هل ستقايض أمريكا الدرع الصاروخية وجورجيا وأوكرانيا بشراكة مع روسيا؟

هل ستقوم أمريكا بمقايضة الدرع الصاروخية وجورجيا وأوكرانيا مقابل شراكة مع روسيا؟

تتسائل صحيفة "إزفيستيا" الروسية في مقالة نشرت يوم 18 مارس/آذار

وقع على طاولة الرئيس الامريكي باراك أوباما تقرير هام قد يؤدي في حال تطبيقه إلى تغييرٍ جذري في موقف الولايات المتحدة من روسيا.

وقد تم إعداد التقريرالذي يحتوي على 30 صفحة في أعقاب زيارة أخيرة قام بها الى موسكو وفد امريكي مكون من كبار المسؤولين والمتخصصين في العلوم السياسية وخبراء في مجال الامن واعضاء في اللجنة البرلمانيةً الأمريكية الخاصة بدراسة السياسة إزاء موسكو، والتي تمثل الحزبين الجمهوري والديمقراطي. وترأس الوفد العضوان الاسبقان في مجلس الشيوخ الامريكي هاري حارت وتشاك هيغل. والى جانبهما زار موسكو برينت سكوكروفت المستشار الاسبق للرئيس الامريكي في شؤون الامن وريتشارد بيرت النائب الاسبق لوزير الخارجية الامريكي وغيرهما من المسؤولين المعروفين. وتم استقبالهم على مستوى رفيع، فتُوجت الزيارة بلقائهم مع الرئيس الروسي دميتري مدفيديف، بحضور وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. كما أسفرت تلك الزيارة بصدور 19 نصيحة للرئيس باراك اوباما حول كيفية معاملة موسكو.

وينطلق معدو التقرير من أن روسيا لا تعد بلدا معاديا للولايات المتحدة، ولا تسعى للمجابهة مع واشنطن، وحتى لو كانت تسعى لذلك فليس لديها - في ظل الأزمة الاقتصادية - ما يكفي من الموارد لخوض حرب باردة جديدة. زد على ذلك ان الكرملين يميل حاليا الى التعاون مع الغرب أكثر مما كان الامر عليه منذ عدة أشهر. ويدعو البرلمانيون الأمريكيون إلى الاستفادة من هذا الظرف والعمل على إشراك روسيا في حل مشكلتي العراق وأفغانستان، بالإضافة إلى التعاون معها في مواجهة الأزمة المالية العالمية.

وسبق ان صدرت عن واشنطن دعوات كهذه. لكن الامر لم يوضع موضع التنفيذ. لماذا؟ - يكمن السبب الرئيسي في ان الأمريكيين يصيغون رغباتهم بكل دقة وخاصة فيما يتعلق بالتعاون في موضوعي أفغانستان وإيران، لكنهم لا يَعرضون شيئاً في المقابل. وجاء التقرير الصادر عن لجنة الحزبين الجهوري والديمقراطي على هذا المضمار بمثابة كلمة جديدة للدبلوماسية الامريكية. ويقترح على موسكو لاول مرة خلال السنوات الطويلة ليس بانذار أخير ورزمة من المطالب، بل الحوار في شتى المجالات. وتعرب واشنطن عن استعدادها للاصغاء الى حجج تقدمها موسكو والاخذ بالحسبان مواقفها.

ولم يتجاهل معدو التقرير بعض المواضيع المؤلمة التي تسمم علاقات موسكو وواشنطن في الاونة الاخيرة ، وهي بالدرجة الاولى محاولات لضم أوكرانيا وجوريا الى الناتو. ويدعوالتقرير المذكور باراك أوباما إلى التريث في الاسراع بانجاز هذه العملية والاعتراف ان كييف وتبليسي غير جاهزتين للانضمام الى حلف شمال الاطلسي. والموضوع المؤلم الاخر هو نشر عناصر الدرع الصاروخية في بولندا وتشيكيا. ويرى معدو التقرير ان هذه القضية لا بد من النظر فيها بطريقة جديدة او بالاحرى إشراك موسكو في إنشاء الدرع الصاروخية او ايجاد حل أمثل، وهو تشكيل منظومة موحدة من شأنها ان تضم المشاريع والمعدات الروسية. ألم يطرح الرئيس بوتين فكرة كهذه الى جورج بوش الابن في زمن رئاسته؟ وقد أهملت الرئاسة الامريكية السابقة هذه المبادرة الروسية. فكيف سيتصرف اوباما؟

هذا وقد نصح معدو التقرير الرئيس أوباما بمطالبة الكونغرس الامريكي بإلغاء تعديل "جاكسون- فينيك" بصفته إحدى مخلفات الحرب الباردة السوفيتية الامريكية.

