إذا قارنّا بين الماضي والحاضر وبين الجيل الذي انقرض من قدموا لنا نموذج الأم المصريه القدوة والقيمة وبين الجيل المعاصر، وجدنا بينهما فرقًا شاسعًا وبوناً بعيدًا، وجدنا أنَّ تحوّلات جذرية وعميقة طرأت على السينما المصرية ، وهي تحوّلات شملت المجتمع بجميع نواحيه ، فأثرت على صناع الأفلام ليقدموا لنا أما مشوهة.
لعل النموذج المثالي للأم المثير للفخر قدمته الفنانة فردوس محمد، حيث كانت في غالبية أدوارها تحرص على راحة أبنائها، وتساهم في كسب الأسرة والزوج لقوت يومها. وإذا كنا قد رأينا نماذج أخرى لشخصية الأم المتميزة كما قدمتها علوية جميل وزينب صدقي ومديحة يسري وناهد سمير وإحسان القلعاوى وأخر الأمهات المصريين كريمه مختار، إلا أن أمينة رزق كانت نموذجاً متفرداً للأم المصرية الصامدة التي تقف بصلابة في مواجهة المحن، وتمسك بزمام الأمور ومن منا ينسى دورها في رائعة عميد الأدب العربي طه حسين «دعاء الكروان» عندما حولها المخرج هنري بركات إلى فيلم سينمائي، أو فيلم «بداية ونهاية» الذي يعتبر من علامات السينما للمخرج المبدع صلاح أبو سيف ، فها هي الأم أمينة رزق التي تواجه العواصف لكي تحمي العائلة، وما يفطر القلب شخصيتها في فيلم سعيد مرزوق «أريد حلاً» والسنوات التي تنفقها مترددة على المحاكم، من أجل نفقة لا تحصل عليها أبداً.
بعد ذلك اختفت الصورة الحقيقية للأم المصرية على الشاشة، وظهرت بدلاً منها صورة مشوهة لأم غريبة الملامح، سوقية الألفاظ، لا تشبه الصورة المشرفة التي قدمتها السينما من قبل، فلم تعد الأم الحالية تشبه أمينة رزق في قلة حيلتها، أو فردوس محمد في طيبتها، أو ماري منيب بمقالبها الطريفة، أو نعيمة الصغير بعصبيتها، أو هدى سلطان بإشراقتها، أو كريمة مختار بتلقائيتها، واستولت على أدوار الأم مجموعة من الكومبارسات بأدوار هامشية ساذجه( كرتون) أو نجمات قدموا لنا الأم المصرية فى صورة مصنوعة من أجل العرض التجارى فقط ، فهن فولاذيات أحيانا ومنحرفات فى أغلب الأحيان.
الحقيقة أن الأم العاملة الصحفية والطبيبة والمدرسة والمهندسة ليست كما تقدمها نجماتنا العواجيز المراهقات ، فقد فشلن في نقل صورتها الحقيقية والواقعية للأم و أظهرنها بصورة سلبية للغاية وكأن اهتماماتها تتركز في الشكل الخارجي لها من تسريحة شعر وموضة وماكياج دون أن تعتني بالجوهر أو المكانة الاجتماعية والوظيفية ، وهذا هو الغزو الفكرى وتثبيت الصورة الذهنية للأم الحديثة التى تصنعها الآله السينمائية التى لا تبرز الدور الحقيقي للمرأة الكادحة والفلاحة والعاملة وكذلك المثقفة والتي كرمها الله لتساهم بصورة فعلية وأساسية في تربية أولادها أو تنمية المجتمع.
رحم الله أمهات السينما المصريه وأدام أعمار أمهاتنا الحقيقيات.. وماما نونا وصرف عنا عواجيز السينما المتصابيات.