محاكمة ملاك الفضائيات الاباحية

بداية، أعتقد أن الفتوى التي أصدرها رئيس المجلس الأعلى للقضاء في السعودية الشيخ صالح اللحيدان عن إجازة "قتل (إعدام) ملاك الفضائيات الإباحية بعد محاكمة قضائية" ستثير جدلا واسعا خصوصا في السعودية والغرب.

في السعودية لأنها تخص بعض أمراء سعوديين يمتلكون فضائيات مثيرة للجدلِ تبث "العري كليب" والمسلسلات والأفلام الأجنبية الملغومة بمشاهد ساخنة (ما أسميه القوة الناعمة أو الغزو الثقافي). وفي الغرب، لأن البعض هناك، خاصة إعلام الإثارة، يتربص بأي شيئ له ملامح دينية إسلامية من هذا القبيل صادر عن مسؤول سعودي لاستغلالها في تشويه الدين الإسلامي والنيل من سمعة العرب والمسلمين في شخص السعودية (الوهابية). وقد جاء الفتوي على الطبطاب كما يقولون لتتزامن مع ذكرى حدث غير العالم وشوه صورة الإسلام، رغم أن الرجل يرى أن إفساد ملاك بعض الفضائيات يستدعي نصحهم وتعزيرهم، ومن ثم محاكمتهم وإصدار أحكام رادعة بحقهم من جانب الدولة قد تصل إلى القتل، ولا يعني ذلك الدعوة إلى قتلهم عدوانا لأن الدولة هى المسؤولة هنا.

وللأسف انتشرت الفتوى في الغرب لتتزامن أول أمس مع الذكرى السابعة للهجمات الإرهابية على واشنطن ونيويورك في 11 سبتمبر عام 2001. وفي نفس الوقت، أرسل غلاة المعادين للعرب والمسلمين لملايين الأمريكان مجانا في بيوتهم هدية فيلما على اسطوانة (DVD) يكتظ بمشاهد العنف التي تشوه الإسلام والمسلمين. ولك أن تتخيل أثر ذلك على المواطن الأمريكي الطيب البسيط الذي يأخذ أغلب معلوماته من التلفزيون والأفلام، ولك أن تتصور نفسك مكانه!

الشيخ صالح اللحيدان اعتبر في فتواه أن "قتل" ملاك الفضائيات عبر "القضاء" ممكناً، إن لم يكفوا عن بث برامج مفسدة (أي إفساد وفساد في الأرض). لا أحاول تبرير ما قال ولكن أحاول هنا أن أشير إلى أنه يحدد "القضاء" يعني المحاكمة القضائية التي قد يحكم فيها بالإعدام! ومع ذلك وكالات الأنباء وصحف الإثارة الغربية شوهت ما قصده الرجل وأسقطت في تقاريرها "دور القضاء" في كلامه مما يعطي انطباعا بأن الرجل يدعو الناس لقتل ملاك الفضائيات، أو بتعير آخر: الإرهاب ومحاولة ربطه بالاسلام

الشيخ اللحيدان قال في إجابة على سؤال في برنامج "نور على الدرب" بإذاعة القرآن الكريم السعودية: "من يدعون إلى الفتن إذا قُدر على منعه ولم يمتنع قد يحل قتله، لأن دعاة الفساد في الاعتقاد أو في العمل إذا لم يندفع شرهم بعقوبات دون القتل جاز قتلهم قضاء. فالأمر خطير لأن الله جل وعلا لما ذكر قتل النفس قال: «أو فساد في الأرض»، فالإنسان يقتل بالنفس أو بالفساد في الأرض، وإفساد العقائد، وإفساد الأخلاق والدعوة لذلك نوع من الفساد العريض في الأرض." وحسب دراسة منشورة عن أثر الفضائيات على سلوك الشباب العربي على الانترنت، وجدت أن مصر على سبيل المثال جاءت في الترتيب الأول بين أكثر الدول التي يبحث مستخدمي الانترنت فيها عن كلمة "جنس" باللغة الانجليزية.

