د.
الحب أمر غريب, فلا يعلم أحد سره ولا يفهم أحد سببه, كمان أنه ما من أحد يختاره.. هو سلطان يحتل قلوبنا قسراً دونما تحذير ودونما مناقشة!! لا يد لنا فيه فنمنعه, ولا طاقة لنا به فنحاربه.
ومثلى مثل كل البشر, احتل قلبى بحب جارف, فكانت دقاته ملك حبيبه ليس بجمالها شئ على وجه الأرض, كنت أراها أجمل من فينوس, وأروع من نيفرتيتى, بل كنت أشعر أنها جمعت كل الجمال فيها. ورغم ما كنت أكنه لها من عشق أجبرتنى ظروفى على الرحيل عنها بعض الوقت.
فراقها كان مؤلما إلا أننى تصبرت على ألمه بذكراها الجميلة, فكنت أقضى نهارى وأنا أفكر فيها دونما أن اقصد ذلك, فهى كالشئ الملازم لى, لا ألمح شيئا إلا وأجد فيه لمحة من قسماتها, بل كنت أشعر أنه ما من شئ جميل على وجه الأرض إلا وقد اقتبس من نورها قبساً, فى المساء كان يحيط بى طيفها ويغلف جوانحى بحنان, مستمعاً لصوتها العذب يغنى لى فأنام على تنهيداتها وكلى أمل فى أن تجمعنا الأيام من جديد.
لن أخفيكم أمراً فأوقات غربتى كانت مقسمة بين ذكراها المحببة إلى نفسي, وبين لحظات الشوق والتمنى فى أن نعود سويا من جديد. كانت هى الدافع الأساسى لأى نجاح حققته, كانت النبراس الذى أضاء طريقى والمحرك الذى زادنى قوة وإصرارا على التفوق فى كافة المجالات. وتمر الأيام والشهور وتظل هى كما هى.. محتلة النفس كاملة, بل على العكس لربما زادت آلام الفراق من حبى وعشقى لها.
وفى الموعد المحدد الذى كنت أنتظره على أحر من الجمر تقابلنا, وكأننا لم نفترق, لأجدها فاتحة لى ذراعيها البيضاوين, محتوية إياى بساعديها القويتين, هامسةً فى أذنى كنت معى، وأنت بعيد فأهلا بك من جديد.
أعيش معها أحلى وأجمل اللحظات. والتى لا تستمر كثيرا حتى يحين موعد رحيلى من جديد لتكون تذكرة الطائرة كالسكين الذى يقطع أواصر العضلات فيدميها, تخفف عنى بحنانها آلام الفراق, وتمسح دمعاتى المنهمر هامسة وهى مبتسمة لا تحزن فأنا معك….
وتمر الأيام والسنون وتتكرر الأسفار حتى أتى والحمد لله اليوم الذى انتظرناه طويلا أنا وهى، أخيرا بلا وداع، عدت بلا رغبة فى السفر من جديد……. جمعتنا أيام سعيدة ولحظات أحلى, وهى لا تزال تمنحنى نفس الابتسامة, ولا يزال حبى لها مزدادا حتى وصل لأعلى درجات الوجد والهيام, ويوم وراء يوم، وليلة تلوى الأخرى، أشعر بأن بريق الابتسامة بدا يخبُ ونيران العشق بدأت تهبوا, أحاول أن أفهم السبب منها.. أخبرها أنى لا زلت أعشقها، ولكنها وللأسف لا تعيرنى انتباها.. أحاول أن أتفهم أمرها, ألتمس لها الأعذار وأصبر على معاملتها أيام..!! وتمر السنوات وأنا لا زلت صابرا ولازالت هى من سئ لأسوأ, أتقرب منها أكثر, أتودد إليها, استجديها لعلها تخبرنى ما الذى بدر منى كى تغضب على؟!!!!… فما الذى غيرها؟؟.. تستمر هى فى صمتها المؤلم كأنها تتلذذ بتعذيبى,……… وبعد صمت طويل أجدها تردد وبكل برود أنا لم أتغير أنا كما أنا أنت من كان يتخيل!!!
تنزل كلمتها كالصاعقة على رأسى معيدة لذاكرتى أموراً وكلمات وتحذيرات قد سمعتها كثيرا فى غربتى, مفادها أننى لا أعرف حبيبتى جيداً, ولم أفهمها حقا، فهى ليست كما أعتقد.. كنت أكذب من يدعون ذلك صارخا ً مردداً: أنتم لم تروا ذلك القلب الأبيض, ولم تلمسوا تلك اليدين الحنونيتين, ولم تستنشقوا عبيرها الآخاذ مثلى, أنتم رأيتموها من بعيد لم تقتربوا منها جيداً, أنتم المخدوعون فيها لا أنا.. ترتسم على وجوههم ابتسامة السخرية والتحدى، كأنهم يرددون سوف نرى من المخدوع.
