الكاتب القاص علاء أبو زيد
var addthis_pub="tonyawad";
الكاتب القاص علاء أبو زيد استطاع عبر مجموعتين قصصيتين أن يلفت أنظار الوسط الأدبى إلى موهبته، صدر له من قبل مجموعتين قصصيتين الأولى "فم النهر" والثانية "الحافة" التى حازت جائزة ساويرس للإبداع، كما حازت قصته القصيرة "قبلات سرية" على جائزة كتاب أخبار اليوم "التقديرية"، وتصدر له قريبا المجموعة "القريب الأمريكى"، ومنها هذه القصة التى يسعد موقع اليوم السابع بنشرها.
أنت على الويتنج " Waiting "!
تذكرت أننى على الويتنج عندما استقبلت مكالمة الموظفة بقسم التبادل الثقافى بالسفارة الأمريكية.
أخبرتنى.. تقرر أن تسافر ونحن نقوم بمحاولات لكى تلحق ببرنامجنا للتبادل الثقافى وأتمنى أن يسعفنا الوقت.. أنت مستعد أليس كذلك؟
عرفت أنهم توجسوا من المقصد الحقيقى لمن كان مقررا له السفر قبلى فقد أحسوا من خلال حديثه أنه يعتزم الهجرة وأن مشاركته فى البرنامج وسيلة للسفر.
خلال أيام، كانت تأشيرة السفر بين يدى زوجتى، أعلنت امتعاضها باستفسارها ما العائد من غيابك ثلاثة أسابيع وتركك لنا بمفردنا دون أقارب فى مدينة ليس فيها غير الزحام والوحدة، هل نسيت أننا مطالبون بتسديد ما تبقى من أقساط مدارس أطفالنا هذا الأسبوع ثم لماذا أمريكا؟ ليت تأشيرتك لم تصدر.. على العموم براحتك.. سافر.
تليفون من صديقى المقرب:
عرفت إنك مسافر إلى أمريكا.
أولا تروح بالسلامة.
ثانيا أنت لم تخبرنى بسفرك.
ثم واصل بحرقة.. كنت الأقرب لى أبوح لك بأسرارى وأفضفض فقط أمامك ولا أعرف أنك مسافر إلى أمريكا.. أمثالك الذين وثقت فيهم فى غربتى هم الذين اخترقوا خصوصيتى وأبلغوها لأعدائى فنجحوا فى إزاحتى عن منصبى الكبير لأعود إلى هنا وأبقى دون عمل سنوات معلقا فى الهواء، لم أجد واحدا من الذين اعتادوا أن يتطوعوا بانتظارى فى المطار عند وصولى وعند مغادرتى، كنت أعتقد أنهم رصيدى فى وطنى وجدارى القوى الذى استند عليه.. يا إلهى.. دائما يخذلنى أحبائى وأنت منهم.. أنت مخادع.. أنت ماكر.. أنت...
الطائرة تقلع نهارا باتجاه نيويورك ومعى فى البرنامج ميرى المعيدة بإحدى كليات الفنون الجميلة ويشاركنا الرحلة من برنامج آخر نسيم وفيفيان وهما ناشطان فى حقوق الإنسان.
تتأرجح الصلبان الذهبية على صدور المصريين المسافرين معى فى طائرة خطوط "دلتا " الأمريكية.. أين كانت مختبئة ومتى خرجت؟ لا أعرف.
امرأة مصرية فى الثلاثين أشعرتنى بالونس تتكلم كثيرا بصوت مرتفع كأنها فى قاعة فرح ترغب فى تغيير مقعدها ولم تهدأ إلا عندما نجحت فى الجلوس هى وطفلها جوار النافذة.
صاحت.. أول مرة أسافر أمريكا بالنهار وأول مرة أشوف مصر من فوق وبصوتها المرتفع.. كريستوفر.. كريستوفر.
- تعال شوف.
بتلقائية تداخلت معها:
- جميلة مصر من فوق.
- بتلقائية أيضا ردت:
- مصر وسخة من تحت ومن فوق كمان.. شايف الغبار والتراب مش قادرة أشوف الهرم ولا قادرة أشوف النيل ولا قادرة أشوف أى حاجة.
