الشاعرة ظبية خميس، ننقلُ وقع خطانا، وعلى وقع الطريق الخاص، نسيرُ معها في " أحلام الرومانتيكية"، من الكلمات التي تود قولها ، إلى خيانتها للسرِ الذي يلتبس عليها. وبعدأن ترتب ألأمور أشياءها، سوف ننتظر معها. ومن الهاجس الذاتي، إلى الهاجس الموضوعي، ومن إطار الخاص الغارق في الفردية ، إلى إطار العام الشامل للمجموع، ومن مساحة الجسد، إلى مساحة الوطن والقوم، ومن صيغة المفرد المتكلم بلغة الشعور والإحساس ، إلى صيغة جمع المتكلم بلغة المنطق والعقل، ومن المحدود إلى اللامحدود، ومن المباشرة المفرطة، إلى الرمزية البعيدة التي تحتمل لأكثر من تأويل، ومن الواقع إلى الحلم. كانت وقع خطاها وهي تمشي في "أحلام الرومانتيكية".
ونقرأ معاً.
اللغة الشعرية والتضاد:
في مقطوعة صغيرة تجد" الروح والجسد، الغريب والقريب، الداخل والخارج، المشاركة والإلغاء" "ص1". وهكذا ، فالوحدة والمشاركة، والحياة والعزلة، الإغتراب والإقتراب، التمرد والقمع، الثورة والخنوع ، الليل والنهار، الحب والغضب، الحلم والضجر، الصمت والضجيج، البحر والرمل، والزمان والمكان، والحزن والفرح، الذاكرة والنسيان ، الخرائب والحدائق، الطري والصلب، القطيع والفهود، الاحلام والاغلال، الزهر والأحراش، الشياطين والملائكة، الهزائم والانتصارات، الرغبة والحرمان، التحرر والامتلاك، الغرق والطفو، الفقد والعثور، الضوء والعتمة، الحياة والموت، السعادة والشقاء، النجوم والقمر، الخريف والربيع،… الخ
إنه لايخلو مقطع واحد، من هذا التضاد اللغوي العفوي، في الصفحة الواحدة، وهذا مثالٌ على ذلك: العنوان" البحر صديق الرومانتيكية"…. " أيها البحر / يا لحظة خلاصي/ مهد الحياة/ ومقبرة آلام عظيمة/ أنت أيها الفتان/ الذي لاتخونه رغباته/ أنت حياة وسواك عدم/ لغة الريح وشوشة الموسيقى/ لم يخترعها أحد بعد / الرمل والفضاء والسماء غطاء/ والموج أنفاس/ والبحر عاشق يعرف حضن عاشقته"(ص64) . لاحظ التضاد : البحر والسماء/ الحياة والعدم، الرغبة والعشق، الموج والريح، الآلام والخلاص، حضن العاشقة والآلام العظيمة، الفضاء والغطاء، الوشوشة والأنفاس، المهد والحضن، ونجد مثل هذا التضاد في كل قصيدة من قصائد الديوان، بل في كل مقطع.
مثالٌ آخر ، الصفحة الأخيرة على غلاف الديوان بعنوان "زهرة بيضاء" :
" في مرفأ ما/ وتد ينتظر المقلاع/ حيث القلب يهدأ نبضه/ ولا تتقلص المعدة/ بتشنجات العاشق المقلق/ حين تكون إغماضة العين مودة لاحد لها/ وبدلاً من الكوابيس / زهرة بيضاء تتفتح في الاحلام." يمكن أن نجد التضاد في، الهدوء والتشنج، الإغماضة والتفتح، الكوابيس والاحلام، الإنتظار والإقلاع، المعدة والقلب، إلى آخر هذا التضاد اللغوي واللفظي والمعنوي. هذا التضاد يعكس نفسية الشاعرة التي لاتهدأ، تعاكسٌ في حياتها دائماً، في مساراتها النفسية والشعرية، مما يؤدي إلى توازن فكري بين السالب والموجب، بين قطبين متناقضين وضدين ، يقف مسار الشاعرة العقلي، عندما تسيرُ إلى أحلامها الرومانتيكية، ويبدأ هذا التضاد ، في حديث الذات والهم الذاتي، مروراً بحديث الوطن بمعناه الضيق أو بمعناه الشامل ، ولن تنسى مساحة الجسد أيضاً ، مع تفاعل الروح.
