تعتريني دهشةً هي أقرب للألم كلما دلفت من ميناءٍ لآخر- وقد كنت دوما لمن يعرفني كثير السفر محبا له - حين يسألني سائلٌ إن كنت منتميا لمذهبِ إمامَنا عليا أوكنت من أهل سنة وجماعة حبيبنا النبي المصطفى، أجدني لبرهة مشفقٌ على من يحمل كل هذا الكم من الهراء داخله، فهل أنَّ عليا لم يكن سائراً على سنة إبن عمه الحبيب، وهل كان الصحابة أنفسهم بينهم وبين إبن أبي طالب ذلك البونُ الشاسع.
تراني أعبر برزخ الدهشة إلى ما هو أكبر منه، هو سؤال يتملكني مفاده إن كان النبي نفسه شيعيا أم سنيا وهو قدوتنا، فإن كنا سائرين على دربه طريقٌ بيننا وبين الجنة فحري بنا أن نموت على ما مات عليه، ولَماَّ كان النبي قد مات وقد كان والإسلام نفسه بمترفعٍ عما سلف، فلماذا نزُجُّ بأنفُسِنا إلى هذا المنحنى الضيق الذي يهدم أكثر مما يبني، ما الفائدة أن نعرف ماذا حدث يوم السقيفة، ومن رَفَعَ رسولُنا يده يوم خطبة الوداع أومن لم يرفع إن كنا أحفادهم قد أضعنا المجد وقد كنا يوما أعزة، ماذا نرجو من دخولنا في أدق تفاصيل خلاف حول من سبقنا بالإسلام وأقام دعائمه وهم من هم إن كنا نحن من نحن.
ما نفع الغوص بتفاصيل سيرة أُناسٌ وصفهم حبيبنا محمد بأن أحدنا لو أنفق مثلي جبل أحُدٍ ذهبا لن يبلغ مُدَّ أحدهم أو نصيفه*، هل نعلم نحن علم اليقين إن كان الإنسان قد صعد فعلا إلى سطح القمر أم لم يصعد خاصة وأن هناك من يؤكد بدلائل دامغة على حدوث التجربة بشكل سري في صحراء نيفادا وليس على سطح القمر، هل نستطيع أن نجيب عن سبب إختفاء السفن والطائرات عند مثلث برمودا الشهير، وهل رؤية الأطباق الطائرة حقيقة وقد نُشِر من الصور الكثير مما يؤكد أن هنالك من شاهدها وصورها في أكثر من بقعة في العالم ، وماهية وحش بحيرة نيس ، كلها أمور حدثت في زماننا ما زلنا عاجزين عن تفسيرها، فكيف وما نبحث فيه يعود لأكثر من ألف سنة مضت.
ماذا سيعود علينا مسلمي هذا الزمان إن كانت دولتنا الأم قد تأسست عن جدال ومؤامرة كما يزعم البعض، ونحن أهون على بقية الأمم اليوم من جناح بعوضة، قد أضعنا المجد، فبماذا تنفعنا معرفة هوية صانعه
هي بداية أبتغي منها دحر أصل المشكلة، وليست بقائل أن رغم تلاشي أسباب الخلاف فإن الخلاف نفسه ليس بقائم، ولكن القصة ليست كلها سواد، وبالإنتقال من العام إلى الخاص محافظين عليها صورة عراقية خالصة نجد أن أهل البلد الواحد شيعة وسنة كانوا بعيدين عن الإختلاف والتناحر على مر الأزمان، فكثير منا وُلِدَ لأبٍّ شيعي وأم سنية أو العكس، وكثير منا ممن زار مراقد الأئمة العظام وأنا منهم ذهبنا محملين بهموم دنيوية علها تنجلي عقب زيارة صاحب المكان، يجمعنا شيئ واحد أهم من المذهب ، هو الإجلال والتعظيم لتلك المزارات يملؤنا عزاًّ أن أصحابها أختارو العراق بقعة طيبة مباركة يعيشون ويموتون ويدفنون فيها، كما وأن في زمن ما قبل الخلاف كان العراق مهبطا لنبي الله آدم، ومرسى لسفينة نوح، وكان مسرحا لقصة أبو الأنبياء إبراهيم مع قومه موقدي النار العظيمة، التي أرادها الله بردا وسلاما له، و لقومه من بعده، ونحن منهم سلالة ولده إسماعيل، ويحضرني في هذا المقام كلام العزيز الجليل المنزَّل على مصطفاه محمداعن لسان جده إبراهيم الخليل : بسم الله الرحمن الرحيم – قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين – لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين – صدق الله العظيم