الرحلة إلى نيويورك 12 ساعة متواصلة كل من فى الطائرة غادر مقعده أكثر من مرة لعل الوقت ينقضى. نسيم الناشط الحقوقى يقترب ويقف جوار مقعدى يسألنى عن مبرر زيارتى
اخبره بهدوء من يفوز بجائزة ساويرس فى الإبداع توجه له الدعوة بالسفر وهذا يتكرر كل عام ومع كل فائز ثم أخرجت له كتابى الفائز فطلب قراءته. عاد إلى مقعده ليجئ بعد ساعة.
لى ملاحظة أن أبطال قصصك لا يتحدثون اللغة الحقيقية للريف رغم أنهم يعيشون داخله أنت تفقد المصداقية بعدم اتساق اللغة مع أبطالها. حاولت أن أفرق له بين لغة التقارير الحقوقية التى يكتب بها تقاريره الواقعية ولغة الكتابة لفن القصة، ولكن غادرنى دون اقتناع. استدرت على صوت هامس.. امرأة تجلس ورائى مباشرة.. سألتنى
- ممكن اقرأ كتابك؟
وأنا أمنحها الكتاب تأملتها.
مصرية.. سمراء.. تميل للامتلاء تدهشك بصدر قوى ناهد مقيد ببلوزة ضيقة.
جاءت ميرى توقفت جوارى لفت انتباهى أنها حافية وعندما نظرت إلى قدميها وابتسمت ضحكت وهى تتحدث:
- لسه جزمتك فى رجلك اخلع نعليك يارجل وتحرر أنت فى طريقك لأمريكا.
طلبت ميرى أن نتمشى فى الطائرة وصلنا إلى بوفيه للمشروبات يشغل
مساحة الذيل تناولنا مشروبا ساخنا تقدمت خطوات ناحية النافذة كان النهار مصرا على العدو بسرعة الطائرة باتجاه أمريكا، وهى تنظر انتابنى هاجس أن تتسرب من زجاج النافذة فقد كانت نحيفة للغاية ولم أشعر بالراحة إلا عندما عدنا إلى منتصف البوفيه.
أجبتها للمرة العاشرة عن سؤالها المراوغ.. لماذا أنت؟
من يفوز بجائزة ساويرس فى الإبداع توجه له دعوة بالسفر وهذا يتكرر كل عام ومع كل فائز وإننى كنت فى الويتنج ثم المفاجأة بأن أسافر فى غضون أيام.
بدا على وجهها الارتياح وعندها سألتها ولماذا أنت؟
بفخر ردت أنا صديقة لمساعدة السفير الأمريكى وهى التى رشحتنى.
عادت لمقعدها وعدت لمقعدى.
طويلة.. طويلة ساعات السفر فقد كشفت لى كم هى أوطاننا بعيدة.. بعيدة عن الشعوب التى تعيش هناك.
أغمضت عيونى استسلاما لنوم يداهم بنعومة، أفيق بنقرات أصابع خجولة من الخلف على كتفى، أستدير.
ممكن احتفظ بالكتاب محتاجه أقرأه أكثر من مرة، فيه قصص حسيت إنى بطلتها زى قصة.. توقفت فجأة ثم اكملت:
- ممكن أقعد جنبك؟
وقبل أن أرد أشارت إلى صبى بأن يترك مقعده الملاصق لى فيترك الصبى مقعده ويجلس مكانها، وبينما هى تجلس فى المقعد الملاصق ذكرت أنه ابنها، وأشارت إلى سيدة مسنة لم تتحرك من مقعدها من بداية الرحلة وذكرت أنها أمها.
مالت أكثر، أنفاسها ترتفع سخونتها وتلفح وجهى، اعتدل مبتعدا فتقترب أكثر وتصر على أن تقرأ لى الأسطر التى أعجبتها.
أحسست بالخجل فالأسطر التى تقرأها تلخص علاقة حب تنمو بين رجل وامرأة حينما يتلامسان جسديا بعفوية.
أغلقت الكتاب سرحت بعيدا أغمضت عينيها أخذ صوتها يرتعش وراحت تحكى.