حديث الذات:
إنها عوالم الوحدة الذاتية اليت تعيشها ، حين أغلقت على نفسها، وانحسرْ إلى داخلها، فالصمتُ يفجرُ صخباً، والصخب يجعل الروح مريضة، وعند الحديث عن الهاجس الذاتي ، تستخدم صيغة المتكلم المفرد، بأنا، أو صيغة المتكلم المفرد الملحق بياء المتكلم، ومن ثم صيغة جمع المتكلم. وذلك وفق:
"وحيدةٌ ومنهكةٌ/ لامكان لأحد/ زمن ثرثارٌ بلا معنى"(ص23) وهي "متعبةٌ جداً / أحمل مالا طاقة لي به/ وحيدة كالجنون"( ص45). و" زنزانتي ضقتُ بها/ وقدماي تتشبثان بقضبانها" و" عذبتني الوحدة والاحلام/ لم يبق لي سوى ذاكرة عجلى " (42) .
وتعبر الشاعرة عن الهاجس الذاتي في شكلين:
الأول: مرتبط بالشخص، مفرط في العزلة، ومحاورة عالم الجسد والذات والروح المتعبة والمشبعة بالألم والتجربة المرة. والتي تعيش فراراً لايهدأ، ولاتعرف إلى أين المستقر، وذلك لأنّ الحياة " عجوز تعسة تجزُّ ضفيرة الفتاة /… لماذا أنتظر؟ وهل أنا أنتظر/ لافائدة منك/ لاغاية من الانتظار" (ص22).
ثم يتحول الهاجس الذاتي إلى صيغة الوجود والغاية منه، في نظرة ذاتية متشائمة في الغالب. فالوطن، والجسد، والأنوثة والحب، والكون والوجود، والأمل، مع ياء المتكلم:" زنزانتي، قدماي، أنوثتي، ساعداي، ريقي، أحلامي، وجهي، أنوي، أمسي ، يومي ، ليلي ، غرامي، حواري، جسدي ، روحي ، يوقظني.. الخ"
" المكان بلا هواء/ أنوثتي تحترق ، بلا مطر ، بلا ندى/ وبأحلامي الوردية…"
و"… أنظر إليك يا وجهي/ بجدية حقيقية/ ماذا أتذكر / أو أختلس من الذكريات الراقدة هناك/ في صندوقها الخشبي.. الخ" (ص44، 51)
الثاني: الهاجس الذاتي المرتبط بالآخرين: فوالدتها المرأة الحالمة التي عضّتْ على شفتيها كثيراً، وهي تحمل جبال الألم بشجاعة نادرة، والبستان المثمر بالاحلام التي تساقطتْ غضة…. الخ . فأمها نبيلة ورائعة ، ثمرة حلوة ، بهية ، نقية طاهرة(ص81). نحن لانشك مطلقاً ، إلا أن هذا الحديث يعكس الحالة النفسية للشاعرة، في توقها إلى من يحبها، وليس إلى من تحبه، هذه الألفاظ مغرقة في المباشرة الذاتية البسيطة، وقد تكون الألفاظ جميلة، إلا أنها دون مستوى الشعر. ومثل هذه النصوص قليلة جداً في الديوان.
إن غياب الإيقاع والموسيقى الذاتية من داخل النص، أفقده عنصراً مهماً من شعريته، إلا أن الصورة الشعرية غطتْ ما نقص من إيقاع موسيقي. خاصة عند إيضاح الدال والمدلول في الترميز الشعري.
حديث الوطن: لنأخذ نصاً ونعالجه:
" صوبْ عينيك في الأفق الغائب/ ماذا ترى؟/ كرمة أيوب وعصا موسى/ عناقيد اليأس وبحر العدم/ وأكوام ذباب من بشرٍ/ وابليس يقود سفينة نوحٍ إلى جحيم الآخر/ ناسياً أن يوصد بوابات الشعر" (23) .
لقد اختزلتْ الشاعرة قراءة تاريخ من فلسطين، واختزلت واقعاً، ونظرت للمستقبل، وذلك: لفظ" سفينة نوح. جحيم الآخر، كرمة أيوب، عصا موسى،" جاءت لقراءة التاريخ ومن ثم إسقاطه على الواقع" عناقيد اليأس، بحر العدم ، بوابات الشعر، أكوام ذباب من بشر" ونظرة للمستقبل ، بعبارة" الأفق الغائب". ويمكنني أن أحلل النص بطريقة الدال والمدلول في الشعر الحديث كما يلي: