حال الدول كحال الناس، وما ينطبق على الإنسان العادي من قوانين ونظم ينطبق على الدول، ما دامت الدولة تتشكل من الناس عبر عملية تراكمية متواصلة … أقول هذا وأناألمس للأسف تخلي من هم في الدولة الباكستانية عن تعهداتهم، ويضربون بها عرض الحائط وهو ما ستدفع ثمنه الشعوب حاضرا ومستقبلا، تدفع ثمنه من مصداقيتها أمام الآخرين، بحيث لن يصدقها أحد ولن يأخذ كلامها محمل الجد، فالمصداقية عملية تراكمية وتجارب الأشخاص أحيانا هي تجارب الدول، فما جربته أفغانستان من كرامة وتحد وعزة حين رفضت إملاءات الأجنبي في تسليم زعيم القاعدة أسامة بن لادن، وخاضت تجربة الهجوم الأميركي ثم مقاومته تماما كما حصل في القرون السابقة ضد المغول والبريطانيين والسوفييت … هذه الصورة مغايرة لما يجري في باكستان هذه الأيام …
هذه المقدمة مهمة لوضع الأطر والقواعد حتى يتم فهم الأمثلة اليومية في سياقاتها التاريخية والمنطقة على ضوء هذه القواعد المهمة في فهم صيرورة الدول وحركة الأمم والشعوب ،فقد وقعّت رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة بي نظير بوتو قبل مقتلها اتفاقا مع نواز شريف في لندن باسم إعلان الديمقراطية، سريعا ما تخلت عنه بانقلابها عليه حين انضمت إلى عدو الاتفاق المشترك وهو برفيز مشرف، وعادت إلى باكستان متخلية عن حليفها التكتيكي نواز شريف وذلك للوصول إلى أهداف استراتيجية مع العدو المفترض مشرف من خلال ابتزازه بالتقارب الشكلي التكتيكي مع شريف، لكن الأخير وعلى الرغم من ذلك ومقتل بي نظير بوتو إلا أنه أوغل في عملية الوهم المتبدد التي قادها هذه المرة آصف علي زرداري وخدعه عبر اتفاقيات شكلية ورقية لا تسمن ولا تغني من جوع .. أضطر أخيرا شريف إلى الإعلان أمام محكمة مواطنيه وناخبيه في مؤتمر شعبي حاشد بأنه تم خديعته من قبل زرداري الذي خدع الجميع، لا ندري فيما إذا سيعود حتى بعد هذا إلى سابق عهده مع زرداري أم لا ؟؟؟ وما هو الضامن في ألا ينخدع شريف وتنخدع معه شريحة واسعة من الباكستانيين بشخص آخر يتحالف معه شريف …
عملية التخلي عن الالتزامات متواصلة تجلت أخيرا بتصريحات متناقضة عن عملية مومباي من رفض قادة حكومة زرداري من تورط أي باكستاني في الهجمات مع العلم أن معظم منفذي عملية البرجين كانوا سعوديين ومع هذا لم تهاجم أميركا أو تتهم السعودية بأنها متورطة، ولم تجد المملكة في خانة المتهم الذي ينبغي أن يعلن براءته … لكن حكام باكستان سارعوا على الفور وكأنهم المجرمون بإبعاد التهمة عن أي باكستاني ليتدرج الاعتراف لاحقا بأن أحد المشتبه بتورطه في الهجمات كساب هو باكستاني وتأتي بعدها التحقيقات والاعتقالات وغيرها… توّجت عملية شرخ المصداقية هذه باتفاق سوات الذي يبدو أن الحكومة غير جادة بتطبيقه وهو ما دفع زعيم حركة تنفيذ الشريعة صوفي محمد إلى أن يهدد بأن يكون آخر مهلة لتطبيق الشريعة في الوادي هو الخامس عشر من الشهر المقبل، كل ذلك يؤكد على حقيقة وعنوان عريض وهو أن المشكلة في المصداقية التي سيدفع ثمنها البلد والمجتمع فالأشخاص والحكومات والزعماء يرحلون ولكن تبقى المصداقية وسمعة الشعوب والدول ، وما ينطبق على باكستان ينطبق على كثير من دولنا التي تتآكل مصداقيتنا أمام نزوات شخصية ومنافع خاصة