خالد عبد القادر شاعر شاب يكتب بريشة فنان
لا أقولُ :
يداى ترتجفانِ،
أو جسدى ينازعنى ويعْرقُ دمعَهُ،
ويضيقُ عنّى.
لا أقولُ :
حرارتى انْخفضتْ،
فسيَّجَنى الشتاءُ؛ شتاء يونيو.
لا أقولُ :
حرارتى ارتفعتْ،
فأشعلتُ السجائرَ باحتكاكِ يدىَّ
واحترقَ السريرُ.
ولا أقولُ :
أصابنى الهذيانُ،
وانشغَلتْ ظلالُ الليل عنّى
بالحديثِ عن المريضِ.
ولا أقولُ :
مرضتُ بالحُمَّى،
فأزْمَنَنى المُسكِّنُ
والمُنوِّمُ
والمخدِّرُ
والسجائرُ
والكحولياتُ
والصبرُ الجميلُ.
ولا أقولُ ولا أقولُ
فكلُّ ما فى الأمرِ أنّى
أشْتهيكِ وأشتهيكِ و..
غائباً عمّا أرى
أنْشقُّ عن جسدٍ تعانقه المدينةُ :
- زوجةُ الجارِ المسافرِ
لمْ تزلْ تسقى حدائقَها، فيجرحها
عزوفُ العازبِ المنسى عنها،
والغموضُ وكثرةُ الأعذارِ
تجرحها
ويجرح رغبتى صبّارُ شرفتِها
وألبومُ الزفافِ،
وصورةٌ فوق الجدار لطفلةٍ تبكى،
وتجرحنى الأغانى العاطفيَّةُ
فوقَ حبلِ غسيلِها.
أنْشقُّ عن جسدٍ تقلِّبُه الفنادقُ :
- بنتُ ليلٍ
تشترى بنقودها ولاَّعتينِ؛ لها ولي
وزجاجتى خمرٍ
وتحجزُ غرفةً فى فندقِ الخيَّامِ،
نقضى ليلةً فى لعبة الأوراقِ
ترقصُ حين أسألها
عن الماضى، وأصمتُ
حين تسألنى.
ونرحلُ فى الصباح بلا وداعٍ،
نلتقى فى البارِ، تجلسُ
تسألُ الجرسونَ عن أحوالهِ
ويرنُّ هاتفها، فتخرجُ
كى تؤدى ليلها.
أنشقُّ عن جسدٍ تقبِّلُه المداخنُ :
- فى الشوارعِ ذاتها
أمشى وتمشى،
فى الشوارعِ ذاتها
لا أشترى منها عقودَ الفُلِّ،
لا أعطى الكلامَ ولا العيونَ
لعطرِ وردتِها.
وفى ذات المقاهى نلتقى،
فتقولُ لى: "يا سيِّدى؛
إن لم تُرِدْ فُلاًّ فلا تجرحْ
لماذا كلمّا ألقاكَ
تُغمضُ عن كلامى
قلبَكَ المدهونَ بالأسفلتِ؟!
لى جسدٌ يفكّر فيكَ،
لا أهلٌ ولا بيتٌ،
فخُذنى إن أردتَ،
أو اترُكِ الكورنيشَ للعشّاقِ "
تطردنا المقاهى
تُسدلُ الأبوابُ قبلَ الفجرِ،
أتركها تغنّى، فى الشوارعِ ذاتها :
" ويا وردُ من يشتريكَ
وأنتَ الفقيرُ الجميلُ
وأنتَ القليلُ
المُدافِعُ عن حقّه فى الهواءِ
وأنتَ القتيلُ
بما أورثتْكَ الطبيعةُ
من جسدٍ فائرٍ ومريضٍ
بحبِّ الحياةِ وبالغرباءْ "
أنشقُّ عن جسدٍ تعلِّقه القلائدُ :
- لستُ سائحةً لتشرحَ لى
رموزَ الكرْنكَ
السيّاحُ لا يأتونَ فى فصلٍ خطيرٍ
مثل هذا الحبِّ.
