تفتقد الأنثى في مجتمعنا لواقع يدعّم الجرأة الحقيقية التي يجب أن تؤصل كظاهرة اجتماعية تدخل سياق ما هو طبيعي، فتكون تحت مظلة فكرٍ يصنع المستقبل الخلاّق ليفتح المجال أمامها نحوالانطلاق والإبداع، فالكلام عن جرأة الأنثى في مجتمعنا ليس كلاما دقيقا، لأننا ما زلنا نرضخ كنساء لمفهوم القوامة الذي يكاد أن يثقل كاهل الرجل والأنثى على حد سواء،وهي العاملة والمناضلة وربة الاسرة، ليتم التحكم بقراراتها ومصيرها وجسدها أيضا..!.
قوامة الرجل على الأنثى هي استضعاف وتهميش لمخلوق يمثل نصف المجتمع والحياة،قوامة تتمثل باستبداد على شكل واقع تم التسليم به دون أي منطق، وفي ذلك السياق يقول الله تعالى في الآية 34 من سورة النساء "الرّجالُ قوّامونَ على النساءِ بما فضّلَ اللهُ بعضَهم على بعضٍ وبما أنفقوا من أموالِهم" ، والمشكلة تكمن لدينا في الفهم الخاطئ لتلك الآية، بحيث يتم تبنيها وفقا لمصالح ذكورية تقتل أي حق أو طموح أو رغبة لدى الأنثى، فيصبح فهماً مغلوطا ليتم التحكم فيها بقرارات صغيرة وكبيرة تصنع المصير المرسوم برؤية الرجل وموافقة المجتمع.
لقد أدرج حسن الترابي افتاءات تتناسب وحال المرأة اليوم، فقد أكد بأن المرأة إن تفوقت على الرجل علما وفقها، فلها الحق بأن تتولى أمور الرئاسة والإمامة،لقد أنصف الترابي ومن قبله عبد الرحمن الكواكبي وعبدالله العلايلي المرأة المسلمة، ليعتبرها كائنا ذو كينونة اعتبارية لها شهادة تعادل شهادة الرجل،وأنها صاحبة حق في رئاسة وإمامة المسلمين.
لقد أصبحت الأنثى في وقتنا تعمل على قدم وساق وليل نهار فتوازي الرجل في ساعات العمل، ساعية وراء رغيف الخبز، مساهمة بشكل مباشر في الإنفاق على عائلة قد يكون الرجل أحد أطرافها. فتأتي القوامة بمفهومها الخاطئ لتتخذ القرارات التي يصعب علينا صنعها ما دمنا ننظر لأنفسنا بالضعف والهوان، وما دام الرجل لا ينظر إلى تلك القرارات بأدنى اقتناع أو احترام،على اعتبار أصبح مكشوفا بأنها "ناقصة عقل ودين" كي يتم التحكم بكل تفاصيل حياتها، ليصل هذا التحكم أحيانا إلى لون الملابس ورائحة العطر.
لكن القوامة الأصعب، هي قوامة الرجل على جسد الأنثى، فتكون خجلةً بأن تطلب حاجاتها الطبيعية لجسدها المستعمر، قوامة تحدد الوضعيات والأوقات، قوامة تحدد فترة الإنجاب المناسب، فتحدد حجم ونوع الاحتياطات اللازمة لتفادي أي خطئ قد يرتكب لحظة فرح الدنيا وأمل الحياة.
ثم تأتي فكرة أخرى أكثر فتكا، فكرة الخطيئة التي لازمت الأنثى منذ الأزل، فكرة وضعتها في خانة المتهمة والمجرمة لأنها حرمت آدم من البقاء في الجنة -"كونها معلمة للشيطان لا تلميذة"- بعد أن أغرته بأن يأكل من شجرة التفاح، فتصبح هي المسئولة الوحيدة عن تلك الخطيئة..!، ومن وقتها حرم آدم وحواء وجميع اللاحقين البقاء في الجنة لينزلوا إلى الأرض، فيتعرضوا لاختبارات دنيوية ستحدد جزاؤهم في آخرة سيكون المصير فيها إما الجنة أو النار.
ولأن فكرة الخطيئة لازمتنا، ولأننا رمينا بها على الأنثى لتلام وحدها على خطئ حرم البشرية من جنات يخلد الإنسان فيها، نجد بأن هذا الإنسان- رجلا كان أم أنثى- يحاول أن يؤدي العبادات الواجبة لينال الجنة في الآخرة، فما وعد به الرجل في الجنة يعتبر من أهم المغريات والامتيازات التي سينال، من خمر وأعناب وحور عين..! لكن السؤال الذي يبقى: ما هو مصير الأنثى وجزاؤها في الجنة الموعودة؟؟ هل ستكون خادمة لحوريات سيستمتع الرجل بهن؟ أم أنها ستكون الملكة عليهن؟ ومن لم تتزوج في الحياة الدنيا ماذا سيكون جزاؤها؟ هل ستتزوج تلك العذراء من أحد الملائكة كما قال لي أحدهم؟!.
تلك بعض من الأسئلة التي ترتسم في فكر كل أنثى تحاول أن تحصل على حق يعادل حق الرجل في الأرض، فتصل الى عدالة لا يشك بأمرها من السماء..!