اقتصاد مضطرب، حراك سياسي متواضع، استقطابات طائفية وحالة أمنية لا يمكن الوثوق بها.. هي أكثر العناوين التي تتصدر الصحف ووسائل الاعلام وذلك بعد مرور ست سنوات على الاجتياح الأميركي للعراق،بينما لا يزال معظم العراقيون يعتبرون ان العشرين من مارس/آذار 2003 "أسوأ يوم وأتعس ذكرى" في حياتهم، ست سنوات مضت ولا يبدو أن ثمة بارقة ضوء سوى تقارير تحدثت عن تراجع احتمال نشوب حرب طائفية مستعرة، وانسحاب نحو ثلثي القوات الأميركية من البلد المحتل.
أميركياً، يمكن القول أنه على الرغم من موجة الشعور بالنصر والفخر الوطني اجتاحت أميركا قبل 6 أعوام، إلا أن هذه الموجة اليوم لدى ملايين الأميركيين ما هي إلا غصة ومرارة، ولسان حالهم يتسائل: لماذا؟
فإعلان الرئيس الاميركي باراك أوباما في وقت سابق من مارس/آذار الجاري انسحاب نحو ثلثي قواته العاملة في العراق خلا من إعلانه تحقيق أي من أهداف الحرب على العراق (نشر الديمقراطية، الحرية، الرخاء، تحقيق الأمن لأميركا)، باستثناء هدف واحد وهو (إزاحة الرئيس صدام حسين عن حكم العراق)، وهو ما كلف الجيش أزيد من 4 آلاف قتيل، وعشرات الآلاف من الجرحى، بخلاف الكلفة الاقتصادية.
وعند قراءة المشهد العراقي بعد ست سنوات عجاف يبدو للمراقب أن الواقع مختلف عن الطموح، فالكهرباء ما زالت شبه مقطوعة، وكذلك امدادات المياه، ومعدلات البطالة متفاقمة، اما الأمن فما زال في أضعف صوره، وكل ما حدث أن عمليات القتل انخفضت وتيرتها دون ان تتوقف، وانتقلت من العاصمة الى بعض المدن الاخرى، وخاصة مدن الشمال.
احصاءات الامم المتحدة الرسمية قالت ان هناك اكثر من اربعة ملايين ونصف المليون عراقي هجروا اماكن اقامتهم طلبا للامان، نصفهم على الاقل غادروا البلاد كليا الى دول الجوار مثل سورية والاردن، واعداد محدودة من هؤلاء عادوا بسبب صعوبة الظروف المعيشية، وعدم توفر فرص العمل لهم في المهاجر الجديدة.
العراق لم يتحول الى نموذج للرخاء الاقتصادي والديمقراطية في محيطه، بل الى نموذج للطائفية، والصراعات العرقية، والتطرف باشكاله كافة. فحتى هذه اللحظة لم تتم المصالحة الوطنية، وما زال البرلمان دون رئيس، والهوية الوطنية التي توحد العراقيين خلفها ما زالت غائبة.
بعد ست سنوات من الكوارث والدمار ها هو التعثر الاميركي الصارخ في العراق تتعدد مؤشراته،ليس فقط بمقياس القتلى والجرحي من بين ضباطها وجنودها، ولكن بمعيار الفشل في إقامة نظام سياسي ديمقراطي عراقي يكون أنموذجاً للديمقراطية في الشرق الأوسط. ثمن نتائج الحرب على الارهاب مئات الاف القتلى في العراق واعادة بلاد ما بين النهرين الى ما قبل القرون الوسطى. فهذا البلد ما زال غارقاً في فوضى المذاهب والطوائف المتصارعة على السلطة.
وبالطبع يبقى القول ان اميركا وبعد ست سنوات من غزو العراق بدأت تدفع ثمن أخطائها وتعترف لكل العالم بأنها استطاعت وعلى مدار الست سنين أن تدمر وتقتل وتجلب الكوراث والحروب إلا أنها لم تستطع أن تبني شيئاً جديراً بالإحترام و بالبقاء، بينما العراق وبعد ست سنوات من الاحتلال الذي يعاني من قسوته ويتجرع مرارته ويعاني من تداعياته، يبدو اسوأ حالا، فاقد السيادة والدور والهوية، متقطع الاوصال، مفتقراً الى القيادة التي توحده وتعيد اليه هيبته وكرامته وكذلك كبرياء عروبته.