وأنا في بلاد المهجر كان لي صديقا من أهل البلد لا دين له، وقد ولد صاحبي هذاعلى المسيحية ولكنه تنكر لها منذ البداية، سافر للهند كي يتقرب لدين"كريشنا**" ومكث فيهم عاما ولكنه تركها وتركهم متوجها إلى الصين واجدا في البوذية غايته ومكث فيهم أيضا، قبل أن يتركها أيضا ليعود لبلده حيث رأيته وأخبرني عما كان من أمره، فدعوته للتقرب من الإسلام ولكنه أبىَ متندراً إن كنا نحن المسلمون لسنا متفقين على شيئ ، ولسوء الحظ فقد كان صاحبي هذا من ضحايا الإعلام الغربي الذي ضخم المشكلة مصوراً الأمر بيننا أهل العراق كأنه حربا مذهبية شعواء، فسألني بعد أن هدّأت من روعه أي المذهبين يتبع، ولا أخفيكم أمرا أنه قد أخذ سؤاله هذا مني مأخذا وقد كنت قد أوشكت على عدم الرد مكتفيا بهز رأسي موافقا إستسلاما لسلامة موقفه، ولكني لبرهة إستذكرت جيل الصحابة والسلف العظام، ومن أرسلهم النبي الكريم لشتى بقاع الأرض مبَشِّرين بالدين الجديد وللطرافة فقد تخيلت نفسي أحدهم فلم أخسر معركتي مع محدثي الحائر، فرجل مثله سافر للتعرف على أديان بلادٍ بعيدة تاركا بلده ووظيفته المحترمة لهو صيد سهل كي أستدرجه للتعرف على ديننا ربما تمهيدا للدخول فيه مع شيئ من التوفيق من قبلي.
ولكي لا أطيل عليكم، فقد بدأت بتعداد مزايا ديننا الحنيف وهو ما إتفقنا عليه شيعة وسنة، وقد دهشت وهو ما كان من أمر محدثي أيضا لكثرة ما نجتمع عليه، حيث أن المسلم أياًّ كان مذهبه لا يَقتل، ولا يزني ولا يسرق ولا يأكل مال اليتيم، وجميعنا يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويدعو لمكارم الأخلاق ويصوم رمضان ويحج البيت ! ولما وجدت صاحبي هذا مصرا وقد أخذ حديثي هذا منه مأخذا حسنا على أن يعرف ما الفرق بيننا إذن، وقد إجتمعنا على كل ما ذكرت، وجدت نفسي عندها قائلا له: "فالنفترض أن كل ما سبق ذكره يمثل 90 % من الإسلام، وقد إجتمعنا عليه نحن المسلمون شيعة وسنة، فلماذا لا تترك ال 10 % الإضافية لك كي تختارها بنفسك بعد أن تدخل في الإسلام وتقرأ وتسمع من هؤلاء وهؤلاء لتحكم أي المذهبين أحب إلى قلبك، وهنا تكمن قوة الإسلام، دينا عاما شاملا ليس للتلقين فيه بمكان يُترك المسلم فيه للإختيار بين المذاهب دون المساس بالأصول، أي ال 90 % التي إتفقنا عليها في البداية"
بقى أن أذكر أنني قد زودت صديقي هذا بنسخة من القرآن الكريم كتاب المسلمين جميعا مترجما إلى لغته الأجنيية حيث عكف على قراءته وما زال حتى اليوم ، عسى أن يهديه الله لإعتناق ديننا الحنيف فإن إعتنقه فدعائي له هنا أن يثبته عليه فلا يتركه كما إعتاد أن يفعل مع كل دين إعتنقه، ويثبتنا معه إنه سميع مجيب
هنا إنتهت قصتي مع صاحبي، وسأختم مقالي هذا بدعوتي للعراقيين جميعا أن يتحابوا ويتآلفوا ويرضوا بفروقاتهم البسيطة دون غضاضة ويتوحدوا كما توحدت قارة أوربا العجوز رغم تعدد قومياتها ولغاتهاودياناتها ، أم ان الأمر بمستبعد عند أهل البلد الواحد والعملة والديانة الواحدة.
رحم الله من قال " إن في إختلاف المذاهب رحمة"