داخل شقة متواضعه بالمساكن الشعبية بساقية مكي - كانت الأسرة تنعم بالسعادة والهناء رغم بساطة العيش- الأسطي عبدالمنعم سائق التاكسي المكافح وزوجته أماني وأطفالهما الثلاثة الصغار.. ولأن دوام الحال من المحال كشرت لهم الدنيا فجأة عن أنيابها.. حدث هائل زلزل البيت الهادئ وهز القلوب عندما سقط رب الأسرة إثر أزمة قلبية لم تمهله طويلا.. فارق الحياة وسط ذهول الزوجة وأطفالها الثلاثة. لم تصدق الزوجة أنها صارت وحيدة أمام أعاصير الحياة وقد قسوتها فقد كان الراحل هو السند الوحيد للأسرة، رحل فجأة ولم يترك لهم غير الستر والسمعة الطيبة وثلاثة من الأطفال لم يشبوا عن الطوق بعد فلم يتعد عمر اكبرهم الثماني سنوات. كان الأسطي عبدالمنعم في عداد طائفة الأرزوقية يعمل بقوت يومه كسائق تاكسي لدي صاحبه. لهذا دارت الدنيا برأس الزوجة الأرملة فهي ربة بيت لا تدري عن الدنيا غير شئون بيتها والعمل علي رعاية أطفالها الصغار.. اثنان بالمدرسة الابتدائية وطفل لم يتعد من العمر الثلاث سنوات. عرفت الاحزان طريقها الي قلب الزوجة الملكومة، فاختل ميزان بيتها وبقي الخيار الصعب وهي لاحول لها ولا قوة والمواجهة صعبة وقاتلة أمام متطلبات بيتها وأطفالها الصغار، اسودت الدنيا في عيني الأم واختلطت الحسابات في رأسها، وكأنها تعيش كابوساً مزعجا حتي توصلت إلي فكرة راودتها للخلاص من الموقف الصعب الذي أوقعها فيه حظها العاثر، تخيلت أنه السبيل الوحيد لتدبير نفقات بيتها، ولماذا لا تخوض تجربة البيع والشراء في سوق الملابس الجاهزة والبطاطين والأجهزة الكهربائية، علي أن تكون البداية بشراء بضائعها من باعة الجملة بنظام التقسيط المريح والمعروف التزامهم باضافة فوائد تصل نسبتها الي 40٪ مع التوقيع علي شيكات وايصالات امانة لضمان حقوقهم.. وفور الحصول علي البضائع تبادر ببيعها لزبائنها من الجيران علي أن تتقاضي الثمن نقدا تتدبر به نفقات بيتها..!! لم تتردد أماني راحت الي تجار الجملة وحصلت علي بضائعها ووقعت علي الشيكات وايصالات الأمانة وانتعش حال بيتها واعتدل ميزان البيت.. خمس سنوات من الرخاء الي أن افاقت فجأة علي الكارثة عندما حوصرت بالدائنين وأدركت الخطأ في حساباتها!! انساها المال منطق السوق دون وعي بالعواقب الوخيمة التي تتربص بها!! راح الدائنون يدقون ابواب بيتها ليل نهار ويتهددونها بالسجن، وعندما حاولت تدارك الموقف كان الأوان قد فات لتكتشف أنها مدينة لأصحاب البضائع بما يقرب من الـ 400 الف جنيه بينما هي لا تحتكم الا علي بضع مئات من الجنيهات فأدركت أنها لا محالة سوف تدخل الي السجن فهي في مواجهة احكام قضائية تقضي بحبسها عشرات السنين.. وذات صباح استيقظ اطفالها الثلاثة من نومهم ولم يجدوا للأم أثرا بالبيت، وطال انتظار الأولاد لعودة الأم دون جدوي، خرج الصغار يبحثون عن الأم يشاركون البعض من الجيران ولم يجدوا لها أثرا -راحوا يجوبون المنطقة والمناطق المجاورة والمستشفيات وأقسام الشرطة وكأن الارض انشقت وابتلعتها.. مرت الأيام والشهور حتي اكتمل العام وصار الاطفال في مهب الريح محمد عبدالمنعم 15 سنة بالسنة الثالثة الاعدادي وصبحي 14 سنة بالثانية الاعدادي ثم صغيرهم شافعي 10 سنوات بالرابع الابتدائي - وكانت عناية الله معهم لم ينحرف الصغار، بات كبيرهم محمد هو رب الأسرة بينما لم ينقطع عن مواستهم يوما بل صار متفوقا بين زملائه، لم يستسلم لنوايا قرناء السوء ولا يعلم غير الله كيف تدبر الصغار أمور بيتهم في غياب الأب والأم ولم تنقطع مساعدات الجيران وجميعهم من بسطاء الناس، تجلي التكافل الاجتماعي حتي أن جارتهم عزة محمد علي التي تعمل محامية راحت تبذل الجهد في محاولة للدفاع عن الزوجة الهاربة لمحاولة جدولة ديونها حتي فوجئت بالحقيقة المرة - الأم أماني عبدالله تواجه 15 حكما قضائيا بالحبس لما يزيد علي الـ 20 عاما في شيكات بدون رصيد، بينما الأطفال في مهب الريح امام تزايد متطلبات البيت وضيوف غير مرغوب فيهم من رجال تنفيذ الاحكام بقسم الجيزة لاينقطعون عن دق بابهم بينما الصغير شافعي يتساءل امام كل من يقابله والدموع في عينه ماما فين يا عمو... أنا خايف تكون ماما راحت لبابا ومش راجعة تاني .