جملة “الضرب في المليان” لم نكن نسمعها إلا في الأفلام المصرية منذ ما قبل دخول الألوان السينما ، فقد كان واردا في كل فيلم أن يصرخ ممثل ما وهو شاهرلمسدسه ويقول ” مكانك وإلا حضرب في المليان ” فيقف الآخر مستسلما أو يهرب معرضا نفسه للخطر . لكننا صرنا نرى هذه الجملة اليوم في البحرين مجسدة على أرض الواقع وبكل الألوان حتى بتنا لا نستغرب أن نرى أو نسمع عن شخص ما أصيب بطلق ناري في عينه مرسل من شرطة الشغب أو عن شخص ما أصيب بحروق نتيجة مهاجمة سيارته بزجاجات المولوتوف الحارقة .
هذا يعني أن الطرفين (الشرطة والناس) صارا يضربان في المليان وهو ضرب نتيجته معروفة ، فالذي يفقد عينه بسبب تصرف طائش لشرطي لن يتمكن من استردادها والذي يفقد أي عضو من جسمه بسبب تصرف طائش من مشارك غاضب في اعتصام أو مظاهرة لن يتمكن من استرداده ، فلا الشاب البحريني الذي أصيب بطلق ناري في عينه في اعتصام سترة سيعود نظره كما كان (هذا إذا لم يفقده بالمرة ) ولا المقيم الباكستاني الذي هوجمت سيارته بالمولوتوف في مدخل المعامير سيعود جلده كما كان .
الضرب في المليان لا داعي له في مناوشات كالتي تحدث في بلادنا خاصة وأنه يمكن تفادي الجزء الأعلى من الجسم ، وبالتأكيد فإن إطلاق الشرطة الرصاص أو مسيلات الدموع على أي تجمع سواء كان مرخصا وتوسطته أعمال فوضى أو غير مرخص يراد منعه لا مبرر له حيث يمكنهم بكل بساطة استهداف الأرجل إذا كان ولا بد ، ولو أن استهداف الأشخاص في مثل هذه التجمعات أمر غير مناسب باعتبار توفر وسائل أخرى لا تؤدي إلى القتل أو إحداث العاهات كرش المحتجين بالماء حتى لو كان ساخنا لأن هدف فض التجمع سيتحقق في كل الأحوال .
بالمقابل فإن استهداف المحتجين للشرطة وللأبرياء من المقيمين بتوجيه ضربات قاتلة إليهم سواء بزجاجات المولوتوف أو الأسياخ أو بأي وسيلة أخرى أمر غير مناسب خاصة وأنه لا يمكن التحكم في مثل هذه الوسائل ليتم توجيهها إلى الجزء الأسفل من الجسم .
الواضح إذن أن الطرفين يلجآن إلى استخدام وسائل قد تؤدي إلى القتل لكنها في أبسط حالاتها يمكن أن تؤدي إلى عاهات مستديمة لا يمكن نسيانها أو مسامحة مرتكبها فتخلف من الأحقاد الكثير . فهذا الشرطي الذي أخذه الحماس أو انقاد إلى سوء تفكير في لحظة معينة ربما يودع هذه الدنيا بعد حين أو يودع هذا البلد لكن الأثر السيئ الذي يتركه في النفوس سيظل طويلا وهو أثر لا يقتصر على المتضرر المباشر فقط ولكنه ينصرف إلى كل أهله وأصدقائه ومحبيه ويفيض من ثم بالحقد على الحكم وعلى الحياة . والأمر نفسه يحدث مع المتضرر من اعتداءات بعض المشاغبين حيث لا يقتصر الأثر على المتضرر ولكنه ينصرف إلى أهله وأصدقائه ومحبيه .. وربما المنتمين إلى مذهبه أو دينه .
هذا يعني أننا بتنا نعاني من تصرفات رعناء تصدر عن أفراد غير مسئولين من هذا الطرف أو ذاك لا يمكن القبول بها لأنها تترك آثارا سلبية على حياتنا جميعا وبالتالي صار لزاما اتخاذ قرار بوضع حد لهذه التصرفات سواء صدرت بشكل منظم وحسب أوامر واضحة أو بشكل فوضوي وقرار فردي تحكمه اللحظة .
لا بأس من شيء من كر وفر و”رشة إثارة” إن كان ولا بد ليشعر كل طرف أنه “حقق انتصارا” ولكن ينبغي التحكم في المسائل بحيث لا تصل إلى مرحلة الضرب في المليان .إن صوت رصاصة تطلق في الفضاء من شأنه أن يفض تجمعا ويخلف من الإصابات الكثير بسبب التدافع ورد الفعل المنعكس ، كما أن دخان قذيفة مسيل للدموع واحدة تقذف إلى الأعلى لتهوي بفعل الجاذبية الأرضية يفعل الكثير لتخريب أي تجمع وفضه ، وبالتأكيد فإن لدى المحتجين دائما الوسائل التي يمكن أن تحل محل المولوتوف والأسياخ والحجارة وغيرها .
من المهم ألا ينجرف الطرفان نحو الإحساس بأنهما في حالة حرب حيث يجوز لهما استخدام ما يشاءان من أسلحة ووسائل قتل وفتك حتى تلك المحرمة دوليا ،وبالتأكيد فإننا في البحرين لسنا في حالة حرب وبالتالي فإن استخدام الأسلحة والطرق التي تفضي إلى الموت أو تتسبب في عاهات دائمة أو مؤقتة أمر غير مبرر ويمكننا عدم التورط فيه ، وهذه المسألة في اعتقادي لا تحتاج إلا إلى قرار من ذوي القرار بالركون أولا إلى العقل والحكمة ثم بتنفيذ ما يوصي به العقل و الحكمة من قرارات بعيدة تماما عن أسلوب الضرب في المليان .
في الفترة الأخيرة ازدادت الحالات التي تعرض أصحابها إلى أذى جسدي فظيع بسبب فعل طائش أو قرار غير حكيم خسر بعضهم أو كاد عينه التي هي من أعز ما يملك الإنسان (فالعين ” مو طربقة”) أو خسر أو كاد أعضاء أخرى لا تفضي به إلى الألم الوقتي فقط .
هذه دعوة صريحة إلى وزارة الداخلية لاتخاذ قرار بمنع شرطة الشغب من توجيه فوهات بنادقهم أيا كان فيها (مسيل دموع أو رصاص مطاطي أو غير مطاطي ) مباشرة إلى المحتجين أيا كانت أسباب احتجاجاتهم وظروفها وحصر الهدف في إحداث إعاقة ظرفية تؤدي إلى إنهاء التجمع . كما أن هذه دعوة صريحة إلى المعنيين بتنظيم الاحتجاجات بأنواعها للابتعاد عن العنف وعدم استخدام أدوات ( زجاجات مولوتوف حارقة أو أسياخ حديد أو حجارة وغيرها ) قد تفضي إلى القتل .
ليبتعد الطرفان عن أسلوب “الضرب في المليان ” ولنكتفي بسماع جملة “حضرب في المليان” في الأفلام المصرية التي تعودنا عليها أو في المسلسلات التركية التي بدأت تغزو المنطقة ولا تخلو من مثل هذه الجمل ومن الأسلحة بأنواعها.