك الأنماط من أثر في تشكيل وصياغة تفاصيل الحياة والصور النمطية والأدوار الاجتماعية المفروضة على المجتمعات على اختلافها والشعوب على تنوعها.وبالتالي يحمل الكتاب بعدا بحثيا قويا من حيث جمع وتصنيف ومقارنة الأمثال من مختلف بقاع الأرض وعلي امتداد الزمان والمكان، كما يتضمن بعدا نقديا يدعو إلي مراجعة لكافة القيم السائدة في المجتمعات ـ كما تعكسها الأمثال ـ فيما يتعلق بصور النساء وأدوارهن في المجتمعات المختلفة.
ويأتي الكتاب أيضا في مجال تتقاطع عنده أفرع معرفية متعددة مثل علم الاجتماع والفلكلور والأدب الشعبي والدراسات المقارنة ودراسات الجندر، كما يمثل بذرة للمزيد من الدراسات الجادة والأبحاث المتخصصة حول النساء وعلاقات القوى بين الجنسية في التراث الأدبي والثقافة الشعبية.
تقول المؤلفة في تصديرها للنسخة العربية: إن قيامنا بتأمل العناصر المشتركة بيننا في عالمنا المنقسم الأليم أصبح أمرا أكثر إلحاحا الآن عما سبق، ومناقشة الرسائل الواردة في الأمثال اليوم من منظور عالمي يقدم لنا نقطة انطلاق ممتازة، لا من أجل كسب فهم أعمق لماضينا المشترك القائم علي التمييز بين الجنسين ولكنها نقطة انطلاق أيضا لرسم إستراتيجيتنا المشتركة نحو مستقبل إنساني عالمي خال من العداوة والقطبية، وهكذا وعن غير قصد يمكن لتراث الأمثال أن يؤدي إلي بناء جسور جديدة من التفاهم المتبادل لا بين الثقافات فحسب بل بين الرجال والنساء عامة، إن كتابي هذا هو خطوة أولى متواضعة في هذا الشأن العالمي المقارن ولابد من المزيد من البحوث في أنحاء متنوعة من العالم.
وتتعرض المؤلفة في سياق رصدها وتحليلها أمام الجنس فتقول: يتضمن الجنس ما هو أكثر من التعبير البريء عن الرغبة الطبيعية للحب، فإلي جانب الشهوة واللذة والمزاح والمتعة، فإن الأمثال التي تتناول الجنس والبالغ عددها ما يفوق ألفا وخمسمائة مثل مما هو متوفر بين يدي، تعكس قدرا من الخوف وعدم الأمان والعجز والغربة والأنانية والغش، ولا يشير الجنس إلي الاختلافات العضوية والوظيفية وحدها بين الرجال والنساء وإنما إلي التزاوج وإلي الحب في جانبه الجسدي بما يتضمنه من عاطفة وتوق.
ومن بين الأمثال التي توردها محللة في هذا الجانب:
قالت المقلاة: "جزئي السفلي مصنوع من ذهب" فأجاب المغراف: "لقد كنت هناك للتو" (أكادي)
عضو الذكورة لا يعرف ما الذي يفكر فيه عضو الأنوثة (إيغبو)
المرأة الحبلي لا تخشي عضو زوجها (أوفومبو)
في الجو العاصف يبدو كل ثقب أشبه بميناء (أسباني)
حتى إذا كان عضو زوجتك صغيرا فسيأتي عليك الفجر وأنت هناك (مينيانكا)
طالما تم ثقب الأذنين يمكن لأي قرط الدخول (كريول، غواديلوب)
ضربات مطرقة أفضل من شكاوى الزوجة في الفراش(عربي لبناني)
المرأة والحصان كلاهما يريد راكبا جيدا (يوناني)
أدخل الخيط في الإبرة الضيقة بهدوء (تايلاندي)
وتقول المؤلفة: يتم النظر إلي النساء باعتبارهن معتمدات علي الرجال اقتصاديا، وباعتبار الرجال معتمدين علي النساء جنسيا، وتعكس الأمثال التي تتناول الحب والجنس العلاقات التراتيبة والصور النمطية الجنسية والمعايير المزدوجة بالنسبة للجنسين والتي يتم تقديم النساء بها كما يبدو للوهلة الأولي بوصفهن موضوعات وضحايا لسلطة الرجل، وطبقا لعدد من الأمثال فإن الرجولة وكون الشخص رجلا حقيقيا لا يعني سوى امتلاكه للمرأة أو بالأحرى لعدد من النساء وليس العكس، ولهذا السبب يكثر تقديم الحب علي أنه عاطفة مخيفة وحفرة مظلمة وبحر يغرقك، وما إلي ذلك.
