"جواز رتق غشاء البكارة لمن زالت عذريتها واشتهرت بالزنا ولم يعد لإصلاح سمعتها والستر عليها سوى رتق عذريتها"، هذا موجز فتوى الدكتور عبد الله النجار عضو مجمع البحوث الإسلامية التى نشرت على موقع اليوم السابع يوم الجمعة الماضى، وأثارت جدلا كبيرا بين العلماء بين مؤيد ومستنكر بشدة، فالدكتورة سعاد صالح دافعت عنها بكل ما أوتيت من قوة من خلال تصريحها لقناة الحياة اليوم، بأنها ستتبرع بكل ما تملك لصالح عمليات الترقيع، وأنها استشارت عددا كبيرا من علماء المسلمين وأجمعت هى ود. النجار أنه لا يوجد ما يحرم ذلك شرعا. وهذه ليست المرة الأولى التى يثار فيها مثل هذا الموضوع، حيث أطلق الدكتور على جمعة مفتى مصر، نفس الفتوى فى برنامج "البيت بيتك" منذ عامين، مجيزا ترقيع غشاء البكارة للنساء اللاتى فقدن عذريتهن لأى سبب كان قبل الزواج.
وإذا كان العلماء الأجلاء يرون ذلك من باب الستر، فاعتقد أن الكثيرين يشاركوننى الرأى فى أن هذا من الممكن أن يكون سترا فى حالة المغتصبة أو التى فقدت عذريتها بسبب حادث، لكنه يصبح له مسمى آخر لمن ارتكبت هذا الخطأ بمحض إرادتها، وغير مقبول إطلاقا لمن احترفت البغاء!
وإن كان لم يعد هناك ما يثير دهشتى فيما يخص الفتاوى الدينية، حيث أصبحت على كل شكل ولون، وأصبح مجال الفتوى مفتوحا أمام الجميع سواء كان مؤهلا أم لا، وساعد على ذلك انتشار الفضائيات، وخاصة التى تطلق على نفسها "فضائية دينية". لكن أكثر ما يثير دهشتى لماذا يسمح الشعب المصرى لنفسه بأن ينشغل بمثل هذه القضايا الفرعية التافهة، وينصرف عن مناقشة وإيجاد حلول للأزمات الطاحنة التى تمر به. وما جدوى عملية "الترقيع" فى حل أزمة البطالة أو الأزمة الاقتصادية أو فى القضاء على الفساد أو المشاركة فى الحياة السياسية أو إصلاح التعليم....
لكن هذه الفتوى تكشف إلى أى مدى يتمتع مجتمعنا بالسطحية والمظهرية ليختصر معنى الشرف فى غشاء قد تولد الفتاة من دونه أو يكون من النوع المطاطى لا يتمزق عند ممارسة الجنس. والقصور ليس فقط فى تفسير معنى الشرف الذى هو فكر وممارسة، ويجب أن يطبق على المرأة مثل الرجل الذى من وجهة نظرى يفقد هو الآخر عذريته عند ممارسته أول علاقة غير شرعية، لكن لحسن حظه لا يحتاج إلى "ترقيع"، لكنه يمتد ليشمل كل ممارسات مجتمعنا "اللى بوشين". فالازدواجية هى الصفة الغالبة على كل تصرفاتنا حيث يبيح الرجل لنفسه كل شىء ويحرمه على المرأة، وهو نفس الرجل الذى يقبل الزواج من أجنبية غير عذراء ويرفض الزواج من فتاة مصرية فقدت عذريتها حتى لو كان ذلك على سبيل الخطأ أو بسبب حادث اغتصاب، وهو نفس المجتمع الذى توجد به غالبية عظمى من المحجبات وتنتشر به الرذيلة والزواج العرفى ويباح فيه "ترقيع" الفتاة لسترها.
وهو نفس المجتمع الذى يمارس فيه الرجل كل أنواع الفساد خارج منزله وفى داخله يفرض الحجاب على نسائه، ويرتدى ثوب الفضيلة مستكملا كل أدواتها من سجادة صلاة وسبحة و"زبيبة" تعلو جبهته، ولا تكتمل تقوته طبعا إلا بأداء صلاة الجمعة فى المسجد والعمرة كل عام، "وهو حر فى اللى يعمله" خلف الأبواب المغلقة.
ومجمعاتنا الشرقية مهووسة بالجنس وبكل ما يتعلق به حتى فتاوانا الدينية تكون فى معظم الأحيان منصبة على هذا الموضوع، ونادرا ما تكون فتاوى لها علاقة بجوهر الدين أو الحياة التى نحياها، فكل اهتمامنا ينصب على تغطية المرأة حتى لا تثير شهوة الرجال والفصل بين الرجال والنساء فى الأماكن العامة والجدل الذى يبرز بين وقت وآخر حول مشروعية الزواج الثانى من عدمه، كأن كل مشاكل الشباب الاقتصادية قد وجدت حلا ولم تعد هناك مشكلة سوى ملله من زوجة واحدة ورغبته فى التعدد!
والازدواجية لا تمارس من قبل الرجل فقط، ولكن من قبل المرأة أيضا التى تغض البصر عن علاقات زوجها غير المشروعة وتقيم الدنيا ولا تقعدها إذا تزوج فى الحلال! والسيدات والفتيات اللاتى يرتدين الحجاب وسلوكهن أبعد ما يكون عن الدين الصحيح.
ولكنه مجتمعنا الذى يمارس الإزدواجية فى كل تصرفاته، يفرض على الفتيات مثل هذا السلوك الخادع ويدفعهم للترقيع. ويجب أن نجيب على عدة أسئلة أثارتها هذه الفتوى، مثل: هل غشاء البكارة هو الدليل الوحيد على عذرية الفتاة أو هل يصح أن يكون مفهومنا للشرف مقصورا على وجوده من عدمه؟ وهل يصح المساواة بين الفتاة التى حافظت على شرفها أو التى فقدته رغما عنها، وبين التى فرطت به ثم أجرت جراحة؟
وإذا كانت هذه الفتوى من باب الستر ألم يفكر علماؤنا الأجلاء ماذا سيحدث لو انفضحت هذه السيدة بعد الزواج وتكوين أسرة؟ وألم يفكر العلماء ما هى القيم التى ستغرسها التى احترفت الزنا فى أطفالها؟ وهل تصلح لتربية جيل المستقبل؟ وإذا أرادت التوبة فممن تطلبها؟ من المجتمع أم من الله سبحانه وتعالى؟ والله أعلم و"لسة يا ما هنشوف"