جرِّبْنى مع الفودكا
وجرِّدْنى من المدنِ الضبابِ.
يكُذِّبُ المُستشْرقينَ القمحُ فى جسدى،
وشامبليونُ أخطأ حين حاولَ
أن يفُكَّ رموزَ صدركَ
يا لهذا الحقْل !
يا قدِّيسُ؛ إن الجنسَ فعلُ الخلْقِ،
فاغفرْ لى وللإسْكنْدنافيّاتِ أمثالى
وخلِّصْهنّ بالخطأ الجميلِ.
أقولُ: هذا الحقل منذورٌ لسيدةِ الجهاتِ
سليلةِ الرمل النقى.
ولِدتُ من شرْقينِ
جاءَ أبى مع الغزواتِ
من شبه الجزيرةِ،
ثمَّ من أقصى شمال المغرب العربى
حتى قريةٍ فى مصرَ
كان غناءُ أمّى يفتح الصحراءَ
فى وجهِ الأُموميينَ.
والتَقيا، فكانَ النذرُ
قلْبَ الإبنِ للفصحى
وكانا يقصدانِ أميرةً شرقيّةً .
أنشقّ عن جسدٍ
وعن جسدٍ
وعن جسدٍ
وعن زمنينِ:
ماضٍ؛ يحفظُ الأخطاءَ
حتّى لا أكرِّرَها
ويخْفيها فأخطئُ مرةً أخرى
وأخطئ كى أدافعَ
عن وجودِ الفعلِ (كانَ)
وحاضرٍ: ماضٍ
يلوِّحُ من بعيدٍ،
لا أرى منهُ
سوى الظلّ السريع على تجاعيد المكانِ
خسرتُ من المكانِ الوقتَ
فى زمنينِ يتَّحدانِ
والآتى غموضٌ فى غموضٍ
مُكْرهٌ بَطَلٌ
إذا كان اتجاهى
لا يناسبُ عقربَ الساعاتِ
إن وقفَ الزمانُ مع المكان حراسةً
للسجنِ، وانتظرا
زماناً فى مكانٍ أو مكاناً فى زمانٍ
كى أكونَ ..
فمُكْرهٌ بطلٌ أنا .
أنشقّ عن أهلى
وعن أصحابى الموتى
وعن وجهينِ دَوَّارينِ للمدنِ القُرى
وعن القطارِ/الترعةِ/الصفصافِ/جمّيزِ السبيلِ /
عن النخيلِ/البئرِ/نعناعِ الجنينةِ /
عن حمام الجُرنِ
عن صمتِ القتيلِ وطلقةِ الثأر القديمِ
عن المدافنِ والضريحِ ..
عن القطارِ/عن المداخنِ/والمصاعِدِ/
والكلامِ الرخو فى لغةِ الليالى/
عن سماءِ القَشّ/ عن عِزَب الصفيحِ
عن الميادينِ الصغيرةِ فى الضواحى
عن طريقِ البحر فيما بيننا
عن كلّ ما حولى
من التفصيل والإجمالِ،
أخرُجُ واحداً
متهيِّئاً للموتِ فيكِ
أحبّكِ، ابتسمى
وقولى فى دلالٍ:
"مُتْ على "
وخبِّئى فهدينِ وثِّابينِ عن كفىّ
وابتعدى
أو اقتربى
خذى ما شئتِ منّى،
واتركى ما شئتِ منكِ
ونحنُ مُنشغلانِ فى ليلِ الأريكةِ
عن هواءٍ ليس يفصلُ بيننا.
لا تخرجى منّى
ولا تدَعى يدى.
كفّانِ تشتبكانِ
لا كفّانِ ذاهلتانِ فى الفوضى
بكيتُ
ولا أقولُ بكيتُ من وجعٍ
ولكنّى بكيتُ
لفرط ما قلتُ "اشتهيتُ"