أواااااه يا قلبها, أكنت أنت المخدوع أكنت أنا المضلل؟؟؟ آآآه من آلام نفسى التى لا تحتمل..آه من آلام قلبى المجروح.. أهيم بين قسمات وجهها باحثاً عن أى شئ يواسينى, عن أى شئ يجعلنى أصدق أن هذه الملامح البريئة قادرة على الجرح, عن أى شئ يجعلنى أتخيل أن هذه الابتسامة الحنونة تخفى ورائها غولا قويا قادرا على اقتلاع القلوب من بين الأضلع دونما أن تهتز له شعرة أو تتحرك فى قلبه رأفة.
فلا أجد شيئا فى ملامحها…… قسماتها باتت باردةً لم أعد أفهمها, باتت لغزاً!!
أغمض عيناى لأجد أن قلبى لا زال يشعر بحرارة دفء قلبها, لازال يشعر بحبها, لا زالت نبضاته تنبض لأجلها.. أغمض عينى بقوة دونما رغبة فى فتحها من جديد..!!
أظل كذلك فترة من الزمن, لا أرى إلا كل ما يسرنى منها, ولا ألمح إلا ما قد يرضينى عنها, ومرة تلو أخرى يسوء حالها أكثر حتى بت لا أجد ما قد يسر!!! بل بالعكس أنا من وهبها حياته، وأحاطها بكل ماتحب تتجاهله وتمنح حبها لأشخاص آخرين يستنزفونها ويسخرون منها,..لا يفهمونها مثلى، فهم لم يروها بعينين كعينى, كل ما رأوه فيها كان جمالها, كان خيرها المتدفق الذى يسيل له لعابهم….. حبى لها كان حبا معطاءً, وحبهم لها كان حب التملك والسيطرة, ففى اللحظة التى تخبو فيها شمعتها، سيكونون أول المنفضين عنها, ومع ذلك هى تعطيهم من حنانها أكثر مما تعطينى، بل هى لا تمنحنى حناناً على الإطلاق.
ما قد حدث أعاد إلى بالى فكرة السفر من جديد, لعل سفرى يجدد ما كان بيننا من حب, فمهما فعلت بى لا أقوى على أن أتوقف عن عشقها!!!
اقتربت منها مودعا ً, نظرت إليها هذه المرة وأنا جاحظ العينين, قاسى الملامح, أتأملها من جديد وكلى أمل فى أن تفسر لى لما تفعل بى,…… أحدثها: حبيبتى كنت ولا زلتى حبيبتى……. أخبرينى ماذا دهاك؟ أنا لا أفهم أنا لا أصدق أنا لا أتصور أنك تكرهينى… أنظر لعينيها نظرة ثاقبة ودونما مقدمات تجهش حبيبتى فى البكاء……….
آه ما أشد آلام دموعها فرغم أنها قطرات ماء إلا أنها تسقط فى قلبى وكأنها جمار نار……..
آه يا حبيبتى ياليتنى لم أسألك، كفاك دموعا ولا تأبهى بى.. لا تجيبى عن أى سؤال.. كونى كما أنت وسأظل أحبك دائما مهما فعلتى.. ومهما سافرت ومهما بعدت ومهما طالت المسافات بيننا سيظل حبك هو حياتى وإخلاصى لك سيظل كما هو مهما حدث!!!
أنا أفهمك فكل ما أنت فيه ليس بإرادتك, كل ما تعانين ليس لأنك تكرهين أحبائك وأبنائك, كل ما أنت فيه ليس إلا لعنة تصيب كل الجميلات!! وكيف بك وأنت أجملهن.. لعنة الجمال تلك أصابتك فبتت مطمع الطامعين, محط أنظار الحاقدين, ولأنك بسيطة بريئة لم تدركى مآربهم الشريرة, فاحتلوك وأنت العزيزة, ونهبوك وأنت الغالية النفيسة.. أنت يا حبيبتى يا بلادى يا مصر يا أجمل مافى الوجود، كثيراً ما يغضبنى حالك، وكثيرا ما تحزننى أفعالك وأفعال أهلك, إلا أننى أعود لأدرك أن للحب سلطان قوى لا يفهم أحدٌ سره, ولا يدرك أحدٌ سببه, ومهما كانت آلام عذابه قوية ستظل بلسماً إذا ما قورنت بويلات فقدانه