تزوجت بعد الثانوية العامة كنت أحب اللغة العربية وتمنيت أن أدرسها فى الجامعة فعرفت أنه ليس من حقى ونظرت إلى صليبها الذهبى المستكين فوق صدرها، كنت أعشق النصوص المقررة علينا وأحفظها وأبحث عن نصوص أخرى تشبهها ليست مقررة، كانوا يستغربون أننى أحب اللغة العربية وكان مدرسى يشجعنى ويمنحنى أعلى الدرجات، عندما أزور مصر أبحث عن القصص والروايات الجديدة وأقضى وقتى فى مسكنى بأمريكا فى قراءتها ولما أفرغ منها أبدأ فى قراءتها من جديد حتى أعود إلى مصر فأشترى غيرها، كنت أحلم باستكمال دراستى فى وطنى فأنا أحب حدائق القبة مكان طفولتى ومراهقتى وأحلى ذكرياتى.
كنت أطل من شرفتى وقت خروجه - الذى أحفظه- من منزله متوجها للجامعة وكنت انتظره حتى يعود، مازلت أذكر لون قمصانه الصيفية وأرديته للشتاء وشعره الأسود اللامع يضىء عيناى حتى هذه اللحظة.
مازلت أذكر لحظة أن رفع رأسه باتجاه شرفتى، خفت، وعندما ابتسم شعرت بأجنحة تنبت فى ذراعى وتحلق بى فى متعة لا نهائية.
لم أنس خطاباتى التى كنت أرسلها له حتى أقنعه بأن نلتقى وكيف أنسى طعم قبلته الأولى.. إنها مازالت عالقة فى شفتى.
آه.. أين أنت يا على؟
توقفت واستدارت إلى السيدة المسنة:
إنها أمى كما ذكرت لك كانت مخبأ أسرارى أحكى لها عن كل شىء عندما تأخذنى فى حضنها وتهدهدنى كطفلة أحكى لها عن كل شىء.. كل شىء، هى التى ألحت فى موافقتى على الزواج من قريبى الأمريكى الذى جاء خصيصا ليتزوج وحدد عدة أيام لمهمته إن لم أكن أنا الذى بدأ بها فهناك طابور ينتظر إشارة منه.
هكذا كان إلحاح أمى وهكذا وافقت.
قبل أن تغادر إلى مقعدها كتبت لى إيميلها ورقم تليفونها وعنوان إقامتها على سواحل الأطلنطى وكتبت لها إميلى ورقم تليفونى وعنوان إقامتى فى فيصل.
قالت.. هنتقابل مرة تانية وهتكون إما حدائق القبة وإما.. توقفت وأكملت وهى تضحك وبصوت ناعم.. وإما فيصل.
النهار المعاند ينهزم أمام طائرة الخطوط الأمريكية، نهبط فى مطار جون كنيدى بنيويورك ليلا، يستقبلنا رجل أمريكى فى الخمسين يتحدث العربية بلكنة أمريكية، أهم ما يميزه أنه بسيط جدا، ينهى إجراءات مغادرة المطار، يتذكر سنوات قضاها بسفارة بلده فى القاهرة يتحدث بولع عن عشقه للمشى فجرا فى ميدان الفلكى والتسكع فى مقاهى وسط البلد.
صدمنا حينما أخبرنا بأن سوء الطقس يقضى بأن نحتجز ونبيت ليلة فى فندق المطار حتى نغادره فى اليوم التالى جوا إلى العاصمة واشنطن DC، وقبل أن نتجه إلى فندق المطار أخبرنا أنه سيحاول حجز أربعة مقاعد لنا ثم غاب.
إحباط ثقيل جثم على أرواحنا.. سيضيع يوم من البرنامج دون متعة أو فائدة وزاد من إحباطنا أننا قد نستمر أياما أخرى محتجزين فى فندق المطار لا نغادره حتى تتغير أحوال الطقس العاصف الجليدى.
يعود الرجل الأمريكى رافعا يده بثلاث تذاكر ويقف كمتحدث رسمى قائلا:
نجحت فى حجز ثلاث تذاكر الثالثة عصرا غدا واحدة لميرى والثانية لفيفيان والثالثة لنسيم، ثم صوب وجهه ناحيتى وبجدية متحدث رسمى يعرف العربية
- أنت ستسافر بمفردك فى أغلب الأحيان.. معلهش:
أنت على الويتنج " Waiting "!