كان من حقك ان تدخن، فان من حقي ايضاً ان اتنفس هواء نقيّاً .
استوقفتني هذه العبارة، فقد اختلفت عن الكثير من العبارات التي تعودنا على قراءتها، وهي تطلب عدمالتدخين، او تقول ان التدخين محذور، فكلمة ممنوع هي التي كانت دوماً تتصدر صيغة او صيغ منع التدخين، نطالعها في امكنة كثيرة، غالباً ما يقف او يجلس تحتها مباشرة اشخاص يدخنون متحدين ما تطلبه.
ما يلفت الانتباه في هذه الصيغه انها :.
اولاً : تعترف بحق المدخن بالتدخين، وهي لا تنازعه هذا الحق، بل تؤكده وتحترم خيار هذا المدخن، ولا تأخذ بالزجر او الوعظ والارشاد، وتطلب اليه ان يقلع عن التدخين حفاظاً على صحته وصحة الآخرين مثلاً، ولا تتدخل في خياره بان يُدمر صحته بالتدخين، هذا الخيار الذي اذا ما ناقشت مدخناً فيه، رد عليك بانه لم يثبت قطعياً ان التدخين يقصر العمر فالاجل مكتوب والتالي ليس هناك من سبب وجيه مقنع يدعو للاقلاع عن التدخين.
ثانياً : تضع هذه الصيغة حقاً آخر، مقابل حق المدخن بالتدخين، هو حق غير المدخن في ان يتنفس هواء نقياً، وهذا الحق ايضاً يجب ان يبقى مصوناً يوازن تماماً الحق الاول الذي وضعناه في الكفة المقابلة، وهو حق لا يمكن ان نتخيل ان هناك خلافاً عليه… او فيه، لا خلاف عليه لانه يجب ان يحفظه المدخن لغير المدخنين، كما احترموا حقه بالتدخين ولا خلاف فيه لانه لا يحق لمدخن ابداً ان يعتدي على حق الآخرين بان يتنفسوا هواء نقياً.
اذن…. كيف يمكن ان تتم صيانة هذين الحقين : حقك في ان تدخن وحقي في ان اتنفس هواء نقياً، فانا حين نبذت التدخين حفظت للهواء نقاءه ليتنفسه نقياً الآخرون.
انت حين تملكتك عادة التدخين مارست حقك الذي لا ينازعك فيه احد لكنك وبهذه الممارسة تجاوزت حقك وحدك حين لوثت هواء الآخرين بدخانك فاعتديت على حقهم في تنفس هواء نقي.
بقي السؤال : كيف يمكن صيانة هذين الحقين ؟ ان اضعف الايمان يوجب ان لا يلتقي النقيضان في فضاء واحد، واذا كان لا بد من لقائهما فان الاسلم والاحفظ لحق كل منهما ان ينعزل غير المدخنين في فضائهم الخاص حيث لا تدخين، وان يكون هناك فضاء خاص فيه المدخنون هكذا لا يعتدى احد على حق الآخر… فهل فعل هذا المدخنون ؟ هل قبلوا بمبدأ العزل هذا ؟ يأتي هذا الحديث كله، في سياق التوجه الجديد بمنع التدخين في الفنادق والمطاعم السياحية والمراكز التجارية الكبرى، وهو توجه لا تطلقه الجهات المسؤوله عن امننا الصحي للمرة الاولى، فقد سبق هذه المرة، مرات عديدة سابقة نجح المدخنون في احباطها منذ مرتها الاولى لمنع التدخين في اماكن عامة حين كانوا يمارسون عادتهم هذه رغم انف المنع والتهديد بعقوبات لم ينفذ منها على رؤوس الاشهاد شيء.
والخشية ان تأتي هذه المرة كما كانت عليه المرات السابقة.
لقد آن اوان احترام حق غير المدخنين في هواء نقي لا تلوثه عوادم المدخنين الذين يفرضون على من حولهم التدخين السلبي الذي يقال انه اكثر خطراً على الصحة من التدخين الايجابي وحتى يتحقق هذا لابد بداية من تخصيص مواقع خاصة بالمدخنين، عليهم ان لا يمارسوا عادتهم بالتدخين خارجها، ثم بعد هذا لا بد من ملاحقةالمدخنين في اماكن المنع لوقفهم عند حدهم ومنع اعتداءاتهم على حقوق الآخرين في استنشاق هواء خال من سموم التدخين، ان صيانة هذا الحق تستدعي حزماً في تطبيق العقوبات التي نصت عليها القوانين تجاه من يعتدي على الصحة العامة .
قيل ان الرجل يقع في حبائل هذه العادة السيئة بحكم التقليد في مراحل المراهقة، فيدخن ظناً منه ان التدخين من مظاهر الرجولة ومكملاتها.
تُرى لماذا تدخن المرأة اذاً ؟!