وترى المؤلفة أن الأمثال تتحدث عن سلطة النساء بأساليب متعددة، من إنكار وجودها أصلا إلي التعبير الصريح عن المخاوف من آثارها المدمرة، إن القاعدة الأساسية بالنسبة للنساء هي عدم الكشف أبدا عن تمتعهن بالسلطة والمعرفة وغيرها من القدرات العقلية أو الفنية غير العادية. وتقول: إن التباهي حق مقصور علي الرجال فقط أو كما يرد في مثل روسي: "المرأة الذكية تمنح الرجل مجدا، أما الشريرة فتنشر الشائعات" وفي الغرب علي وجه الخصوص (وحيثما تزايدت أعداد النساء اللاتي بدأن بالفعل في ارتداء البنطلونات خلال القرن الماضي) نجد الأمثال تستخدم الملابس علي سبيل الكناية عن أدوار ومجالات الرجال، فكلما تزايد ميل النساء الذكيات إلي ارتداء ملابس الرجال كلما ازداد تحذير الرجال من النتائج غير المرعوبة المترتبة علي هذا الميل غير المرغوب فيه.
حيث ترتدي الزوجة البنطلون يغير الزوج الحفاضات (ليتزبورغي)
المرأة المتعقلة تترك لزوجها البنطلون (ألماني ـ هولندي)
أنصت لزوجتك مرة كل أربعين عاما (تركي)
النساء أكثر ثرثرة من الرجال بتسع مرات (عبري)
ثلاث بوصات من لسان امرأة كفيلة بذبح رجل طوله ستة أقدام (ياباني)
الرجل يفكر ويتكلم، المرأة تتكلم ولا تفكر (إستوني)
الكلمات ترتدي تنورات والأفعال بنطلونات (أسباني، المكسيك)
وتكشف المؤلفة عن أن عدم وجود دلائل علي أمثال قاسية عن الرجال لا يعني أن النساء أكثر ملائكية مقارنة بالرجال، كما أنه لا يعني أن النساء لا يحملن آراء سلبية أو يعبرن بمقولات سلبية عن الرجال، ففي حالة ما إذا كانت قد توفرت مجموعة من الأمثال النسائية أو غيرها من الأنواع الأدبية، فقد تعرضت عادة للتغييب والإخفاء من السرد العام والثقافة العامة، ويكاد لم يحدث تجميع لها حتى الآن، إن هذا الوضوح في غياب التوازن ربما يرجع إلي أنه في المجتمعات التي كانت فيها أدوار النساء أو مازالت محددة ضمن إطار النطاق الأنثوي، لم تجرؤ النساء أو لم يسمح لهن بالحديث والتعبير في المجال العام بنفس القدر الذي يتمتع به الرجال، فلجأن إلي الاحتفاظ بآرائهن لأنفسهن أو التعبير عنها، إن لم يكن في الأمثال، فقطعا في الأغاني والحكايات المؤداة داخل مجموعات النساء، وإذا أخذنا في الاعتبار تلك الاستراتيجيات في الإخفاء، فلا عجب أن لتلك الآراء أثرا وتأثيرا أضعف كثيرا من الأمثال التي يتم تواردها .
:
: