للسيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله مكانة خاصة فى قلوب العرب والمسلمين، تقديرا لجهاده ونضاله هو وحزبه ضد الاحتلال الإسرائيلى للبنان، وقد وضعناه جميعا فى مكانة الأبطال بعدما شاهدنا جيش الاحتلال الإسرائيلى وهو ينسحب من الجنوب اللبنانى تحت جنح الظلام، لكن مع نهاية الاحتلال أخذت سيرة السيد حسن فى التبدل والتغير، ولم يعد حزبه المناضل ضد الاحتلال، ومن أجل الحقوق العربية المشروعة على دربه سائرا، وإنما تحول إلى شوكة فى خصر الديمقراطية اللبنانية، ومن يخالف أو يعادى إيران من الدول العربية.
وحين ثار الشعب اللبنانى ضد الاحتلال السورى، والسيطرة الخارجية على القرار السياسى اللبنانى عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق رفيق الحريرى، انتقل حزب الله من المعسكر الوطنى اللبنانى إلى معسكر الموالاة لسوريا، وأصبح من أشد المعارضين لإعادة ترتيب العلاقة بين دمشق وبيروت على أسس من الصداقة والعلاقات الأخوية المتزنة والمتساوية.
ثم قاد السيد نصر الله لبنان والعرب إلى حرب يوليو 2006 التى دفع لبنان ثمنها غاليا، رغم ماكينة الدعاية التى تزعم انتصار حزب الله فى تلك الحرب حتى الآن، بينما المعارك انتهت سياسيا برقابة دولية على لبنان برا وبحرا وجوا، وقبحظر تسليح الحزب، ووضع قيود على انتشاره فى الجنوب اللبنانى.
وحين انتهت الحرب قاد السيد نصر الله انقلابا على الحكومة الشرعية فى لبنان، فحاصر مجلس الوزراء ومنع هو وحلفاؤه مجلس النواب اللبنانى من الانعقاد لأكثر من عام، ثم قاموا باحتلال بيروت فى مايو عام 2008، بعد أن استباحت ميليشيا حزب الله كل الأراضى اللبنانية وقتلت وحرقت وأسرت كل من يعارضها سياسيا.
ولم تقف مغامرات السيد نصر الله وحزبه عند هذا الحد، وإنما تصاعدت الوتيرة بهجوم إعلامى شرس ضد مصر، منذ نهاية العام الماضى، بدأ بمظاهرات ودعوات لاقتحام السفارات المصرية فى كل أنحاء العالم، ثم وصلت إلى حد لا يمكن قبوله بالهجوم المباشر على مصر والتحريض عليها خلال حرب غزة، فى الوقت الذى أصدر فيه تعليمات مشددة لهناصره بالتزام الهدوء وعدم التدخل فى الحرب الدائرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وخلال تلك الحرب انطلقت صواريخ من جنوب لبنان، ضربت شمال إسرائيل، وسرعان ما صدرت تصريحات من نصر الله ورفاقه بالتنصل من مسئولية هذه الصواريخ، إضافة إلى رسائل إلى تل أبيب عبر وسطاء تؤكد التزام حزب الله بالهدوء فى جنوب لبنان، والسيطرة على الحدود، وتطمين إسرائيل بأن الحزب لن يشعل الجبهة اللبنانية ردا على المجازر التى ترتكبها إسرائيل فى غزة.
وأخيرا فوجئنا وفوجئ الجميع باعتقال شبكة تابعة لحزب الله فى مصر، استهدفت القيام بعمليات إرهابية، وتهديد السلم الأهلى، ولم يجد السيد نصر الله سوى الخروج بكلمة مسجلة يعترف فيها بأن اللبنانى المعتقل فى مصر ينتمى إلى حزب الله، وأن الحزب أرسله لتقديم الدعم اللوجيستى للفلسطينيين فى غزة.
هكذا بمنتهى البساطة يعترف السيد نصرالله بانه أرسل قياديا بحزبه إلى دولة أخرى لتقديم الدعم العسكري للفلسطينيين، بينما فرض هو حصارا مشددا على حدود بلاده ومنع انتهاكها، أو تهديدها بأى حال من الأحوال.
رأيت السيد نصر الله أمس وكأن على رأسه بطحة وهو يعترف بانتماء المقبوض عليه فى مصر إلى حزب الله بلغة هادئة، ولهجة مختلفة، متخليا عن خطبه العنترية، وكلماته الحادة التى كان يدعو فيها المصريين والجيش للانقلاب على السلطة، محاولا تصوير القضية وكأنها محاولة منه لمساعدة حماس فى غزة، وتعنت مصرى ضد الفلسطينيين المحاصرين وهو أمر أبعد ما يكون عن الحقيقة. فقد سألت مسئولا مصريا عما يتردد عن الحصار الذى تفرضه مصر على حماس فقال: أحد الأنفاق من مصر بين رفح المصرية والفلسطينية مخصص لنقل الوقود، فهل تتصور أن السيارة التى تنقل الوقود حتى مدخل النفق فى مصر لا يراها أحد!
لا أريد الاسترسال فى الحديث عن قضية حصار غزة، ولا الدور الذى تلعبه مصر في مساعدة الفلسطينيين بشكل رسمى أو غير رسمى فكل ما يعرف لا يكتب، لكن مؤامرات السيد نصر الله تجاه مصر تحت زعم مساعدة الفلسطينيين ليست أكثر من غطاء يحاول من خلاله تسويق مشروعه السياسى الشيعى الإيرانى للمصريين، ليس أكثر ولا أقل، أما المناضل القديم الذى حرر أرضه من الاحتلال فقد أكل عليه وشرب الزعيم السياسى نصر الله .. فياليته ظل سيدا متمتعا بكل الحب والاحترام الذى منحناه إياه.