عندما اتصل رئيس وزراء لبنان (الذي نأى بنفسه عن عمل حزب الله) مع الرئيس بوش يستنجد به، قال له الرئيس الأمريكي: "سأطلب من إسرائيل أن تتفادى المدنيين وهي تقصف لبنان." أما رد فعل بقية الغرب فكان بسيطا: "إسرائيل تفرط في استخدام القوة!" وهو تعبير مايع يعتبر ضوءا أخضر فلم يطلب أحد من إسرائيل المعتدية أن تكف فورا عن جرائم الحرب التي ترتكبها.
أليس تدمير البنية التحية عن عمد جريمة حرب حسب القانون الدولي؟!
العالم يكيل بمكيالين
زعماء أمريكا يساندون إسرائيل لأسباب أيديولوجية وعقائدية دينية وانتخابية ، والعرب ليس لهم ثمن أحياء كانوا أم قتلى برصاص إسرائيل وقنابلها "الذكية." ولك أن تتخيل ما يفعله الجيش الإسرائيلي من تدمير وقتل للمدنيين الأبرياء في غزة ولبنان لاسترداد ثلاثة جنود أسرى هو في نظر الغرب: "دفاع عن النفس!" ولا علاقة له بالعنصرية.
ولو صبرت على قراءة المقال سأوضح لك ما أقصد وما دفع شبكة CNN وغيرها إلى اختيار عنوان أخبارها ليكون:
"حرب إسرائيل على الإرهاب!" والهدف من الزج بسوريا وإيران في هذه الحرب.
ثم سأنهي المقال بما حدث عن ترويج إسرائيل خبر "ضرب سفينة مصرية" قبالة سواحل بيروت، والموقف السعودي!
الوضع الراهن يذكرني بما قاله الحاخام رجل الدين اليهودي يعقوب بيرين في إسرائيل عام 1994 "إن مليون عربي لا يساوين ظفر يهودي واحد." ومناسبة الحديث كانت جنازة المستوطن المتطرف باروخ جولدشتين الذي قتل 30 فلسطينيا في هجوم
على الحرم الإبراهيمي في الخليل.
هذه الأيام الجميع قلق من أن يتطور الوضع إلى حرب واسعة بسبب الفظائع الإسرائيلية، وأتمنى ألا تتفجر هذه الحرب لأن سلوك إسرائيل يعكس أنها مقصودة.
إسرائيل تسعى لهذه الحرب لإتمام أجندة "تغيير النظام" التي وردت في وثيقة وضعها مسؤولون أمريكيون يرفعون شعار "إسرائيل أولا قبل أمريكا" من عصابة المحافظين الجدد الليكوديين لرئيس وزراء إسرائيل الأسبق بنيامين نيتانياهو عام 1996 تشرح خطة تغيير جميع الأنظمة العربية بدءا من العراق لكسر عزلة إسرائيل في المنطقة. ...
العراق كان عقبة أمام المشروع، والأن العقبة الراهنة تتمثل في لبنان، وبالتحديد "حزب الله" ثم سوريا ثم ايران. ليبيا ودول الخليج تم تحييدها، ومصر تصبح الجائزة الكبرى بغزو ثقافي، إعلامي، اقتصادي غير مسبوق بمساعدة مستثمرين عرب.
ولهذا المشروع خطة محكمة يساعد في تنفيذها جيش من السيانيم (شبكات من متطوعين يهود لخدمة إسرائيل) في المنطقة العربية وحول العالم. ...
تقول الوثيقة: "إن سوريا تتحدي إسرائيل على الأرض اللبنانية. والأسلوب الإسرائيلي الفعال الذي يمكن أن تتعاطف معه أمريكا هو أن تستغل إسرائيل الفرصة الاستراتيجية على حدودها الشمالية بجر حزب الله وسوريا وإيران لمعركة،
باعتبارهم العناصر الأساسية للعدوان على لبنان." ...
