تحدث المستشار السياسي للرئيس الإيراني موجها خطابه إلى الرئيس الأمريكي الجديد أوباما ، مؤكدا استعداد بلاده لتقديم العون للقوات الأمريكية في أفغانستان ، كما فعلت في العراق ، وأضاف بأن الأمريكيين لن يتمكنوا من قهر المقاومة الأفغانية وضمان استقرارهم في أفغانستان بدون المساعدة الإيرانية .
وأمس تحدث الرئيس أوباما ـ ليرد التحية بأحسن منها فيما يبدو ـ ودعا إيران إلى طي صفحة الماضي والبدء في تعاون جديد بين الدولتين ، في ملفات عديدة مشتركة ، أي أن اللعب أصبح على المكشوف بين القوتين الاستعماريتين ، الإقليمية المتمثلة في إيران والدولية المتمثلة في الولايات المتحدة ، والضحية في كل الحالات هي الدول العربية والإسلامية .
أذكر أنه قبل عدة أشهر أثناء التراشق الإعلامي العنيف بين إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن وبين الحكومة الإيرانية ، وانتشار التهديد والكلمات الساخنة من الطرف الأمريكي بضربة أمريكية شاملة إلى إيران ، وتسريبات صحفية بلا حدود عن توقيتات الضربة وأشكالها وكأنها أمر واقع لا محالة ، وقتها كنت أتحدث مع الدكتور عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية المصري السابق والخبير الدولي المعروف فأكد لي أن كل هذا الكلام هراء ، وأن أمريكا لن تضرب إيران ، لأنها تحتاجها في أكثر من ملف في المنطقة كما تحتاجها كفزاعة لمنطقة الخليج لضمان تمسكهم بالحضور الأمريكي ، وأكد لي أن المستقبل سيشهد تحالفا استراتيجيا بين الاثنين ، بين إيران والولايات المتحدة .
كنت أميل إلى صحة كلامه وإن كنت أستبعده من اتساع مساحة الخطر والتهديدات المتبادلة بين الطرفين وقتها ، ولكني تذكرت هذه الرؤية الثاقبة الآن ، الأمريكيون في ورطة في أفغانستان تحت وقع الضربات الساحقة للمجاهدين الذين أعلنوا أنهم الآن على أبواب كابول ويمكنهم اقتحامها في أي وقت ، ولكنهم بطبيعة الحال لن يفعلوا ، لحرمان الأمريكيين من استعمال القوة المفرطة بالطيران والقصف ضد المدنيين ، وهي الطريقة الوحشية التي أجبروا بها مجاهدي طالبان على الانسحاب من المدن ، لأن الجيش الأمريكي اتخذ المدن الأفغانية رهينة ، وكان يقصفها بحصيرة طيران ، وقنابل زنة نصف طن وأباد قرى وأحياء بكاملها من وجه الخريطة ،
الآن الأمريكيون يستغيثون ويشعرون أن الهزيمة أصبحت مؤكدة في أفغانستان ، وهو ما أدركه الجار الإيراني ، حامي حمى المقاومة ضد الأمريكيين كما يتصور بعض السذج في بلادنا وكما يروج هو عن نفسه من خلال اعلامه ، وعرض الإيرانيون خدماتهم علانية للاحتلال الأمريكي وأنهم قادرون على مساعدته على قهر المقاومة الأفغانية وعلى تعزيز احتلاله لأفغانستان .
وبدون شك فإن الملف العراقي سيكون هو الآخر في طليعة "الشراكة" الاستراتيجية بين الطرفين ، لأن الأمريكيين قرروا بالفعل الانسحاب من العراق ، وبدأ الانسحاب فعلا وإخلاء مواقع وتسليم أغراض عسكرية ولوجستية لقوات عراقية ، ولكن الأمريكيين قلقون جدا من قدرة المقاومة العراقية على تغيير الموازين في العراق وإفشال المشروع الأمريكي وطرد رجاله وميليشياته إلى خارج العراق ، وبالتالي كان الاحتياج الأمريكي للإيرانيين حيوي للغاية ، لأنهم هم الذين ساندوه بقوة ـ ومنوا عليهم بذلك ـ في إسقاط صدام واحتلال العراق ، وهم يوحون بأنهم قادرون اليوم على حماية المشروع الأمريكي ورجاله في العراق في حال انسحاب الأمريكيين ، ولا عزاء للمغفلين !