أذرع غرفتي في البيت ذهابا وجيئة ؛وقد استغرقت في تفكير شديد والساعة تدق نصف الليل حينما رن هاتفي ؛مش معقول أنها "بنت مصر"ينبعث أثير صوتها من أم الدنيا جمهوريةمصر العربية تسألني بقلق :
-هل أنتي باحتياجي ؟
*شعرت بالدهشة فقد كنت أفكر فيها طول الوقت ؛وكنت على وشك ان اكلمها ؛صارحتها بالحقيقة فابتسمت .....
-هذا معناه أن هناك اتصال أفكار بيننا ؛لقد أصبح وسيط روحي بيننا هذا تقدم نحسد عليه وضحكت ...
وسيط روحي ؛ لكن من الملاحظ أن هذه المصادفة تتكرر كثيرا في حياتي؛ بدرجة ينفيها قانون المصادفة نفسه ..وأنتي تعرفين ان علم النفس اعترف بهذه الظاهرة وادخلها في عداد ظواهره العلمية تحت اسم (التيليباثي ).
الروح في العادة تقوى بمرور الزمن ولا تضعف لأنها تزداد نضجاً ؛الحب يؤدي إلى اندماج روحين في روح واحدة ....
فيكون عذاب الأرواح المنافقة بافتضاحها وعذاب الأرواح المتكبرة بهوانها امام من كانت تحقرهم ؛وعذاب الأرواح الأنانية بحياتها في وحدة حيث لا تجد أحدا يعني بأمرها او يفكر فيها ؛وبعض الأرواح المخطئة تشعر بالنور الباهر كأسياخ من حديد تخترقها وتغشي بصرها وبعض الأرواح تعيش في نيران حقيقة ..ولكن عذاب الأرواح غالباً عذاب موقوت محدود له آخر وهو ينتهي في العادة لحظة يقظة الروح وندمها واكتشافها لجهالتها وترديها في تلك اللحظة تخف أثقالها وترتفع ذبذبتها فتحلق إلى عالم أجمل وأكمل .....
*صدقيني أن لنا أجنحة خفية ؛في عقولنا وأرواحنا ...........
-سوف تتعبين نفسك كثيرا يا صديقتي ...فأنا فقد ارحت نفسي من كل هذه الفروض انا بشر من لحم ودم وحواس ولا شيء حقيقي سوى الواقع اليوم ي الذي اعيشه ....
فكري قليلا ان كل ما قلته لك صحيح وهو المعقول بعينه ..كل ما في الامر انك يجب ان تطرحي عنك التفكير العادي والمبتذل والمألوف وتفكري بعمق ..بعمق طفل ينظر الى الدنيا من جديد ..
*بعمق طفل ؛لقد قلتيها ..
-اننا ما زلنا في طفولة الفكر ؛صدقيني وهذاالنضج الذي تصوره لكي تصرفاتي هو نضج زائف ....
*اعتقد ان هذا الكلام يضع نهاية واضحة لحديثنا ....
لقد اسهرتك اكثر مما ينبغي هذه الليلة ..لقد فات موعد نومك بكثير ...أستأذنك ..أرجو لك نوما طيباً ...
أغلقت هاتفي وبقيت وحدي في الغرفة مع القمر ؛والصمت ؛والظلام ؛وحفيف الأغصان في الحديقة وتسللت إلى مفاصلي رعدة ...
إن في جو الزقازيق__ شيئا لا يمكن أن يوصف ؛أو لعله الوهم ..وهم الأحاسيس الغريبة التي اشعر بها ...فها هو قمر مثل كل الأقمار ؛وحديقة مثل كل الحدائق ..وليل مثل أي ليل في الدنيا ؛وغرفة مثل كل الغرف ؛وإنما الذي يختلف هو عقلي الذي فقد وضوحه واتزانه ...
تمددت في فراشي وعيني إلى النافذة ؛استأنس بضوء القمر ؛وسرى الخدر في عقلي؛ والتنميل في أطرافي؛ وشعرت أني أموت من التعب والإرهاق؛ وطول التفكير ؛وان رأسي بها ثقالة من حديد وانها تتضخم ..وتتضخم... واني لا استطع رفعها من الوسادة ؛وان أطرافي تتيبس وتتخشب فلا استطيع لها حراكاً .....