تدمير الجيش العراقي وإزاحة صدام حسين بحجة امتلاكه أسلحة دمار شامل، كان الهدف الأول لكي تكسب إسرائيل المعركة. ثم تأتي حملة تشويه صورة العرب والمسلمين حتى تكسب إسرائيل تعاطف الشارع الغربي معها، لذلك كان عليها أن تستخدم الدعاية الإعلامية: "أنا مهددة بالفناء ممن حولي" أو "إيران تهدد وجود إسرائيل!" أو "العرب يريدون إلقاء إسرائيل في البحر!" و"حزب الله وحماس يريدان تدمير إسرائيل." ... اضغط هنا
رغم أن الجميع يعرف أن إسرائيل هي القوة النووية الوحيدة من المنطقة العربية ولديها أكثر من 300 رأس نووية.
أتوقع أن تمارس إسرائيل مزيدا من الحرب النفسية كأن تدعي أشياء لا وجود لها مثل حصول حزب الله على دعم في صورة "أسلحة أو جنود" من سوريا وإيران، لتهيئة المشاهد الغربي للحرب ودفعه نفسيا إلى قبول ما ترتكبه إسرائيل من فظائع. ولكي تفعل ذلك، يجب تسريب الأخبار الدعائية لوسائل الإعلام.
الإعلام و "العنف" في الشرق الأوسط:
الغرب دائما يستخدم كلمة "عنف Violence" في وصف ما يحدث في الشرق الأوسط وهي كلمة مائعة لا تصف ما تفعله إسرائيل بالتحديد، فانقلب الاحتلال إلى عنف، والعنف في مفهوم الإعلام الأمريكي عن الشرق الأوسط تحديدا يعني أن "الفلسطينيين يمارسون العنف ضد إسرائيل وليس العكس."
وللأسف بعض الإعلام العربي يقع في هذا الفخ الدعائي. فمثلا، صباح الجمعة جاء عنوان رئيسي لصحيفة الأهرام "شبه الرسمية" يقول: "إسرائيل تقتحم جنوب لبنان رداً علي مقتل ثمانية وأسر جنديين."
إذا كان العنوان غير مقصود، فنصيحتي للصحيفة أن تضع إرشادات لكتابة عناوين الأخبار. العنوان يتماشى تماما مع
ما تكتبه وكالات الأنباء الغربية التي تستخدم كلمات ومصطلحات نفسية دعائية "تبرر الهجمات والاعتداءات الإسرائيلية." تخيل عندما يقرأ الجنرال حالوتس الإسرائيلي عنوان الأهرام ثم يضحك ويقول "براوة على المحرر." ذلك لأن الصورة النمطية
في الغرب وأمريكا تحديدا هي أن العرب يهاجمون ... وإسرائيل "ترد" ... وكل هجماتها تأتي "ردا على" ... يعني باختصار تقوم بهجمات "انتقامية" لتنتقم لنفسها من "عنف العرب!" يا ترى وصلت الفكرة؟ أرجو في المرة القادمة ألا ينسى ويكتب محرر الأهرام "جيش الدفاع الإسرائيلي، بدلا من جيش الاحتلال الاسرائيلي!" هناك مئات الكلمات والتعبيرات التي يجب أن يلتفت لها الكتاب والمحررون العرب ولأن كلامهم مهم جدا، تترجمه سبع منظمات صهيونية وتروجه وترسله لأعضاء الكونجرس وكبار الكتاب والإذاعة والتلفزيون مجانا ... ببلاش، بدون ولا مليم! فاسرائيل المستفيدة أولا وأخيرا.
إسرائيل لها طابور خامس قوي وفعال في شتى مجالات العمل في الولايات المتحدة من الباعة الجوالين إلى البيت الأبيض مرورا بالصحافة والإعلام، التي كانت سلطة رابعة في يوم من الأيام. وهذا الطابور له دور كبير في تشويه الحقائق فيما
يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي خاصة حتى مصر لا تسلم منهم رغم معاهدة السلام.
شبكات التلفزيون الأمريكية حولت الحرب إلى "قضية إرهاب إسلامي" أو "إسلام راديكالي." وأن العرب لا يريدون الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود ... وكثير من هذا الهراء الفارغ.