وبين 19 نصيحة ثمة تلك التي من المشكوك فيه أن تروق للكرملين. ومن ذلك مثلاً اقتراح بتأييد جهود الأوروبيين الرامية إلى تنويع مصادر الغاز لتجنب الاعتماد الكلي على الغاز الروسي. وكان من السذاجة توقع عدم ذكر هذا الموضوع بعد وقوع النزاع الروسي الاكراني في مجال الغاز الطبيعي.

ويمكن وصف هذا التقرير بانه إيجابي وبناء بشكل عام، ومن شأنه، إذا وُضعت أفكاره موضع التنفيذ، أن يضمن "إعادة الإقلاع" بالعلاقات الروسية الأمريكية، كما سبق أن دعت إلى ذلك وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون.

وهناك سؤال مهم – هل ستصغي الادارة الجديدة الى أراء طرحها حارت وهيغل وغيرهم او سيصدر بعد فترة تقرير بديل تقدمه الى أوباما كتلة اخرى تقترح باتباع طريقة اخرى، وهي إقصاء روسيا عن مجموعة "الدول الثماني" وزيادة الضغط السياسي والاقتصادي عليها والمراهنة على "الديمقراطيات الفتية" في كييف وتبليسي وتقدم الناتو الى حدود روسيا؟ او بالاحرى صيغة جديدة لسياسة جورج بوش الخارجية. وقد تأكد العالم من آثار قد يسفر عنها تطبيق مثل هذه الاستراتيجية من قبل المحافظين الجدد الامريكيين. هل سيربح أوباما وهو يسير في هذا الطريق؟

هذا الموقف لن تتم الاستعانة به بصيغته المطروحة أبدا

فقد صرح فيودور لوكيانوف رئيس تحرير مجلة " روسيا في السياسة العالمية" لصحيفة "إزفيستيا" بان الموقف الوارد في التقرير أكثر حكمة ورشدا مما كان يتوقع ان يصدر عن أية كتلة أمريكية. وجمع التقرير بين ممثلين عن أكثر المدارس واقعية وموالاة لروسيا ضمن مجتمع الخبراء الامريكيين. وتكمن الحقيقة ليس في ان هؤلاء الناس يحبون روسيا. بل انهم يرون انه على أمريكا ان تتخذ موقفا براغماتيا من حل كافة القضايا. وتعارض أراءهم موقف الادارة الامريكية السابقة الذي كان يجمع بين القوالب الايديولوجية والغطرسة وإهمال أهمية روسيا الواقعية. ومن المهم مبدئيا ان معدي التقرير ينصحون بتخليص الاجندة من المسألتين اللتين تزعجان موسكو، وهما توسع الناتو في المجال السوفيتي السابق ونشر عناصر الدرع الصاروخية في أوروبا الشرقية. غير ان هذا الموقف يعد أحد المواقف المقترحة على الادارة الامريكية الجديدة. ولن يستعان به بصيغته المطروحة أبدا. وجدير بالذكر ان سياسة الولايات المتحدة في اي اتجاه كان، بما في ذلك الاتجاه الروسي، تجمع بين مؤشرات كثيرة. وحتى لو وافق أوباما وهيلاري كلينتون وغيرهم من المسؤولين المعنيين على استنتاجات خرج بها الخبراء فانهم سيضطرون الى وضعها ضمن الغلاف الايديولوجي الذي يمكن ان يقبله الرأي العام الامريكي، لئلا يتصور ان الادارة الامريكية تتنازل. ويكفي ان في أمريكا ساسة، لا سيما ضمن الجمهوريين، ينتظرون حلول لحظة ليتهموا أوباما بانه يظهر ضعفا.