الدين لله والوطن للجميع

إن ما جرى ويجرى من توترات أو تشنجات فى السلوك اليومى، وداخل المنظومة اللغوية، وعمليات التفكير وحتى على صعيد التصورات الحياتية، والعلاقات الاجتماعية، لدى المسلم أوالمسيحى، يعود إلى أن ما ينطلق منه الفرد، أو حتى هذا الطرف أو ذاك، غالباً ما يكون ذا أرضية دنيوية مصلحية، تلونه النوازع النفسية، وتضع (الآخر) الذى ينتمى إلى دين آخر، فى مرتبة الخصم، وهو فى جوهره ندّه إنسانياً،وأخوه فى الأصل، وشريكه فى الحياة، وفى علاقته بالكائن المتعالى .

ولعل خلود طرف ما، إلى الراحة النفسية، وإلى الصفاء النفسى، ومحاولة الدفاع عن ذلك، يعود إلى تلك العلاقة التى يقيمها مع ذلك الكائن المتعالى، ويتخذه سلطة داخلية، فيكون الإنسان بامتياز.. ولعل عبارة( الدين لله والوطن للجميع ) ذات صدى كونى، وتمتلك الكثير من الدلالات والرموز القيمية العظمى.

فهى تعنى من جهة، أن الدين يخص الله، وهذا يعنى أن الناس هم أخوة فى الدين، وأنه ليس هناك داع للاختلاف حول ذلك، مادام الهم واحداً، وأن العالم الذى يضمهم فيه، ملكهم جميعاً ... وتعنى من جهة ثانية، أن من الضرورى العودة باستمرار إلى الأصل، أصل الإنسان . فالإنسان واحد وليس هناك من يستطيع إثبات تفوق شخص على آخر فى جنسه، أو من خلال مذهبه، وليس هناك من يرفض مبدأ أن كل الناس من آدم، وآدم من تراب . فهناك إذن الأخوة الواحدة، والأب الواحد، بل والمادة الواحدة التى منها خلقوا، وبثت فيها الروح، وإليها يعود الجميع ... وتعنى من جهة ثالثة ضرورة تجاوز وسوسات النفس، وكل الاستعلائيات التى يستغل عبرها، ويضطهد شخص ما، شخص آخر، أو فئة ما، فئة أخرى، أو جماعة ما، جماعة أخرى على أساس اختلاف لون البشرة أو (موروفولوجيا) الجسم أو المعتقد، أو المعتنق الدينى.

وما دام الجميع محكومين بسلطة الموت، وأن الموت هو واحد، وبوسعه أن يكون الملهم الأكبر لهم، ليتقاربوا أو يتوادّوا، فالتراب الذى يضمهم هو واحد، وظلمات الأعماق الأرضية واحدة ... إلخ . وتعنى من جهة رابعة ضرورة الدفاع عن سلطة الكائن المتعالى، تلك التى تشكل القيمة الكبرى لضبط النفس، أو النفوس، ومكافحة الشرور، أو أنواع الاستغلال، مادام (الكل) متفقين أن ليس هناك من يستطيع الادعاء أن الله يأمر بالطغيان ويدعو إليه، ويستثى البعض من الحساب، ويبارك البعض لأنه يمتلك امتيازات، وجدت معه منذ الولادة، مهما كانت طبيعة هذه السلطة فى تشكلها، على الصعيد القانونى . وضرورة النظر إلى العالم بوصفه وطن الجميع وكما أن هناك من يدافع عن عائلته، أو أسرته، إذا داهمها وباء معين، ويحاول تحصين بيته وتجميله، هكذا تكون علاقته مع العالم، ومع الآخرين داخل هذا العالم... وضمن هذا المنظور، يمكن القول إن ما يثار هنا وهناك، وينشر من دراسات مختلفة، وبلغات متنوعة، حول إذا ما كان (عيسى الناصرى) ابناً لله أم لا، وما إذا كان النبى محمد نبياً أم لا، وتلقى الرسالة من الله أم لا، هو الذى يخدم ما هو مختلف، وما يدفع العالم إلى أن يزداد ضيقاً بأهليه، ويجعل (أبناء آدم) هابيليين و قابيليين، أعداءً لدودين لبعضهم بعضاً، بدلاً من التفكير فى أن كلاً منهما، هو نبى، وأنه لم يظهر للناس، ليتحكم بهم، ويؤسس سلطة اعتبارية تخص جماعة دون أخرى، وأن صوت المحبة هو الذى يتقدمهما، المحبة فى معناها الإنسانى الأعمق، لا المحبة التى تدفع هذا الطرف أو ذاك، ممن يعتبر نفسه منتمياً لهذا النبى أو ذاك، قومياً أو دينياً، لجعله رأسمالاً رمزياً سلطوياً، أو امتيازاً تاريخياً من خلاله يتعالى على الغير