لم أتوقع أن يكون عنوان الفترة الإخبارية الرئيسة في المساء على شبكة التعمية الإعلامية الأمريكية CNN "حرب إسرائيل على الإرهاب!"ولماذا لا وهذه الشبكة التي ترفع شعار "الإسم الأكثر ثقة في عالم الأخبار" تخصص قسما كاملا في موقعها الإخباري بعنوان "إسرائيليون سقطوا ضحية الإرهاب الفلسطيني."
ولو كانت متوازنة إخباريا كما تقول، لخصصت قسما مماثلا للفلسطينيين ضحايا الإرهاب الإسرائيلي. ولكن المسألة في وسائل الإعلام الغربية تتلخص في "نحن وهم!
ونحن أفضل منهم!" أين وجهة نظر الطرف الأخر (العرب)؟ غائبة دائمة في الغالب.
عندما تحدثت المذيعة العربية الأصل اوكتافيا نصر في CNN عن الحرب الدعائية الإسرائيلية لتترجم منشورات إسرائيل للبنانيين، تركتها زميلتها حتى انتهت، ولكن بمجرد أن بدأت تشرح الدعاية المناوئة التي يرد بها حزب الله – قطعوا عليها
الكلام وقالوا "نأخذ استراحة!" وسلم لي ع المترو.
ولك أن تتخيل ما تكبته صحيفة نيويورك تايمز وغيرها من وسائل الإعلام الرئيسية من عناوين عندما اجتاجت القوات الإسرائيلية جنوب لبنان ... استخدمت كلمة "تدخل" وليس تعتدي أو تغزو .. ..اضغط هنا
في الأخبار يجب وضع عدد الضحايا في أول الخبر أما فيما يتعلق بالضحايا التي تقتلهم إسرائيل فعادة ما يتم ذكرهم في أخر الخبر إن تم ذكرهم أصلا.
في مجلس الأمن نقلت شبكات التلفزيون كلمة السفير الإسرائيلي يصاحبها صور أثار صورايخ حزب الله في نهاريا وحيفا وغيرها، وكذلك عندما تحدث المندوب الأمريكي جون بولتون (والذي يعتبر سفيرا ثانيا لإسرائيل في الأمم المتحدة) ،أما
كلمة مندوب لبنان فلا أهمية لها.
ثم يأتي دور جيش المنظرين من المحافظين الجدد الأمريكيين وبعض اللبنانيين المتحالفين معهم أصحاب الأراء المعروفة سلفا و لن أزيد.
ما يحدث باختصار قد يكون الجولة الأخيرة في حملة عصابة المحافظين الجدد لإحياء الحلم الصهيوني القديم: إنشاء إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات.
"ארץ ישראל השלמה" إريتس يسرائيل هاتشليماه Greater Israel أو كل أرض إسرائيل التي يرسمها العلم الإسرائيلي من النيل إلى الفرات (وبينهما نجمة داوود) وهي مكتوبة على شعارالكنيسيت. ...
وهذا يدعو إلى التساءل: لماذا تعترض الولايات المتحدة دائما بالفيتو في مجلس الأمن لمنع أي قرار متوازن يدين إسرائيل ؟ أعتقد أنه لو أرادت أمريكا تحسين صورتها عند العرب، فعليها أن ترغم إسرائيل على إنهاء احتلالها الأراضي الفلسطينية ومزارع شبعا اللبنانية ومرتفعات الجولان، وإلا جرجرتها إسرائيل إلى حرب عالمية رابعة....
أذكر أنني كنت أركب مترو "عبد العزيز فهمي" من محطة رمسيس إلى ميدان تريومف (النصر) في طريقي إلى المدرسة الثانوية الجوية وكنت أشاهد دائما شعارا مكتوبا على جدران السكة الحديد على طول الطريق يتساءل "من يسبح معي ضد التيار؟"
تذكرت الرئيس الراحل أنور السادات وانتصارات السادس من أكتوبر عام 1973 التي رفعت رأس العرب، كلما تذكرت هذا الشعار راودتني أغنية المجموعة " باسم الله .. الله أكبر باسم الله، باسم الله" وأغنية وردة الجزائرية "وانـــــا، على الربابة
باغني." إنها أغنيات النصر.