والحق يقال إن هناك برامج ومسلسلات وأفلام محلية وأجنبية كثيرة على الفضائيات مشحونة بمشاهد وإيحاءات جنسية تثير غرائز الشباب المسكين الذي لا يستطيع الزواج سواء بسبب قلة الحيلة نتيجة البطالة أو بسبب المغالاة في المهور أو الأسعار الخيالية للشقق مما دفعهم إلى الجلوس أمام فضائيات أحلت ما حرم الله وحرمت ما أحل الله.

وهذا يأخذنا إلى الكلام المهم الذي قاله ملك الصين لملك الفرس "يزدجيرد كثرى" بعد انتصار المسلمين على الفرس في معركة "نهاوند." وفي التاريخ الإسلامي الكثير من القصص والعبر التي يمكن أن نستفيد منها في حياتنا اليومية والعامة.

فقد كان للمسلمين هيبة عظيمة في نفوس الأمم الأخرى أيام الفتوحات الإسلامية، ليس بسبب قوة مادية ولاعسكرية وإنما بسبب اليقين الذي عمر قلوب المسلمين أنذاك فجعلها لا تخفق لغير الحق ولاتخشى غير الله تعالى ولاتبيع الدين بعرَضَ من الدنيا - كانوا يعمرون الأرض ويفتحون المراكز التعليمية والعلمية من الاندلس إلى جنوب فرنسا.

ولعلكم سمعتم ربما في برامج عديدة عندما كانت الإذاعة والتلفزيون مصدرا للتنوير وليس للتسفيه والابتذال، أنه عندما انتصر المسلمون بقيادة النعمان بن مقرن على الفرس في معركة نهاوند سنة 21 هجريا الموافق 620 ميلادية... سارع يزدجيرد كثرى ملك الفرس بطلب العون والنجدة من ملك الصين، فارسل إليه برسل يحملون الهدايا أشكالا وألوانا.

وعندما قابل ملك الصين رسول كثرى قال له: قد عرفت أن حقا على الملوك أن ينجدوا الملوك على من غلبهم. فصف لي صفة هؤلاء القوم الذين أخرجوكم من بلادكم، فإني أراك تذكر قلة منهم وكثرة منكم. ولا يبلغ أمثال هؤلاء القليل الذين تصف منكم هذا المبلغ على ما أسمع من كثرتكم إلا بخير عندهم وشر فيكم.

فقال رسول يزجيرد كثرى ملك الفرس لملك الصين: سلني عما أحببت فإني اجيبك عن المسلمين بما أعرف
قال ملك الصين: أيوفون بالعهد
فأجاب رسول كثرى: نعم يوفون بعهودهم ولاينقضونها
قال ملك الصين: وما يقولون لكم قبل أن يقاتلوكم
فأجابه رسول كثرى: إن المسلمين يدعوننا إلى واحدة من ثلاث إما دينهم، فإن أجابناهم وأسلمنا أجرونا مجراهم وإما الجزية والمنعة وإما المنابذة والقتال.
فسأله ملك الصين: فكيف طاعتهم أمراءهم وقوادهم؟
فأجابه بأن المسلمين أطوع قوم لمرشدهم وقائدهم.
فسأله الملك: فما يحلون وما يحرمون؟
فأجابه رسول كثرى عن ذلك أوفى جواب.
فأردف ملك الصين بسؤوال أخر: أيحرمون ما أٌحل لهم ويحلون ما حرم عليهم؟ فقال رسول كثرى: كلا

وهنا قال ملك الصين: فإن هؤلاء القوم لا يهلكون أبدا حتى يحلوا حرامهم ويحرموا حلالهم.

وهذا بالضبط ما نفعله الأن في بلداننا وفي شبابنا والنتيجة ترونها كل يوم في حال الأمة العربية والإسلامية